رغم قمع طالبان.. المرأة الأفغانية مصرة على الدفاع عن حقوقها
١٨ سبتمبر ٢٠٢١كان أول قرار رسمي اتخذته وزارة الداخلية الأفغانية في حكومة حكم طالبان منع الاحتجاجات، إذ ذكر بيان الداخلية: "لأسباب أمنية، تم حظر الاحتجاجات في أفغانستان من الآن فصاعدا".
وشدد البيان على ضرورة الحصول على إذن رسمي مسبق قبل تنظيم أي مظاهرة فضلا أنه يتعين إبلاغ الجهات الأمنية بكافة التفاصيل خاصة ما يتعلق بالشعارات التي سوف يرددها المتظاهرون خلال أي تظاهرة.
وحذرت الداخلية التي يرأسها سراج الدين حقاني - المطلوب من قبل الولايات المتحدة بتهم الإرهاب- من عاقبة الخروج في احتجاجات، إذ قالت إن المتظاهرين سوف يواجهون "عواقب قانونية خطيرة" في حالة انتهاك القواعد الجديدة.
ويبدو أن الحظر يستهدف بشكل رئيسي الناشطات الأفغانيات اللاتي كن في طليعة الاحتجاجات المعارضة للحركة التي شهدتها أفغانستان عقب سيطرة الحركة المتشددة على زمام الأمور الشهر الماضي.
ورغم ذلك، أكدت بعض الناشطات ومنهن محبوبي ناسرن دوكت – مدافعة عن حقوق المرأة في كابول- على استمرار نضالهن لنيل حقوقهن. وفي مقابلة مع DW، قالت محبوبي ناسرن دوكت "سوف نستمر في التظاهرات للدفاع عن حقوقنا حتى بدون الحصول على إذن رسمي. لم تبدأ وزارة الداخلية بقيادة طالبان في العمل بشكل سليم، لذا فمن هي الجهة التي يمكن أن نحصل منها على إذن؟ بات من الواضح أنهم لن يمنحوننا أي تصاريح (لتنظيم تظاهرات) بمجرد معرفتهم سبب احتجاجنا".
ونظمت ناسرن دوكت عددا من الاحتجاجات في العاصمة كابول ضد حكام البلاد الجدد من حركة طالبان المتشددة منذ مطلع سبتمبر /أيلول الجاري. ولم يكن الأمر بالسهل إذ ألقي القبض عليها من قبل طالبان خلال مشاركتها في إحدى الاحتجاجات، مضيفة "لقد قاموا بإدخال البيانات الخاصة بي في النظام وقاموا بتحذيري بعدم تنظيم تظاهرات جديدة."
ورغم ذلك، شددت على استمرارها في النضال بقولها: "لا يمكن ترهيبي، إذا لم نناضل، فسوف نخسر".
مسار شاق أمام المرأة الأفغانية
ومنذ استيلاء طالبان على السلطة، باتت الكثير من الأفغانيات يشعرن بالخوف من أي أعمال انتقامية وأيضا بالخوف من فرض طالبان قواعد جديدة تحرمهن من حقوقهن المكتسبة بشق الأنفس خلال الفترة الماضية. وأعاد استيلاء طالبان على السلطة إلى الأذهان الفترة المظلمة التي حكمت فيها الحركة أفغانستان بين عامي 1996 و2001 إذ حرمت الحركة في حينه النساء من التعليم ومن شتى المشاركات في الحياة العامة.
بيد أنه وعقب عودتها إلى الحكم مجددا، تعهدت الحركة باحترام حقوق المرأة، لكنها شددت أن ذلك سيكون في إطار تفسيرها الصارم والمتشدد للشريعة الإسلامية. وقد استهلت الحركة ذلك بإلغائها على الفور وزارة شؤون المرأة، ما ينذر بأنه سيكون هناك طريق صعب أمام الأفغانيات.
وشكلت طالبان حكومة جميع أعضائها من الرجال ويترأسها الملالي حتى في وزارة التعليم، غابت المشاركة النسائية. وقالت إحدى المحاضرات كانت تعمل في جامعة كابول قبل سيطرة طالبان على زمام الأمور، إن "وزارة التعليم العالي التابعة لطالبان لم تستشر سوى المعلمين والطلاب الذكور بشأن استئناف العمل في الجامعات".
وأضافت في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أواخر الشهر الماضي أن هذا القرار يكشف عن "منع منهجي لمشاركة المرأة في عملية صنع القرار" فضلا عن أن هذا يكشف عن التناقض بين أقوال وتعهدات طالبان وما تفعله على أرض الواقع.
بيد أن عبد الباقي حقاني - القائم بأعمال وزير التعليم العالي في حكومة طالبان ـ يقول إن النساء سيسمح لهن بالدراسة في الجامعات لكن في فصول دراسية منفصلة بين الجنسين إذ سيتم فرض حظر على التعليم المختلط.
"قيم طالبان لا تمثلنا"
وقال حقاني إن طالبان ستعمل على تطوير "منهج إسلامي مقبول يتوافق مع القيم الإسلامية والوطنية والتاريخية (لأفغانستان)"، على حد قوله.
وفي هذا الصدد، قررت الحركة بالفعل منع النساء والفتيات في أفغانستان من ممارسة الرياضة، وقلل أحمد الله واثق - نائب رئيس اللجنة الثقافية في طالبان – من أهمية ممارسة المرأة للرياضة. وفي لقاء تليفزيوني مع محطة (إس. بي.إس) الاسترالية، قال واثق "ممارسة الرياضة ليست حاجة ضرورية ومهمة للنساء".
وأضاف "لا أعتقد أنه سيسمح للنساء بأن يلعبن الكريكيت، لأن ذلك ليس من الضروري بالنسبة للنساء. في الكريكيت، قد يواجهن وضعا لن تكون فيه وجوههن وأجسادهن مغطاة، ولا يسمح الإسلام برؤية المرأة في مثل هذا الوضع".
بدورها، شددت بصيرة طاهري من مدينة هرات الأفغانية على رفضها لمثل هذه القرارات. وفي مقابلة مع DW من هرات، قالت "إن قيم (طالبان) ليست قيمنا. لقد عاش مقاتلو طالبان طيلة حياتهم في مناطق نائية بعيدا عن الحضارة وتعلموا فقط القتال. إنهم يجدون صعوبة في القراءة والكتابة، بل إن معظمهم ليس لديه أي معرفة بمظاهرة الحياة في المدينة. لقد تغير المجتمع الأفغاني على مدار العشرين عاما الماضية، لذا لن نسمح لطالبان بالنيل من حقوقنا".
ونظمت طاهري عددا من الاحتجاجات للمطالبة بحقوق المرأة الأفغانية وقد تعرضت للاعتداء على يد مقاتلي طالبان خلال مشاركتها في إحدى المظاهرات. وقالت إن الحظ رافقها إذ لم تصب بأي طلقة نارية، مضيفة أن "المظاهرة كانت سلمية ألقت خلالها العديد من النساء بعض الكلمات القصيرة وكان مقاتلو طالبان يقفون أمامنا يراقبوننا وهم مدججون بالسلاح، وفجأة بدأوا في إطلاق النار، في البداية كان في الهواء، ثم تلى ذلك إطلاقهم النار علينا مباشرة ما أدى إلى إصابة العديد من النساء بجروح خطيرة على حسب معرفتي."
الحاجة لدعم دولي
ويبدو أن التظاهرات النسائية وانتقادات الناشطات لقرارات حكومة طالبان قد أثارت غضب الحركة المتشددة. وعلى وقع ذلك، تعرض صحافيون للضرب المبرح خلال تغطيتهم للمظاهرات النسائية، فيما ألقي القبض على صحفيين يعملان في صحيفة إيتلاتروس الأفغانية بعد أن تعرضا للضرب الشديد. وقال رئيس تحرير الصحيفة ساكي دارجاباي إن ما وقع يمثل "الجزء البسيط مما قامت به طالبان ضد الصحافيين الذين يعملون في صحيفتنا".
وقد أظهرت مقاطع مصورة فداحة ما تعرض له الصحفيان فقد بدا أحدهما غير قادر على الحركة، فيما كان الآخر يقف بمفرده لكن بالكاد يستطيع التحدث.
وفي ظل هذا الواقع المرير، دعت ناشطة أفغانية مدافعة عن حقوق المرأة – طلبت عدم ذكر أسمها- المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم للمرأة الأفغانية. وأضافت "إننا في حاجة إلى الدعم والتضامن من المجتمع الدولي". وأكدت أنها لا تعتقد أن النساء في أفغانستان يمكنهن تنظيم الصفوف بشكل سريع ومنظم ضد طالبان، مرجعة ذلك إلى السيطرة المفاجئة لطالبان على السلطة. وأضافت أن طالبان قطعت خدمات الإنترنت والاتصالات الهاتفية، مؤكدة أن المجتمع الدولي يمكنه الضغط على طالبان.
وفي هذا الصدد، قالت "طالبان تريد اعترافا دوليا. لذا يتعين على المجتمع الدولي الدفاع عنا وعن حقوقنا. وفي ظل ضغط دولي خارجي، سوف تستسلم طالبان".
شابنام فون هاين / م ع