شامة درشول: الشعب لا يريد...
٢ نوفمبر ٢٠١٦أجلس في قاعة الانتظار بمطار كازابلانكا(الدار البيضاء) أنتظر الطائرة التي ستقلني إلى إسطنبول، الساعة تشير الى الثانية بعد الزوال بتوقيت المغرب، يرن هاتفي معلنا أنني توصلت برسالة، أطلع عليها فأجد أحد أصدقائي وقد بعث لي يقول:
شاما، هل ستخرجين في المظاهرة اليوم؟
ـ أنا في طريقي إلى إسطنبول...
ـ هل تعتقدين أن الأمر جدي؟
ـ ماذا تعني؟
ـ يعني هل سيخرج المتظاهرون اليوم؟
ـ هذا ما أتابعه على فيسبوك وأظن كل المدن سيخرج فيها متظاهرون.
ـ بوعزيزي آخر شاما؟
ـ ربما..كل شيء جائز!
ـ هل ستعودين إلى المغرب بعد سفرك؟
أتأمل السؤال جيدا، صديقي يعرف أنني أحمل في حقيبة يدي بطاقة إقامتي الكندية، ويعرف أنني أُصاب بقلق شديد من أي شائبة تشوب المغرب. لا يقلقني أن يخرج المتظاهرون في المغرب، أرى الأمر صحيا، أراه جزءًا من الحراك الذي لم يمت بموت حركة عشرين فبراير(الشبابية في المغرب)، فالحركة ما هي إلا جزء من الحراك وليس الحراك كله، ما يقلقني كما يقلق الكثير من أبناء الطبقة التي أنتمي إليها والتي تتعرض لـ "طحن" يومي، حتى ما باتت تعرف كانت هي من الطبقة المتوسطة، أو أدنى، هو أن يأتي ما يأخذني بالأخضر واليابس في البلاد.
"في المغرب إن حصل مكروه، الفقراء وأمثالنا من سيبقون عالقين هنا، أما الأغنياء وأصحاب النفوذ فسيفرون قبل أن تنقلب سفينة نوح بمن عليها"... أقول دوما لأصدقائي من الدول العربية في حديث عن عملية الإصلاح في المغرب حتى وإن كانت بطيئة فلا يجب كسرها بقلاقل ترجع المغرب إلى ما قبل مرحلة الصفر.
"لا أريد جنسية، لا أريد فيزا(تأشيرة سفر للخارج)، أريد أن أعيش في وطني الذي ولدت فيه، وأشعر فيه أنه ليس أقل من البلدان التي يحلم بها المطحونون في بلدي"، أقول لأصدقائي في لقاء بتونس وأنا أسمعهم يتحدثون عن أحلامهم في الرحيل من أوطانهم الأم بعد أن عصفت بها رياح الربيع.
تمر بضع أيام ويسقط الشاب محسن فكري ضحية لقانون يطبق على مواطنين من درجة "من دون واسطة" فيجعلهم مواطنين من الدرجة الثالثة، ولا يطبق على مواطنين من درجة "واسطة" فيجعلهم مواطنين درجة أولى، تهيج شبكات الاعلام(التواصل) الاجتماعي، يخرج هاشتاغ #طحن_مو يكتسح الانترنت، ويخرج إلى الشارع المئات من المتظاهرين مطالبين بـ"إسقاط الفساد"، وفي وسط موجة الاحتجاجات هاته تخرج أصوات من هنا وهناك مطالبة بمغرب للمغاربة، أتابع ما يحدث في وطني الأم، وأنا أتذكر مقولة أحد نشطاء حركة عشرين فبراير حين قال بعد التصويت بالأغلبية على دستور المملكة الجديد إن "الشعب لا يريد"... كان الفتى الشاب يقصد أن الشعب المغربي لا يريد المضي قدما نحو الإصلاح وليس مجرد الترقيع، فهل مع انتفاضات 30 أكتوبر لا زال الشعب المغرب لا يريد؟
أتأمل في الأخبار الواردة على فيسبوك، أطالع التعليقات والمنشورات، أحاول أن أعرف ماذا يريد الشعب المغربي حتى أعرف ما الذي لا يريده...
الشعب يريد الديمقراطية لكنه لا يريد الذهاب من أجل التصويت في الانتخابات.
الشعب يريد عبد الإله بن كيران(رئيس الحكومة المكلف) لأنه ينتمي لتيار إسلامي، لكنه يريد العيش في مجتمع منفتح كالمجتمع الألماني.
الشعب يريد الاستقرار في البلاد لكنه يريد الحصول على لجوء في النرويج.
الشعب يريد توقف المخزن عن الاستبداد والتحكم لكنه لا يمانع في اللجوء إلى نفس المخزن من أجل قضاء أغراضه.
الشعب يريد توقف الفساد في المغرب لكنه لا يمانع من الحصول على نتائج بدون جهد.
الشعب يريد أن يعيش في مجتمع تطبق فيه شرائع الله لكنه يريد العيش في مجتمع علماني يقوم على قواعد مدنية.
الشعب يريد أن تقوم ثورة في البلاد لكن دون أن تُهدر فيها دماء.
الشعب يريد أن يحصل على جنسية كندية لكن أن يتمتع بشمس مغربية.
الشعب يريد الكثير لكنه لا يريد بذل أي قليل....
فهل بات الشعب المغربي يعرف ما يريد وهو يستعد لمسيرة أخرى بتاريخ الثاني من نوفمبر؟
حسب التقارير الإعلامية الدولية والمحلية، فان المسيرات التي خرجت في المغرب كانت مسيرة الأغلبية الصامتة التي لا تذهب لصناديق الاقتراع لتصوت لأنها فقدت ثقتها في المشهد السياسي، وأن هذه الأغلبية خرجت في مظاهرات سلمية، وأن مظاهرات 30أكتوبر كانت أكثر تحضرا وتنظيما من احتجاجات 20 فبراير، لكن هل بات الشعب في المغرب يعرف ماذا يريد؟
في اليوم التالي على خروج المغاربة في مسيرات ضخمة خرجت قصاصة إخبارية من وكالة المغرب العربي للأنباء تقول بأن العاهل المغربي الملك محمد السادس قرر توكيل محام فرنسي للدفاع عن الفنان المغربي سعد لمجرد المتهم في قضية اغتصاب، يتداول من يسمون في المغرب بـ"شعب فيسبوك" الخبر بالكثير من الامتعاض، ويعلق الكثيرون ومنهم نشطاء أن الملك "يستهزئ" بمشاعر المغاربة المحزنين على فكري الذي أصبح رمزا للطبقة المطحونة في المغرب، والتي تشمل كل طبقة ليس لديها جهة ذات نفوذ تحميها، وليس فقط طبقة تصارع من أجل لقمة العيش، يغضب الشعب من أجل محسن، وضد سعد، لكن...
هل يعرف هذا الشعب أن الديمقراطية، تعني أن الوطن للجميع فنانا كان أو بائع سمك؟
هل يعرف هذا الشعب أن العدالة الاجتماعية لا تعني إقصاء المواطن الفنان المشهور من أجل المواطن البائع المتجول؟
هل يعرف هذا الشعب أن تطبيق القانون في بلد يحترم القانون لا يعني أن يطبق لصالح الفقراء فقط لأنهم فقراء وليس لصالح الأغنياء فقط لأنهم اغنياء؟
هل يعرف هذا الشعب بان الفن ورموز الفن من علامة تقدم مجتمع ديمقراطي تسود فيه العدالة الاجتماعية وأن الفنان ليس أداة ترفيه وإنما يحسب في هذه المجتمعات من النخبة؟
هل يعرف هذا الشعب أن حرقته على موت الشاب محسن في ظروف لا إنسانية لا تعني بالضرورة قتل الشاب سعد فقط لأنه لم يكن بائع سمك؟
الشعب الذي خرج في 20 فبراير مطالبا بـ "خبز، حرية، عدالة اجتماعية"، هو نفسه الشعب الذي خرج في 30 أكتوبر، يطالب بـ"الكرامة"، وسيخرج في 2 نوفمبر مطالبا بـ"العدالة الاجتماعية"، وربما في تواريخ أخرى مطالبا بأشياء أكثر وأكبر، فالحراك لا يموت وإن ماتت الحركات، لكن الشعب سيحيى طويلا إن خرج وهو يعرف ما يريد، وخرج وهو يعرف أن الوطن الذي عليه أن يدافع على المواطن "محسن فكري" بائع السمك، هو نفسه الوطن الذي يجب ألا يتنكر للمواطن "سعد لمجرد".
هذا الوطن ما سيجعل الطبقات المطحونة في المغرب لا تفكر في الهجرة فقط من أجل وطن بديل، ولا في الجنسية فقط من أجل بلد رحيم، فالديمقراطية لا تتجزأ.