سياسة ألمانيا الخارجية وتحولات دول الربيع العربي
٢١ ديسمبر ٢٠١٢
إلى أين تسير الثورات في بلدان الربيع العربي؟ سؤال يصعب التكهن بإجابته، لكن من المؤكد أن موجة الاحتجاجات في البلدان العربية الثائرة أخذت منحى مختلفا عما كان متوقعا. ورغم ذلك، استطاعت السياسية الخارجية الألمانية اتخاذ مسار ينطلق من دعم الثورات. هذا ما أكده أندرياس بيشكه المتحدث الرسمي عن الخارجية الألمانية ردا على أسئلة موقع DW. بيشكه قال إن "بلاده دعمت الثورة التونسية عند انطلاقها". وكما هو معلوم انطلقت من تونس الشرارة الثورية الأولى التي بلغت مصر واليمن وليبيا وسوريا والبحرين وغيرها.
وأضاف المتحدث أن بلاده أكدت باستمرار على ضرورة احترام حقوق الإنسان مهما بلغ عمق التغيرات الاجتماعية، فالحكومات الجديدة "مطالبة باحترام حقوق جميع الطبقات الاجتماعية والفئات السياسية داخل المجتمع، إضافة إلى احترام الأقليات الدينية، وكذا احترام الحقوق الأساسية للفرد".
أسس السياسة الخارجية الألمانية
في موازاة ذلك، تقودنا هذه الثورات على الجانب الآخر إلى تقييم السياسة الألمانية الخارجية في زمن ما قبل الربيع العربي، للنظر إلى طريقة تعامل برلين مع الأنظمة السابقة والتي انتفضت ضدها الشعوب. لقد كان هناك تعاون مشترك بين ألمانيا ونظامي بن علي ومبارك، سواء على مستوى أمن الحدود وملف الهجرة أو التبادل التجاري. هذا التعاون دفع بالبعض، حسب هايو لانز من مؤسسة فريدريش إيبرت المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض، إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى الحكومة الألمانية متهمة إياها بأنها "قدمت العون" إلى تلك الأنظمة وساهمت في "إطالة عمرها". ويؤكد الخبير أن احترام مبادئ حقوق الإنسان، والنزاهة وحق المشاركة السياسية وحرية التعبير والإعلام وغيرها، أُهملت في سبيل تمرير التعاون المشترك في القضايا المذكورة آنفا.
الموقف ذاته عبر عنه روبريشت بولانز عن الحزب الديمقراطي المسيحي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني حين أوضح أن سياسية بلاده الخارجية تعمل وفق خمسة أسس وهي: التعاون الاقتصادي، والتعاون المشترك في قضايا الهجرة وأمن الحدود ومحاربة الإرهاب الدولي، بالإضافة إلى "حماية حدود إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، تهدف إلى العيش بسلام في محيطها الإقليمي في إطار حل الدولتين". وفي نهاية المطاف الدفع نحو الإصلاح والدمقرطة وبناء دولة القانون واحترام حقوق الإنسان. ومنذ انطلاق الثورات العربية، بلورت ألمانيا سياستها الخارجية على هذا الأساس، باستثناء حقوق الإنسان والإصلاح التي نالت اهتماما بسيطا فقط.
ما حدث في السابق، يستدعي اليوم حسب بولانز "العمل على ترسيخ مبدأ حقوق الإنسان وأسس دولة القانون". ويمكن تحقيق ذلك عبر الحوار خاصة في الحالة المصرية، إذ يقول الأخير إن الألمان "مقتنعون بأن هذه المبادئ تصب في مصلحة المصريين أيضا، كما أنها كانت تشكل أحد مطالب الثورة". وعطفا عن ذلك، هناك "اهتمام كبير من قبل الحكومة الألمانية بأن يسود الأمن مصر، فالحركة السياحية على سبيل المثال لا يمكنها أن تشهد انتعاشا إلا إذا عاد الأمن وعمّ الأمان". ولهذا السبب تنتظر ألمانيا من أن تتحول مصر إلى ديموقراطية تمثيلية بمعناها الواسع. وهذا يعني حسب بيشكه أنه وبغض النظر عن نتائج الاستفتاء على مشروع الدستور، فإن من الواجب أن يحترم الدستور الجديد جميع الفئات الاجتماعية والأقليات الدينية.
الملف السوري
في المقابل تواجه الخارجية الألمانية مشاكل مختلفة في الملف السوري، إذ مازال العنف سيد الموقف هناك. ولا يوصي الخبير من مؤسسة فريدريش إيبيرت بأي تدخل عسكري في سوريا "نظرا للتحالفات الدولية والإقليمية المعقدة". لكنه في الوقت ذاته ينصح بدعم ائتلاف المعارضة ومدها بالسلاح، لأنه "من الصعب التمادي في غض الطرف عن انتهاكات الجيش النظامي والتي هي أقرب من جرائم الإبادة الجماعية".
ومن المعروف أن الحكومة الألمانية اعترفت بائتلاف المعارضة السورية. وبينت برلين لممثلي الائتلاف بوضوح أن عليه أن يتحول لمنبر يضم جميع قوى المعارضة بمشاربها المختلفة بما في ذلك المسيحيين والعلويين والأكراد. وأوضح الخبير أن "الألمان يطالبون الائتلاف باستغلال نفوذه لحماية المدنيين وتكريس ثقافة حقوق الإنسان".
الصراع بالشرق الأوسط
أما فيما يتعلق بملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد أرسلت برلين رسالة قوية إلى تل أبيب عندما امتنعت عن التصويت لصالح فلسطين "كدولة مراقبة غير عضو" في الأمم المتحدة، لأن الامتناع في حد ذاته يعتبر غزلا للطرف الفلسطيني. وأوضح بولانز بهذا الصدد أنه لم يكن بوسع بلاده "رفض المطلب الفلسطيني لأنه يتماشى مع مقررات الرباعية الدولية، بما في ذلك الاعتراف بحدود 67. وهذا يعني أن الطلب فرصة للتوصل إلى حل للنزاع". وورد في تصريح للخارجية أنه "لا يمكن التصويت ضد طلب، يعبر عن ذات الموقف الذي نتبناه من ناحية المضمون وإن جاءت صياغته اللغوية مغايرة لما رددناه في السابق".
ويعتبر لايو لانز أن التصويت بالرفض كان من شأنه إرسال رسالة خاطئة، بينما كانت الموافقة مستبعدة لكونها كانت ستشكل ضربة قوية للجانب الإسرائيلي، لكن الأهم بالنسبة للخارجية الألمانية إرسال إشارات ذات دلالات يمكن استيعابها بسهولة".