زراعة "الحشيش" في لبنان تنتعش من جديد
عندما يطل علي كل صباح من نافذة منزله باتجاه الحقل ينتابه شعور بالراحة والسرور. فبعد شهرين فقط سيكون بمقدوره جني ثمار ما زرع في مساحة 2.5 هكتار من الأرض. الثمار التي سيقطفها علي هي ليست أية ثمار، بل هي نبتة القنب والتي يمكن استخدامها بعد معالجتها كحشيش مخدر أو ما يعرف بـ "حشيش الكيف".
يعيش علي في قرية صغيرة شمال بعلبك المتاخمة للحدود السورية في سهل البقاع في لبنان. وكان علي قد فرح لدى سماعه خبر انسحاب القوات السورية من لبنان بعد الضغط الدولي الذي تم ممارسته على سوريا إثر عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن فرحة علي لم تأت من باب اهتمامه بالسياسية، ولكن لأنه يعلم أن بوسعه الآن زراعة نبتة الحشيش من جديد والتي ستحقق له وضعاً معيشياً أفضل مما هو عليه الآن. وحتى وقت قريب كان علي ما زال يقوم بزراعة الخضروات التي لم تكن عائداتها تكفي حاجات عائلته الأساسية.
"حشيش" بدلاً من الخضروات
في اليوم التالي لانسحاب القوات السورية من لبنان، قام علي بقلع الخضروات من الحقل وباشر عل الفور بزرع بذور نبتة القنب. علي ليس اللبناني الوحيد الذي قام بذلك، بل إن معظم سكان القرى اللبنانية الواقعة على أطراف الجبال يقومون بهذا أيضاً.
وكان لبنان معروفاً قبل حوالي 15 عاماً بزراعة نبتة الحشيش والمشهورة بجودتها العالية. ولكن القوات السورية قامت بعد دخولها إلى لبنان بحظر زراعة هذه النبتة المخدرة، ما ألحق ضرراً مادياً كبيراً بزارعي الحشيش. ومن أجل تعويض المتضررين الذين كانوا يعتمدون على زراعة الحشيش كمصدر رئيسي للدخل، قامت منظمة الأمم المتحدة بتخصيص معونات بملايين الدولارات لتعويض هؤلاء المزارعين. إلا أن الفساد المالي في أجهزة الدولة اللبنانية حال دون وصول هذه الأموال لمستحقيها.
ويقول علي أنه لا يخشى الشرطة اللبنانية كما كان يخشى السوريين والذين لم يكن يجرأ أحد على مناقشتهم في مثل هذه الأمور. صحيح أن الشرطة اللبنانية تقوم من حين لآخر بعمليات دهم وتفتيش، ولكن إن حصل وأن تمت مصادرة احد المحاصيل، فإنها لا تعاود عمليات التفتيش مرة أخرى إلاّ بعد فترة طويلة. أما ذلك المتضرر الذي تمت مصادرة محصوله، فتتم مساعدته مادياً من قبل المزارعين الآخرين الذي سلموا من حملة التفتيش. تكافل اجتماعي تحت شعار "يوم لك ويوم عليك".
الحلم بوضع مادي أفضل
ويحلم علي وهو أب لأربعة أطفال بتحقيق مستوى معيشي أفضل من خلال زراعة الحشيش. فوضعه المالي الآن سيئ جداً وهو لا يستطيع توفير العلاج اللازم لابنه الأكبر والذي يرقد مريضاً طريح الفراش ويحتاج إلى أدوية كثيرة. ويقول علي: "عندما أخبرت الطبيب والصيدلاني أني عاودت زراعة الحشيش من جديد، حصلت فوراً على قرض مالي وتمت معالجة ابني بشكل ممتاز. هذا لأن الجميع يعلم تماماً أني سأجني قريباً المال الكثير من وراء ذلك".
زراعة الحشيش لا تحتاج إلى تلك الكميات الكبيرة من المياه التي تحتاجها الخضروات. أما العمل الحقيقي فيستمر لمدة شهرين بعد قطف المحصول ويتمثل في عملية تحضير النبتة وتجفيفها لكي تصبح جاهزة للاستهلاك. ويتوقع علي أن يجني بعد بيعه للمحصول بشكل كامل مبلغ 40 ألف دولار، وهو ما يعتبر ثروة حقيقية في بلد مثل لبنان، حيث يصل متوسط الدخل الشهري فيه 600 دولار فقط.
ويبيع المزارعون منتوجاتهم من الحشيش إلى تجار متخصصين وهم في الغالب رجال أعمال لبنانين، ومنهم يحصل المزارعون أيضاً على بذور نبتة الحشيش بأسعار رخيصة. وفي حين يذهب جزء من هذا الحشيش إلى تركيا، يتم تهريب الجزء الأكبر إلى إسرائيل. ويقول علي: "بالرغم من الحراسة المشددة للحدود الإسرائيلية اللبنانية، إلاّ أن هناك دائماً طرقا متعددة لتهريب الحشيش إلى داخل إسرائيل".
موقف "حزب الله" من زراعة الحشيش في الجنوب
ويعتبر سهل البقاع المنطقة الأكثر خصوبة في لبنان وأهم مدنه هي مدينة بعلبك التي تعرف بعاصمة الجريمة. أصحاب الكلمة هناك هم رؤساء وشيوخ القبائل وتجار المخدرات، وليست العاصمة بيروت. يجد المرء في بعلبك كل الأشياء المحظورة من تجارة المخدرات والسلاح إلى التهريب وحتى سرقة السيارات. وقد ارتفعت أسعار الأسلحة وزاد الطلب عليها منذ عملية اغتيال رفيق الحريري، إذ أصبح الناس لا يشعرون بالأمان. ويأتي الناس من جميع أنحاء لبنان إلى سهل البقاع لشراء السلاح.
بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، أصبح حزب الله هو السلطة الوحيدة الباقية في البقاع والتي يحترمها الجميع هناك. ويؤمن حزب الله في جنوب لبنان والمنطقة الحدودية المتاخمة لإسرائيل خدمات اجتماعية كثيرة مثل المدارس والمستشفيات. ولكن من الواضح أن حزب الله ما زال لا يتدخل حتى الآن في مسألة انتشار زراعة الحشيش في سهل البقاع الخصيب.