رغم ضرره على الإنسان والبيئة: ألمانيا تتمسك بالفحم البُني
١١ يونيو ٢٠١٣من يقطع الطريق الرابطة بين مدن كولونيا ومونشنغلادبخ وآخن غرب ألمانيا، سيتعرف بسرعة على مناجم إنتاج فحم الليغنيت الحجري (الفحم البني) المتواجدة على أطراف الطرق السريعة. ورغم أن الأضرار الناجمة عن استخراج هذا النوع من الفحم على المحيط البيئي معروفة للعيان، إلا أنه لا زال يستخدم في إنتاج الكهرباء. ومن المعلوم أن الليغنيت يتسبب في إنتاج نسب أكبر من الغازات السامة، مقارنة بالفحم الحجري الصخري.
ألمانيا بدورها، لم تتوقف عن استخدام الليغنيت، مصدر ربع إنتاجها الكهربائي. وأسباب ذلك عديدة، أولها أن هذا النوع من الفحم لا يتم استيراده من الخارج، ويمكن الحصول عليه بأقل التكاليف. لكن في الوقت ذاته، يقضي على المساحات الخضراء ويدمر البيئة ويتسبب في تهجير سكان القرى المحيطة بالمناجم.
الليغنيت رغم خطورته
وتستفيد شركات الطاقة العملاقة من فحم الليغنيت على شاكلة شركة RWE. إذ صرح هانس فيلهلم شيفار مدير مكتب التسويق فيها، أن فحم الليغنيت يلعب دورا هاما بالنسبة للشركة. وفي عام 2012 جاء نصف إنتاج الكهرباء للشركة من فحم الليغنيت، لتتسبب أيضا في رفع نسب الغازات السامة المنبعثة، ما قد يجعلها (الشركة) عرضة لدفع رسوم الضريبة البيئية التي تصدر بحق الشركات التي تتجاوز النسبة المسموح بها لانبعاث غازات ثاني أكسيد الكربون.
تجدر الإشارة إلى أن قيمة تلك العقوبات تصل إلى خمسة يورو للطن الواحد من الغازات السامة، عوض 17 يورو، كسعر أولي تم تحديده غداة صياغة القوانين. وهو مبلغ لا يمكنه إطلاقا إجبار الشركات على وقف استخراج الفحم.
ومن ثمة، كان من الطبيعي أن ينشط استخراج الليغنيت في غرب ألمانيا إلى مستوى 240 مترا تحت سطح الأرض. وذلك بكميات بإمكانها ملء قافلة من الشاحنات بطول 250 كيلومترا. ويرجح الخبراء أنه وإلى غاية عام 2045 سيتم استخراج نحو 1,3 مليار طن من الليغنيت.
تهجير السكان
ولأن عملية استخراج الليغنيت لا تتم إلا في محيط خال من السكان، فإن ذلك سيؤدي إلى تهجير نحو ثلاثين ألف شخص من منازلهم حتى عام 2045. علاوة على أن ثمانين قرية على الأقل ستمحى من الخريطة، وسيتم تحويل ثلاث طرق سريعة إلى أماكن أخرى. هذه الإجراءات ستكلف 180 مليون يورو، من المفترض أن تتحمل شركة RWE نسبة 44% منها، فيما سيتحمل دافعوا الضرائب باقي المبلغ.
وستخصص لمشروع الليغنيت مساحة 5500 هكتار، سيتم الحصول عليها من خلال الاستيلاء على مناطق من محمية هامباخار (Hambacher) التي يعتبرها نشطاء البيئة المحمية الوحيدة المتبقية في وسط أوروبا. وتدميرها، يعني أيضا القضاء على قائمة من الثدييات التي تعيش فيها. وقد أنشأ نشطاء البيئة في المنطقة معسكر اعتصام. ويقول الشاب أندرياس (22 عاما)، "إن ما يحدث هنا لا يتعلق بسكان المنطقة فحسب، وإنما هو أمر يخص الجميع".
ثاني أكبر بحيرة في ألمانيا
بيد أن جميع محاولات السكان لوقف المشروع باءت بالفشل. فبعد أن توجه بعضهم إلى السلطات المختصة لتقديم شكاوى من حدوث تشققات في جدران المنازل وداخل الغرف وفي سيراميك الأرض، لم يجدوا آذانا صاغية، بل وطلب منهم أن يقدموا أدلة على علاقة ذلك بالنشاط المنجمي وبعملية استخراج فحم الليغنيت.
لكن الأخصائيين يعزون السبب إلى عملية استخراج المياه الجوفية، التي تتم عند بلوغ عمق 550 مترا، حتى يتسنى للجرافات استخراج الفحم بسهولة. والنتيجة: ميلان البنايات وتكدس طبقات الغبار بمستوى يفوق بكثير ما هو مسموح به في القوانين الأوروبية.
وبسبب الكميات الضخمة التي سيتم استخراجها في المستقبل، ستنشأ حفرة شاسعة وعميقة من المفترض أن تملأ بالماء. وهي عملية ستأخذ وقتا طويلا حتى عام 2100، وستجعل من محمية هامباخار ثاني أكبر بحيرة في ألمانيا، بعد بحيرة بودنزيه في الجنوب، بمساحة تصل إلى 23 كيلومترا مربعا.