سوريا: السخرية سلاح من لا سلاح له في زمن الحرب
١٤ ديسمبر ٢٠١٤ما بدأ كحراك سلمي في ربيع عام 2011 تحول إلى حرب أهلية شرسة تدفع السوريين لاستخدام الفكاهة كأداة لمجابهة أوقات الحرب القاسية."استخدام الفكاهة كآلية لواجهة الظروف القاسية مفيدٌ من عدة أوجه"، تقول اليسا مارفينا، الباحثة النفسية المتخصصة في الصحة العقلية للاجئين والمهاجرين في برشلونة، بالإضافة إلى اشتراكها في عدة مشاريع تهدف إلى تحسين الأحوال النفسية للاجئين السوريين.
يبدو أن السخرية والتهكم هما المفضلتان عند السوريين، فمنذ عام 2011 أطلق الناشطون السوريون عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدموا هذه المنابر للتحدث عن الأوضاع داخل سورية بشكل كوميدي.
المشهد السوري من خلال صفحات ساخرة
صفحة "الثورة الصينية ضد طاغية الصين" من أُولى الصفحات التي تناولت موضوع الإنتفاضة في سورية و بدلاً عن التحدث عما يحدث في سورية بشكل مباشر، لجأ ناشطو هذه الصفحة إلى استخدام أسلوب التورية، فبدأوا بتأليف دعابات وطرائف عن ثورة وهمية تحدث في الصين كنوع من النقد لمحاصرة حرية التعبير في سورية.
هذه الدعابات كانت عن أحداثٍ تجري افتراضياً في الصين، هذه الأحداث المفترضة في الصين تعكس تماما ما كان يجري في سورية و لهذا الغرض أطلقوا صفحتهم المسماة "الثورة الصينية ضد طاغية الصين"، فيما كانوا حقيقةً يشيرون إلى الثورة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، و منذ إنشاء الصفحة حتى الآن، لم تغير الصفحة من سياق سخريتها الموجه ضد النظام وحلفائه ومؤيديه، على الرغم من كل المؤثرات التي طالت الثورة كالجماعات المتشددة والتدخلات الخارجية.
"معاليق الثورة" صفحةٌ أخرى سلكت طريقا فريدا من نوعه، وما يميز هذه الصفحة هو أنها صفحة تؤيد الثورة على نظام الأسد، لكنها في الوقت نفسه تسخر من كثير من الشخصيات الثورية، محاولةً أن تفضح من تصفهم بـ"متسلقي الثورة"، وهم الأشخاص الذين بالكاد شاركوا في أحداث الثورة وفعالياتها وأصبحوا يدعون أنهم "ممثلو" و"مفكرو" الثورة وجمهورها، "مع انطلاق شعلة الثورة بحث الشعب السوري بشغف عن رموز ومثقفين لينيروا له طريق الحرية" يقول خالد أحد مؤسسي هذه الصفحة، "ولكن للأسف الكثير من هؤلاء المشاهير الذين تعلقت آمال الشعب السوري بهم ركب آلام الشعب فترك سورية وطلب اللجوء في بلدان العالم الأول".
في هذه الصفحة تبدو توجهاتها جلية، إذ لا أحد فوق النقد، في الصورة المعدلة يظهر سياسيون معارضون بارزون يلتقطون صورة جماعية وكلٌ منهم يحاول أن يكون في مقدمة الصورة، في إشارةٍ إلى الواقع الذي يؤكد هذا السلوك لدى كثيرٍ من المعارضين السوريين وفقاً لمدراء الصفحة.
لكل طرف من الأطرف في سورية حصة من السخرية، وصفحة "حاجز +18" مثال على ذلك، إذ لا احد يُستثنى. هذا النوع من التهكم العام أصبح شائعا هذه الأيام في سورية، ويبدو أن السوريين يستخدمون هذه الطريقة لكشف الأخطاء المرتكبة من قبل كل الأطراف، هذه الأخطاء التي تطيل عمر معاناة السوريين، بدءاً بالنظام مرورا بالمعارضة وداعش ومسؤولي المجتمع الدولي وحتى الشعب السوري نفسه.
وتحمل هذه الصفحة إشارات إلى أن السوريين أنفسهم مرتبكون، فكل طرف يدعي تمثيلهم والدفاع عنهم لكن السؤال الذي يطرح نفسه، من هو الصادق ومن هو الكاذب من بين كل هذه الأطراف؟ سؤالٌ لم يتمكن أحد من الإجابة عليه حتى الآن، لسان حال هذه الصفحة، التي تتصدرها العبارات التالية.
"داعش يلي مسمية حالها الدولة الإسلامية عم تحارب الجبهة الإسلامية بتهمة الكفر والردة!"..."والجبهة الإسلامية عم تحارب داعش، دفاعا عن الإسلام!"...وتتساءل في النهاية بشكل ساخر"لمين الجنة بهالحالة؟!"...
صفحة "سلبينا سورية"، سلبينا سورية هي صفحة جديدة نسبيا حصدت أكثر من 240,000 إعجاب، هدفها الترويج للموهبة، "العقل المنفتح والحداثة" لدى الشعب السوري لكسر الصورة النمطية المرتبطة بالسوريين خصوصا والعرب عموما بطريقة طريفة وفيها شيء من الضحك.
وبعبارات تتراوح بين الأماني والرغبة في تغيير الواقع، تقول رسالة الفيديو"أنا أحب شباب سورية وأحب صفحة سلبينا"، هذا ما تقوله الفتاة السويدية باللغة العربية في الفيديو بعد أن علمها صديقها السوري، فالرسالة هنا أنه نعم – نحن السوريون بدأنا نخرج من أجواء الحرب، ونستطيع أن نمتلك حياةً معاصرة، فلدينا صديقات غربيات، بل ونعلمهن بعض العبارات العربية، حتى لو كانت عباراتٍ مضحكةً.
لماذا يستخدم السوريون التهكم في زمن الحرب؟
تشير اليسا مارفينا الباحثة النفسية الاسبانية المتخصصة في قضايا اللاجئين السوريين، إلى أن قيام الضحايا والمضطهدين بالإستهزاء من المضطهِد يشعرهم بأنهم ربحوا المعركة معه، فبدلاً عن الإستسلام والشعور باليأس، هم يستعيدون زمام المبادرة ويحسون بمعنى حياتهم وقيمتها. وتضيف مارفينا، هذه الظاهرة واضحة وجلية بين السوريين في الحرب الحالية، "مستقاة من حس أصيل بالفكاهة امتلكه السوريون قبل الثورة وأضافوا إليه أدوات جديدة من قبيل وسائط التواصل الإجتماعي وأنواعاً مختلفة من التعبير الفني كانت مكبوتةً قبل الثورة، فاستخدموا هذه الأدوات لمجابهة الواقع المعاشي الصعب".
لكن يبدو أن استخدام السوريين للفكاهة لم يكن لمواجهة الظروف النفسية القاسية فقط، فكمٌ ليس بقليلٍ من هذه السخرية موجهٌ بشكل سياسيٍ بحت حتى لو حمل سمة خفة الظل، إذ أن هذه الصفحات شكلت منبراً للنشطاء، وتتيح لهم الفرصة ليعبروا عن آرائهم السياسية بحرية تامة متجاوزةً رقابة النظام السوري وأجهزته الأمنية، ولكن ايضا تطال معارضي النظام. فما مُنع قوله في الشارع أصبح بالإمكان قوله في الفضاء الإلكتروني، يقول خالد أحد مؤسسي صفحة "معاليق الثورة" "الإعلام السياسي الساخر ضرورة في أي مجتمع حضاري، لينتهي عصر تقديس الأشخاص، فالجميع تحت النقد أياً كان مركزهم السياسي أو الثقافي"، واللافت في ما قاله خالد هو نبرة النقد السياسي، حيث لم يكن مسموحاً للسوريين قبل الثورة أن يتعاطوا هذا النوع من النقد.
ويضيف خالد، "مؤيدو النظام والإعلام السوري يشكلون دائما مصدراً غنيا للسخرية في صفحتنا، بالإضافة إلى منظرين دائما ما يفاجئوننا بمواضيعهم المنفصلة عن واقع الثورة السورية"، يُلاحظ هنا أن وَحي تهكم هذه الصفحات ليس هو النظام السوري وحده، فمعارضون بارزون ومفكرون ثوريون قد نالوا نصيبهم أيضاً من التهكم اللاذع، الذي تناول مواضيعاً عديدة كتفرق المعارضة وتشتتها وحرصها على المناصب وإغفالها لمصالح الشعب السوري ومعاناته.