مصر: مواجهات ونزيف وتخريب و انتخابات
١٩ ديسمبر ٢٠١١يبدو المشهد في مصر غامضاً وتسوده ضبابية تحجب الرؤية وتمنع المراقب من التعرف على أطراف الخلاف، فالمجلس العسكري على لسان عضوه اللواء عادل عمارة أكد الاثنين (19 كانون الأول/ ديسمبر 2011) "أن أحداث مجلس الوزراء وشارع القصر العيني أثبتت أن هناك خططاً ممنهجة لهدم الدولة".
شباب الثورة المعتصمون في ميدان التحرير يتهمون المجلس العسكري بالتمسك بالسلطة، لكن رئيس المجلس الاستشاري المصري منصور قال في حوار صحفي نشر الاثنين إنه "مقتنع تماماً أن المجلس العسكري لا ينوى البقاء في الحكم ولو لدقيقة إضافية"، مستنكراً المطالبة بـ"إسقاط حكم العسكر" ومعتبراً أن "هذا العنف من أي طرف غير مبرر على الإطلاق"، لكنه لم يفصح بصراحة عن الأطراف التي تشعل العنف والتخريب.
المحتشدون في ميدان التحرير مستمرون في تظاهراتهم رغم أن الانتخابات جارية، وقد يكون معنى هذا أنهم لا يجدون أنفسهم ممثلين في هذه الانتخابات، وهذا ما ذهب إليه مروان عبد العزيز الصحفي في "قناة الحياة" الفضائية المصرية في حديث مع دويتشه فيله مشيراً إلى" وجود شرخ كبير بين المجلس العسكري وبين شباب ثورة يناير الذين يشعرون أن المجلس العسكري يقف ضد ثورتهم، فيما يشعر المجلس العسكري أن شباب الثورة لا يمتلكون أفكاراً أو خططاً محددة لإدارة المرحلة القادمة، ومن هنا فإن عليهم أن يلتزموا بما يقوله المجلس الذي يسعى إلى تنفيذ كل مطالب الثورة". ويمضي عبد العزيز إلى القول "الشباب يشعرون بخيبة أمل بسبب توقيت إجراء الانتخابات حيث أنهم لم يستعدوا لها بعد، ورغم أنهم شكلوا تحالفاً سموه الثورة مستمرة إلا أنهم افتقروا إلى الموارد والمقومات التي تؤهلهم للتنافس مع الأحزاب التي تتصارع لتحقيق أغلبية برلمانية تتمكن من خلالها من كتابة دستور جديد".
من يدمر الممتلكات العامة وينهب الأموال العامة؟
الصحفي مروان عبد العزيز اعتبر "أن شباب ثورة 25 يناير لا علاقة لهم بمن يقومون بالتخريب والنهب، بل أنهم في عز إحداث الثورة خاضوا معارك دامية دفاعاً عن ممتلكات الدولة، وحين انسحبت قوات الأمن من الشوارع وفتحت أبواب السجون للبلطجية واللصوص، شكّل شباب الثورة دروعاً بشرية ولجاناً شعبية تولت حماية المنازل والممتلكات العامة". ويوضح الصحفي المصري أن ما يحدث في ميدان التحرير الآن سببه أن كثيراً من أبناء الطبقة الكادحة "يشعرون اليوم بأنهم لم يستفيدوا من ثورة توقعوا منها المزيد". كما أن ذوي الشهداء منهم يعتقدون "أن من قتلوا أبناءهم لم يتلقوا جزاءا عادلاً"، ويمكن القول أن كل أعمال العنف التي حدثت منذ تنحي مبارك عن السلطة سببها "عدم تحقق العدالة القانونية والاجتماعية".
"صمت وغموض موقف المجلس العسكري تجاه الأحداث خطير"
أما الصحفي مجدي حلمي مدير تحرير جريدة "الوفد" فقد ذهب في حديثه مع دويتشه إلى منحى آخر معتبراً: "أن هؤلاء الشباب معترضون على تولي كمال الجنزوري رئاسة الوزراء لأنهم يعتبرونه أحد رموز النظام السابق. لكن ما جرى يوم الجمعة الماضية من أعمال حرق ونهب وتخريب يقع ضمن مسلسل من الأحداث الغامضة التي بدأت في مصر بأحداث مسرح الباليه في شهر نيسان/ أبريل الماضي، مجموعات مجهولة تنبث وسط المتظاهرين وتقوم بأعمال شغب، وصدرت اتهامات من البعض بوقوف أطراف من الحزب الوطني المنحل وراء هذه المجاميع. كما صدرت اتهامات أخرى بوجود أطراف خارجية وراء هذه المجاميع، وهذا أمر استبعده لأن من مصلحة كل دول جوار مصر أن تستقر الأوضاع فيها". ومضى الصحفي مجدي حلمي إلى القول: "الأغرب هو الصمت والغموض الذي يتعامل به المجلس العسكري مع هذه الأحداث، بل أن الأخطر أن النيابة العامة لم تكشف لحد الآن عن عمليات الحرق والتدمير والنهب المنظم التي جرت في 28 من يناير/ كانون ثاني الماضي. تلك الهجمات اتسمت بتنظيم وتوقيت وتنسيق يجعل من الصعب وصفها بأنها من أعمال عصابات رعاع استغلت حالة الغليان السياسي وراحت تنهب وتخرب على هواها".
"إحراق الممتلكات العامة عملية ثأرية"
ويبدو أن اعتراضات الشباب تنصب على طريقة أداء المجلس العسكري وعلى تسلسل الإجراءات التي اتخذها لرسم المشهد السياسي، فالشباب سعوا إلى كتابة دستور تبدأ من خلاله مسيرة التغيير لكن الجيش اختار إجراء الانتخابات أولاً وهذا ما يراه الصحفي احمد الخطيب رئيس القسم السياسي في صحيفة المصري اليوم في حديثه مع دويتشه فيله مؤكداً: "أن الجيش في تقديري لا يهاجم المتظاهرين، لكن المتظاهرين لديهم ثأر من سير العملية الانتخابية التي أدت إلى حصول الإسلاميين على نسب تصويت عالية، والمطالبة برحيل الجيش عن السلطة تعرض البلد برمته للخطر خصوصاً أنه لا توجد اليوم مؤسسة تحفظ امن البلد والجيش هو المؤسسة الوحيدة المنظمة المتماسكة في مصر، ورحيل الجيش سينجم عنه صراع بين القوى السياسية على الأرض ما يضع البلد في وضع يشبه الحرب الأهلية".
وفي معرض حديثه عن الجهة التي تقف وراء أعمال التخريب والنهب والحرق أشار الخطيب إلى اتهامات توجه للجيش، واتهامات تطال المتظاهرين وأصوات أخرى تتهم جهات خارجية لكنه عزا ذلك في النهاية إلى "أن القوى الثورية الموجودة في ميدان التحرير تريد أن تثأر بأي شكل من قيام الجيش بإطلاق النار عليهم لتفريقهم فيقوموا بإحراق ونهب المصالح العامة انتقاماً من الجيش".
ردود الفعل الدولية
ألمانيا وعلى لسان وزير خارجيتها غيدو فيسترفيله أعربت عن قلقها إزاء الاشتباكات العنيفة الجارية بين قوات الأمن والمتظاهرين في القاهرة. فيسترفيله دعا إلى "أن يتحدد مصير مصر من خلال صناديق الاقتراع والإصلاحات الديمقراطية، كما يجب على الشرطة والجيش احترام الحقوق المدنية، وكذلك على كافة الأطراف نبذ العنف".
من جانبها قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون: "اشعر بقلق عميق بشأن التقارير المتواصلة عن العنف في مصر. وأحث قوات الأمن المصرية على احترام وحماية الحقوق الشاملة لكل المصريين". كما دعت المحتجين إلى "الابتعاد عن أعمال العنف".
يأتي هذا في وقت طالبت فرنسا فيه اليوم السلطات المصرية بإجراء "تحقيق مفصل وشفاف حول الأسباب والمسؤوليات" في احتراق مبنى المجمع العلمي في القاهرة وأرشيفه القيم.
أعلن ذلك المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو مضيفاً أن "هذه الكارثة الثقافية تضاف إلى مأساة القتلى الذين سقطوا في المواجهات مؤخراً، ما يحضنا على الطلب بإصرار من السلطات المصرية أن تعزز في أسرع وقت ممكن العودة إلى الحوار وضمان الظروف الطبيعية لممارسة حرية التعبير والتظاهر السلمي".
وكان نابليون بونابارت قد أسس المجمع العلمي عام 1798الذي يضم حوالي 200 ألف مخطوطة بعضها نادر جداً حول تاريخ مصر وجغرافيتها.
ملهم الملائكة
مراجعة: عماد غانم