سوريا: حرب للسيطرة على خطوط النقل والاتصالات والطرق السريعة
١٣ يونيو ٢٠١٣كل من يسافر عبر سوريا سوف يمر في نهاية المطاف بمدينة القصير، التي تقع في قلب البلاد، لتشكل بذلك صلة الوصل بين مدينتي دمشق وحلب. القصير مدينة تحيطها بساتين الزيتون والمشمش الخلابة. وحتى عن طريق الساحل يمكن الوصول إلى القصير، كما أنها تبعد حوالي 150 كيلومتر إلى الشرق من مدينة تدمر، ومن الجانب الغربي فإنها لا تبعد سوى بضعة كيلومترات من لبنان المجاورة.
هذا الموقع المركزي لمدينة القصير هو الذي جر عليها الويلات، ففي مطلع عام 2012، تمكن الثوار السوريون من السيطرة على هذه المدينة ليقطعوا بذلك الخط الذي يصل دمشق بباقي مناطق البلاد. وفي آيار/ مايو من العام الجاري أعدت قوات الأسد لهجوم على هذه المدينة وقامت بمحاصرتها لثلاثة أسابيع، شنت خلالها قصفاً عنيفاً لم يتوقف ولم يعط أي فرصة للسكان المدنيين لمغادرة المدينة. ومع الدعم الهائل الذي تقدمه قوات حزب الله لقوات الأسد، تمكنت هذه الأخيرة من استعادة المدينة بعد أن استحالت إلى ركام من الدمار والجثث المتفحمة، حيث كان عدد سكان المدينة سابقاً يُقدر بحوالي 30 ألف نسمة، لم يترك القصف منهم إلا حوالي 5000 شخص.
طرق نقل إستراتيجية
تعد القصير منطقة حيوية بالنسبة لقوات النظام السوري لاستعادة السيطرة على الشمال أو الانسحاب نحو الساحل، حالة القصير تبين أن الحرب الأهلية القائمة في سوريا الآن هي من أجل السيطرة على طرق النقل المركزية من أجل الحفاظ على خطوط الإمداد مفتوحة. وأصدر المركز التركي للدراسات الاقتصادية والسياسات الخارجية مؤخراً دراسة عن الجانب الاستراتيجي للصراع الدائر حالياً في سوريا، وصف فيها الوضع على أنه "حرب على خطوط النقل والاتصالات والطرق السريعة".
لم تكن السيطرة على القصير من أجل موقعها الحيوي فقط، ولكن لأنها تربط دمشق بالساحل السوري، حيث تعيش الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد، وحيث يوجد أشد مناصريه صلابة. وفي حالة سقوط نظام الأسد فإن المناطق الساحلية ستكون بمثابة الملجأ الذي سيحتمي به الرئيس الأسد.
ومن هنا فإن استعادة القصير تعد انتصاراً مهماً لقوات النظام السوري، كما يرى الخبير الألماني فولكر بيرتيس، من المعهد الألماني للدراسات الأمنية والإستراتيجية في برلين، لكن من الصعب القول ان انتصاراً واحداً مثل القصير سيكون له تأثير كبير على الصراع العسكري ككل، وذلك لأن "الثوار ليس لديهم القدرة على تحقيق الانتصار بالسرعة التي يتوقعونها، كما أن النظام السوري لم يعد قادراً على استعادة مساحات أكبر في الشمال والشمال الشرقي من البلاد".
الريف مقابل البلدات والمدن
تعد مناطق الشمال هي الأكثر أهمية، وهي المناطق التي يسيطر عليها الثوار، "قوات المعارضة هي الأقوى في محافظة إدلب في شمال غربي البلاد"، كما يشير ديفيد باتر من المعهد الملكي للشؤون الدولية في حوار مع DW. كما يسيطر الثوار على أجزاء مهمة من مدينة حلب وكذلك المناطق المجاورة إلى الشمال والشرق، وصولاً إلى الحدود التركية. ويفرضون سيطرتهم على أجزاء من وادي الفرات والمناطق الريفية حول مدينة حمص.
أما في المدن الكبرى فإن النظام هو صاحب اليد العليا، إذ حقق انتصارات عسكرية في كل من دمشق وحمص وطرطوس، حيث توجد القاعدة العسكرية الروسية. لكن لم يحُسم أي شيء بعد، كما يؤكد هشام مروة عضو المجلس الوطني السوري، الذي يضيف قائلاً: "النظام يحرز تقدماً لأن المعارضة ليس لديها ما يكفي من الأسلحة. يجب أن يتلقوا المزيد من الأسلحة حتى تتغير الأمور بسرعة لصالحهم".
صراع عسكري لا يمكن التنبؤ بنتائجه
وفي الوقت الراهن يبدو أن النظام بات يستعيد بعض الأراضي وكذلك بعضاً من قوته، لكن ليس من المؤكد إذا ما كان سيستعمل القصير لشن هجوم على حلب. "سيكون من الصعب ذلك، لأن طرق الإمداد ستكون طويلة جداً، كما أن قوات النظام لن تكون قادرة على السيطرة على المناطق الريفية"، كما يقول بوتر. كما أنه من غير المرجح أن تقوم قوات الأسد باستعادة السيطرة على كل المناطق السورية، بعد أن فقدت ثقة معظم السكان. أما النجاحات العسكرية التي حققتها قوات النظام السوري فإنها تشير جزئياً إلى الكيفية التي سيستمر بها هذا الصراع الذي لن يعرف طريقه للحسم قريباً.
فالمعارضة ما تزال مصممة على تحقيق النصر، في حين أن النظام يعتمد على الدعم السوري والإيراني، "لكن هذا الدعم يكلف إيران الكثير من المال ويكلف روسيا مصداقيتها على مستوى الدبلوماسية الدولية، والنظام يمكن أن يستمر طالما وجد هناك دعم قوي من حلفائه".