الإعلام والثورات العربية... انتقائية وتَبَعيّة أم مصداقية ومِهَنية؟
١٧ ديسمبر ٢٠١٢هناك انتقادات واسعة لتغطية وسائل الإعلام الغربية للصراع السوري. ففي أغلب الوقت، كانت التقارير مبسطة للغاية، حمل فيها طرفا الصراع هويات محددة للغاية، موزعة بين "الصالح" و"الطالح"، على غرار أفلام هوليوود.
القصص التي تسردها هذه التقارير هي كالتالي: "الحكومة السورية الدكتاتورية تعذب وتقتل المواطنين والمتظاهرين العزل، بما فيهم النساء والأطفال، بينما يحاول الغرب وجامعة الدول العربية حماية هؤلاء المدنيين".
وبينما لا يمكن إنكار حقيقة أن المدنيين يدفعون ثمن سعيهم للحصول على الحرية، وأن الكثير منهم يُقتلون على أيدي القوات النظامية، إلا أن ذلك لا يعكس الصورة بأكمله. والكثير من المعلقين كتبوا حول نقص الحيادية أثناء تغطية أحداث مروعة كتلك التي تحصل في سوريا.
أسعد أبو خليل، المعروف بلقب "العربي الغاضب"، كان قد كتب عدة مقالات انتقد فيها تغطية الإعلام الغربي. كما نشر المعلق الإماراتي سلطان القاسمي مؤخراً مقالاً ناقداً للغاية في مجلة "السياسة الخارجية" الأمريكية حول تغطية قناتي الجزيرة والعربية المنحازة.
انحياز إعلامي
لكن من السذاجة الافتراض أن سوريا مستهدفة بشكل متعمد في هذا الصدد، ذلك أن التغطية الإعلامية للربيع العربي وتبعاته بشكل عام كانت سيئة للغاية، وتبرز فيها بعض الأخطاء المشتركة.
فبالرغم من ميثاق أخلاقي واضح ومعروض على موقع الجزيرة الإلكتروني، فإن القناة قد تخلت عن المعايير الأساسية للصحافة، وفشلت حتى في القيام بأبسط درجات تقصي الحقائق، إذ اعتمدت الجزيرة بقناتيها العربية والإنكليزية على تقارير من متصلين مجهولين ومقاطع فيديو غير مؤكدة.
إلا أن هذه المقاطع ظهرت أيضاً في مواقع إخبارية شهيرة حول العالم، مثل "بي بي سي"، التي تدعي بدورها أيضاً اتباع معايير أخلاقية صارمة. لم تكن سوريا حالة خاصة في هذا السياق، إذ كانت قناة "سي إن إن" الأمريكية هي أول من اعتمد على مقاطع فيديو يصورها ناشطون واتصالات لمجهولين أثناء تغطيتها لـ"الثورة الخضراء" في إيران سنة 2009.
وفي مقابلة مع موقع قنطرة، يشير الدكتور توماس بييريه، المحاضر في جامعة إدنبره، إلى أن "المناحي الأكثر عنفاً في الثورة المصرية لم تحظَ بتغطية إعلامية، خاصة حرق مراكز الشرطة وقتل الكثير من رجال الشرطة في مدينة الإسكندرية في التاسع والعشرين من يناير".
كما يوضح بييريه أن هناك مبالغة في أعداد من شاركوا في الاحتجاجات بمصر، مضيفاً أنه "كانت هناك مبالغة كبيرة في أعداد المشاركين في مظاهرات ميدان التحرير، فلا يمكنك وضع مليون شخص في منطقة بمساحة ميدان التحرير، ولا حتى نصف هذا العدد. لقد كانت هناك أوقات قربت فيها الكاميرا التي تصور الاحتجاجات من فوق أحد الأبنية الصورة كي تخفي حقيقة أن الميدان كان شبه خال".
تضخيم الخلافات القبلية والطائفية
إحدى القضايا الأخرى التي تم تضخيمها هي الاختلافات القبلية والطائفية السائدة في كثير من الدول العربية، وهو ما حصل في سوريا، التي تم تبسيط الصراع فيها إلى حرب بين "الحكومة التي يهيمن عليها العلويون ومليشيات الشبيحة" والمحتجين من الأغلبية السنية. وفي هذا الصدد، تقول بروك أندرسون، الصحافية المقيمة في بيروت، لموقع قنطرة، أن المشكلة تكمن في المبالغة في الإشارة إلى الأحياء على أنها علوية أو مسيحية أو سنية.
وتضيف أندرسون: "إنني أتفهم أن من الضروري أحياناً الإشارة إلى الخلفية الدينية والعرقية من أجل وضع القصة في سياق مناسب، لكن ليس طوال الوقت! هذه التغطية توحي بأن السنة الشجعان أو المتطرفين يقاتلون الغول العلوي، والمسيحيون لا يبالون بأحد. هذا ليس عادلاً لأي منهم". وفي الواقع، هناك الكثير من العلويين المناهضين للأسد كما أن هناك الكثير من السنيين الموالين له.
مرة أخرى، هذه القضية ليست حكراً على الصراع في سوريا، بل تكررت من قبل وسائل الإعلام، التي ركزت في تغطيتها على القبلية في ليبيا أو الطائفية في العراق. وفي مقال رأي منشور في صحيفة "الغارديان"، يعتبر حيدر الخوئي أن دور الطائفية في العراق تم تضخيمه، وأن "المنافسة السياسية، وليس الطائفية، تهيمن على السياسة العراقية". فالشيعة والسنة لا يستهدف بعضهم بعضاً، بل الجهاديون هم من يستهدفون الطائفتين.
افتقار إلى الثبات المهني
وتمضي بروك أندرسون إلى توضيح خطأ آخر في التغطية الإعلامية الدولية للربيع العربي، وتقول إنه لم يتم بذل جهد كبير من أجل متابعة بعض القصص الكبيرة، بما في ذلك قصة "النجاح" في اليمن وتونس وليبيا. التغطية المتابعة مهمة من أجل التحقق من أن قادة البلاد الجدد ينفذون وعودهم وأن البلاد على طريق إعادة البناء.
كما أن نقص التوازن في التقارير أو في برامج الحوار التلفزيونية يعتبر من المشاكل الأساسية في تغطية أحداث الربيع العربي وتبعاته بلا استثناء، إذ تم تسجيل غياب واضح للمتحدثين المؤيدين للأنظمة في كل وسائل الإعلام.
إضافة إلى ذلك، فإن الكثير من وسائل الإعلام مذنب في تغطية الأحداث قبل اتضاح تفاصيلها، وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هي مجزرة الحولة، التي تم وصفها بسرعة كهجوم جديد من قبل النظام على المدنيين الأبرياء. وفيما بعد، اتضح أن الموقف لم يكن واضحاً تماماً، وأن العديد من وسائل الإعلام، بما فيها "بي بي سي"، قد اعتمدت على مصادر لم تتأكد منها مسبقاً وتبين فيما بعد أنه تم التلاعب بها.
وبناء على ذلك، قدم رئيس تحرير نشرة الأخبار في قناة "بي بي سي"، جون ويليامز، اعتذاراً عن التقرير، مضيفاً أن "الشك المعقول يعتبر من أهم مميزات الصحافي، خاصة في تغطية الصراعات. التحديات كبيرة والأمور قد لا تبدو كما هي عليه".
وضوح الانتماء السياسي
إلى جانب ذلك، تجاهل عدد من وسائل الإعلام تطورات إقليمية هامة من أجل تغطية "حدث اليوم" بشكل مستمر، وهذه ليست ظاهرة حديثة، وقد نشر الكاتب المغربي حسن ماسكي مقالاً ساخراً على موقع Morroccoboard.com انتقد فيه تحيز قناة الجزيرة، مشيراً إلى أن الجزيرة تجاهلت أو حيّدت قصصاً هامة، مثل اعتقال مصطفى سلامة ولد سيدي مولود في الحادي والعشرين من سبتمبر 2010 على يد السلطات الجزائرية، وقصة المسؤول في حركة البوليساريو الذي أعلن تأييده لخطة الاستقلال الذاتي للصحراء الغربية التي اقترحها المغرب.
ويخلص ماسكي إلى أن "الجمهور المغربي، الذي دعم الجزيرة في بادئ الأمر، مرتاع للتحيز الواضح لهذه القناة ضد المغرب. سيتطلب الأمر ما هو أكثر من الصراخ والحجج المعادية لإسرائيل من أجل إقناع بعض المشاهدين بحيادية الجزيرة وتوازنها".
ومؤخراً، بدأت بعض الانتماءات السياسية تطفو على السطح من خلال غياب التغطية للأحداث التي تقع في بعض الدول مثل البحرين. وفي مقال نُشِر مؤخراً في صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية، استنكرت فاطمة كانجي غياب الاهتمام الإعلامي، معتبرة أن "الانتفاضة في البحرين شهدت تغطية إعلامية قليلة وانحيازاً سياسياً غربياً مستمراً للنظام الحاكم، بالرغم من الاعتراف الواضح بتعذيب المعتقلين واستخدام العنف ضد المتظاهرين والاعتقالات والمحاكمات التعسفية".
قناتا الجزيرة والعربية لم تشكلا الاستثناء، إذ تجاهلتا بشكل شبه كامل القمع الوحشي للاحتجاجات في البحرين من أجل المحافظة على علاقات جيدة للدول التي تحتضنهما ومن أجل تجنب احتجاجات مماثلة في عواصم تلك الدول. وفي هذا السياق، استقال مراسل الجزيرة علي هاشم في مارس 2012 احتجاجاً على التغطية في البحرين وسوريا، إضافة إلى المقدم البارز غسان بن جدو، الذي قال إن الجزيرة "أنهت حلم الحرفية والموضوعية".
ومثل السعي للحرية والديمقراطية، فإن الموضوعية في الإعلام شارع ذو اتجاه واحد ولا يمكن التفاوض حوله، فإما أن تكون معه أو ضده.
أميرة محسن جلال
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2012
أميرة محسن جلال صحفية ومحللة سياسية تركز على منطقة الشرق الأوسط. تخرجت أميرة جلال من كلية وادهام بجامعة أوكسفورد، وتحمل شهادة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط والصحافة الدولية.