الهدنة في الجنوب السوري.. سر الموقف الإسرائيلي المتناقض!
١٨ يوليو ٢٠١٧كان لافتا أن تغير إسرائيل موقفها بسرعة من الاتفاق الأمريكي – الروسي حول مناطق خفض التوتر في جنوب سوريا. في البداية صدرت عن القيادة الإسرائيلية مواقف مرحبة بهذا الاتفاق. والجميع تحدث عن تنسيق مع إسرائيل. وحتى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إن الاتفاق سيراعي مصالح إسرائيل.
إلا أن إسرائيل ما لبثت أن غيرت من موقفها تماما، وتم نقل أنباء عن اعتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على ما تم التوصل إليه، لأن الهدنة "تعزز نفوذ إيران" على الحدود الشمالية لإسرائيل، حسب الموقف الرسمي الإسرائيلي. وبحسب صحيفة هآرتز فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي ابلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال اجتماعهما فى باريس الأحد، بمعارضته لهذه الهدنة.
فهل كان الاتفاق صفقة أمريكية – روسية متجاهلة لإسرائيل؟ أم حدثت تغييرات لاحقة على الاتفاق أزعجتها؟ وما هي توجهات إسرائيل داخل سوريا؟ وماذا عن خططها المستقبلية؟
بنود الهدنة تغيرت؟
تغيير الموقف الإسرائيلي جاء بعد "تغير البنود التي تم الاتفاق عليها بداية"، بحسب العميد اللبناني المتقاعد أمين حطيط، المقرب من مواقف القيادة السورية. فالبنود كانت تركز بداية على وقف لإطلاق النار بشكل شامل والمحافظة على الوضع الميداني كما هو، والبند الثاني دخول قوات أردنية وأمريكية إلى جنوب سوريا لمراقبة وقف إطلاق النار، أما البند الثالث فهو عدم وجود قوات النظام السوري، وكذلك الميليشيات الموالية لها في منطقة خفض التصعيد أو بالقرب منها.
ولكن دمشق، ومن خلفها إيران، رفضت تطبيق البندين الثاني والثالث. ويقول المحلل العسكري اللبناني حطيط -في حوار مع DWعربية- بأن سوريا "لم تقبل وجود الأمريكيين جملة وتفصيلا. كما رفضت أي أمر يتعارض مع بينتها الدفاعية، لأن قوتها الدفاعية تعتمد بالأساس على القوات الحليفة" (أي حزب الله وبقية الميلشيات المدعومة من إيران).
العميد أحمد رحال، المحلل العسكري المقرب من الجيش السوري الحر، يرى أن خلاف إسرائيل مع هذا الاتفاق "يكمن في إيران". ويضيف في حديثه مع DWعربية: "يبدو أن إسرائيل رأت في هذا الاتفاق ما يشبه صك البراءة لإيران. أي أنهم أبعدوها بضعة كيلومترات عن الجولان، ومثلها عن الحدود مع الأردن، وبعدها افعلي يا إيران ما تريدين في الداخل السوري".
كما أن القيادة الإسرائيلية متخوفة من نشر الشرطة العسكرية الروسية في منطقة خفض التوتر جنوب سوريا، لتكون هي المشرفة على التطبيق. لأن هذه الشرطة "يمكن أن تكون غطاء لإنشاء منطقة خفض التوتر وفقا للمصالح السورية، وليس المصالح الإسرائيلية"، وخاصة بعد استبعاد دخول قوات أمريكية أو أردنية.
صحيفة هآرتس تناولت الأمر بالتفصيل وذكرت -نقلا عن مسؤولين إسرائيليين كبار- على أن "الاتفاق لم يشمل أي كلمة صريحة عن إيران أو حزب الله أو الميليشيات الشيعية في سوريا".
سوريا المستقبل والمصالح الإسرائيلية
ايال عليما، المراسل العسكري للإذاعة الإسرائيلية، يقول هنا إنه يجب أن نفرق بين أمرين: ميداني وسياسي. ويضيف، في حواره مع DWعربية، إن إسرائيل "ترحب بأي تهدئة على حدوها. ولكن سياسيا هي لا تريد الوجود الإيراني بالقرب من حدودها".
ولا شك أن إسرائيل تبقى مهتمة جدا لما يجري على حدودها الشمالية المحاذية للجولان المحتل. و"حاولت إسرائيل طوال فترات طويلة الحفاظ على تكتيك خاص يضمن الحفاظ على مصالحها"، وفقا لعليما.
ويرى خبراء أنه من المبكر الحديث عن أي مصالح إسرائيلية في سوريا المستقبلية. وتتشعب هنا المواقف وتبرز الكثير من المبررات المستندة إلى نظرية المؤامرة. في حديثنا للعميد أحمد الرحال أشار إلى أنه لا يمكن لسوريا، لا حاليا ولا مستقبلا، أن تواجه إسرائيل عسكريا. ويرى رحال أن الجولان أرض سورية يجب استعادتها بالطرق السلمية، لأنه لا يمكن للسوريين أن يواجهوا إسرائيل فقد أنهكوا. وبذات الوقت يتهم رحال النظام السوري بأنه نسق مع إسرائيل طوال عقود وأن إسرائيل تفضل بقاء النظام السوري.
وفي ذلك يخالفه الصحفي الإسرائيلي ايال عليما، الذي يشدد على أن إسرائيل لا تفضل بقاء النظام السوري باي شكل من الأشكال.
وكل ما يهم إسرائيل، برأي عليما، هو أن توجد قوة داخل سوريا – سواء كانت هذه القوة سورية أو أجنبية كروسيا مثلا. "المهم برأي عليما أن يتم ضبط الحدود".
بالمقابل شدد العميد أمين حطيط على أن إسرائيل "تظن أنه بإمكانها مستقبلا الاعتماد على الإخوان المسلمين وبعض القوى السياسية الأخرى، وأيضا على مجموعات عسكرية مدعومة من الولايات لمتحدة والسعودية والأردن".
وبذات الوقت يرى حطيط أنه "لا يوجد أي طرف سوري يمتلك قاعدة شعبية قوية قادر على التعامل مع إسرائيل". ولذا يرى العميد حطيط بأن إسرائيل "خسرت الحاضر والمستقبل في سوريا". وأن كل ما يمكن أن تحصل عليه إسرائيل هو الحزام الأمني بجهود أمريكية.
هل يمكن أن يغير أي تحالف سعودي – إسرائيلي الموازين؟
ما يروج له من حدوث تقارب سعودي إسرائيلي، لو حصل، يعني أنه لا يمكن الاعتماد على الإخوان المسلمين، لأن حساسية القيادة السعودية، والإماراتية من خلفها، شديدة لهذه الجماعة. بل وقد صنفتها كجماعة إرهابية.
ولكن هذا التقارب السعودي-الإسرائيلي لو تطور فعلا خلال الفترة القادمة قد يجعل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وقوى إقليمية أخرى تعتمد نهج تقوية مجموعات عسكرية وسياسية سورية معينة وتدفع بها لتصدر المشهد. وبذات الوقت زيادة التنسيق مع روسيا. ولكن هذا الأمر يعني مواجهة روسية مع إيران وهو أمر يبدو مستبعدا في الوقت الراهن.
الوضع في سوريا سيستمر بهذا السوء وربما أكثر "لفترة طويلة، كما يرى خبراء الاستخبارات"، بحسب ايال عليما، الذي يرى أن مصالح إسرائيل لا تركز كثيرا على التغييرات في سوريا، بقدر ما تركز على ضمان عدم امتداد أي شيء من الحريق السوري إلى داخل أراضيها، لذا فهي ترد دائما على أي تهديد عسكري لها بالمثل.
ف.ي