المصريون وتجربة الانتخابات: هل يختفي "حزب الكنبة"؟
٢٢ ديسمبر ٢٠١١للمرة الأولى منذ عقود طويلة، تحظى الانتخابات في مصر بنسبة مشاركة واسعة من قبل قطاعات شعبية ظلت على مدار عقود من الزمن تعزف عن المشاركة في الحياة السياسية، حتى باتت تعرف باسم "حزب الكنبة (الأريكة)". وتتنوع أسباب عزوف المصريين عن الانتخابات في السابق، ما بين عدم نزاهة الانتخابات، وأن النتائج محددة سلفاً لصالح مرشحي الحزب الوطني الحاكم، أو بسبب خطورة المشاركة في ظل عمليات تنافس بين المرشحين، تصل في بعض الأحيان إلى الاقتتال أمام لجان الاقتراع بحثاً عن كرسي البرلمان، الذي يمنح صاحبه حصانة من المساءلة القضائية.
ويضاف إلى تلك الأسباب وضع النظام السابق عراقيل أمام المشاركة السياسية، سواء من ناحية تقييد عملية تكوين الأحزاب أو الانتساب إليها، أو من ناحية استخراج بطاقة خاصة للتصويت. كل هذه الأسباب وغيرها كانت كافية لدفع القطاع الأعرض من الشعب المصري للإعراض عن التوجه إلى صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات، الذي كان المصريون ينظرون إليه على أنه يوم عطلة يغضب البعض من جانب، أو يسعد آخرين في حصولهم على إجازات مجانية يجدون فيها الشوارع أقل ازدحاماً مما اعتادوا عليه.
من "حزب الكنبة" إلى التعطش للمشاركة
في ذلك الوقت كانت النخبة السياسية في أحزاب المعارضة تحث الناخبين على الخروج من أجل التصويت، في محاولة يائسة لمنافسة الحزب الحاكم، بينما كان المصريون، الذين لا يشعرون أصلاً بوجود هذه الأحزاب، يتهكمون كعادتهم على المشاركة في الحياة السياسية أو الانضمام إلى الأحزاب، معلنين أنهم من "حزب الكنبة". وبمرور الوقت أصبح هذا "الحزب" يمثل القطاع الأكبر من المصريين، الذين أصبحوا يتابعون الحدث السياسي متكئين على أرائكهم ومن خلال شاشة التلفزيون، بينما تطبخ الانتخابات وتُفصّل القوانين في البرلمان كما كان يرغب النظام.
لكن أحداث ثورة 25 يناير وبعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، ومن ثم حل حزبه الوطني – الحاكم سابقاً – ولد تعطشاً لدى كثير من المصريين لممارسة حقهم في المشاركة في العملية السياسية من خلال الانتخابات، وهو ما ساهم في خروج الملايين للتصويت على الاستفتاء الخاص بالتعديلات الدستورية في مارس/ آذار الماضي، فيما بدا كبروفة على الانتخابات البرلمانية.
إلى ذلك، ساهم ظهور عشرات الأحزاب المتنافسة على أصوات الناخبين،وذات التوجهات المختلفة بين ليبرالية وإسلامية، في زيادة حرارة المشهد السياسي، الأمر الذي دفع بالمزيد من الناخبين إلى صناديق الاقتراع، لاسيما أولئك الذين اصطفوا في طوابير أمام مراكز الاقتراع للمرة الأولى في حياتهم، بعدما كان الطابور الوحيد الذي يصطفون فيه هو طابور المخبز للحصول على الخبز.
حضور نسائي قوي وخوف من "الغرامة"
كما عرفت الانتخابات الأخيرة حضوراً نسائياً مميزاً، حتى في محافظات الوجه القبلي، المعروفة بتقاليدها المحافظة فيما يتعلق بظهور النساء ومشاركتهم في الحياة العامة. وتقول أم محمد، إحدى الناخبات في محافظة أسيوط، إنها ذهبت للتصويت حتى لا تضيع دماء شهداء ميدان التحرير هباء، وإن كانت تجد صعوبة في التعرف على المرشح الذي يستحق صوتها، خاصة مع كثرة عدد المرشحين وعدم تواصلهم جميعاً مع الناخبين.
وإضافة لمشاركة النساء، فإن قطاعاً آخر من الناخبين خرج للتصويت لهدف مختلف تماماً، وهو تجنب دفع غرامة مالية قدرها 500 جنيه مصري (حوالي 64 يورو) فرضها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يحكم مصر حالياً، على من يمتنع عن التصويت.
حول ذلك يوضح أحمد السبعيني، من ناخبي محافظة القاهرة، أنه بالكاد يجد قوت يومه، ولا يمكنه بالتالي تحمل أي غرامة قد توازي دخله الشهري بأكمله. لذلك قام بالإدلاء بصوته دون أن يعرف لمن يصوت أو حتى إن كان صوته صحيحاً من عدمه، إذ اكتفى بوضع إشارة أمام عدد من المرشحين، معتمداً في ذلك على رموزهم الانتخابية، دون أن يعرف إذا ما كانوا من المرشحين المستقلين أو ممن ينتمون لإحدى الكتل الانتخابية.
ويشير محللون إلى أن ارتفاع نسبة المشاركين في التصويت أحد مكتسبات ثورة يناير، وهي تدل على عودة الانتماء الوطني. كما أن هذه المشاركة ستسمح لقطاعات أعرض من الناخبين بممارسة عملية سياسية لم يألفوها من قبل، وهو ما من شأنه المضي قدماً في عملية التحول الديمقراطي في مصر.
عمرو صالح – القاهرة
مراجعة: ياسر أبو معيلق