رضوان زيادة: تغيير الحكومة لن يهدأ الاحتجاجات والنظام يلعب لعبة خطرة
٢٩ مارس ٢٠١١دويتشه فيله: اليوم خرج مئات الآلاف في دمشق للتظاهر تأييداً للرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما يلقي بظلال على الحركة الاحتجاجية التي بدأت في درعا. هل تعني مظاهرات التأييد هذه أن النظام نجح في السيطرة على الاحتجاجات المعارضة؟
رضوان زيادة: نحن نعرف بأن كل المسيرات التي تخرج في الأنظمة الشمولية يتم ترتيبها مسبقاً، ويتم إجبار طلاب المدارس والجامعات والموظفين على الخروج. وقد أخبرتني مصادر من دمشق بأنه تم استخدام السيارات الحكومية وإجبار الموظفين، والتهديد بمعاقبتهم عبر الرواتب أو عبر فصلهم من وظائفهم إذا لم يشاركوا. ولا ننسى أن صدام حسين نفسه حصل قبل الغزو على العراق في الاستفتاء على 100 بالمائة. هذه المسرحيات لا تنطلي على أحد ولا تأخذ الكثير من الاهتمام داخلياً أو دولياً، لأن ليس من المهم أن يخرج الآلاف مؤيدين، المهم أن يخرج ولو عشرات المعارضين، لأنهم هم من يدفعون حياتهم ثمناً لخروجهم وللتعبير عن موقفهم. والمؤسف أن هذه المسيرات، التي تم تحضيرها، ربما تؤشر على توجه سلبي لما سيتحدث به الأسد في خطابه، مما يعني تكرار نفس اللغة السابقة فيما يتعلق بشعبيته، وكون هؤلاء مجموعة صغيرة من المندسين وتكرار نفس الوعود الزائفة. لذا أعتقد أن هذه المسيرات تشير إلى أن الخطاب لن يحمل الأمل الذي توقعه منه السوريون في تغييرات جذرية في النظام السياسي.
وماذا عن تقديم الحكومة السورية استقالتها اليوم؟ هل تعتقدون أن هذه الخطوة ستكون كفيلة بتهدئة الاحتجاجات؟
لم أجد في كل المدن السورية أحداً يحرق صور (رئيس الوزراء السوري محمد ناجي) عطري أو يحطم تماثيله. كل السوريين يعرفون من هو صانع القرار في سوريا ومن هو الممسك بزمام الأمور أمنياً وسياسياً واقتصادياً. خطوة تحميل الأمور على رئيس مجلس الوزراء لن تكون كافية وبالطبع لن تعطي أي ثمار في التغيير. المهم الآن أن تحترم الحكومة السورية حق المواطنين السوريين في التظاهر السلمي. هذا هو الضمان الرئيسي للوفاء بوعودها. المستشارة الرئاسية بثينة شعبان تحدثت عن حق المواطنين السوريين في التظاهر السلمي، لكننا وجدنا في اليوم التالي استخداماً للعنف والتهديد الأمني، وحملة اعتقالات طالت أكثر من 700 ناشط ومواطن عادي شاركوا في هذه المظاهرات السلمية. لذلك أعتقد أن اللغة التي يستخدمها النظام السوري تؤكد عدم مصداقيته وجديته في تقديم الإصلاحات المطلوبة.
ما هي برأيكم إذاً السيناريوهات المطروحة أمام كل من بشار الأسد والحركة الاحتجاجية المعارضة له؟
بالتأكيد ستتصاعد الحركة الاحتجاجية في أكثر من مدينة سورية، فهي وصلت إلى ذروتها في مدينة درعا، وبشكل أقل في حمص واللاذقية. ومع وصولها إلى مدن مركزية مثل دمشق وحلب، أعتقد أنها سوف تضع النظام السوري على المحك وتجبره على تقديم التنازلات الضرورية، ولا أعتقد أن السوريين المشاركين في هذه الانتفاضة سيقبلون بأقل مما رضي به المواطنون في تونس أو في مصر. هذه عملياً ثورة حقيقية على النظام السياسي القائم، سواء عبر أجهزته الأمنية أو النظام السياسي، بهدف الانتقال إلى نظام جديد ديمقراطي يضمن كل الحريات والحقوق الأساسية، ويفتح مجال المشاركة السياسية لكل الأحزاب والتيارات والتلوينات الإيديولوجية.
بعض المظاهرات التي خرجت تأييداً للأسد كانت تحمل عنوان "لا للطائفية". هل تعتقدون أيضاً بأن هناك لعب على الورقة الطائفية في سوريا؟
للأسف النظام السوري الآن يلعب على هذه الورقة، وهي لعبة خطيرة للغاية، سواء من خلال التلفزيون الرسمي أو من خلال الشعارات التي يتم رفعها في أكثر من مدينة سورية. وأعتقد أن هذا خطر جدا، لكن المواطنين مدركون تماماً لخطورة ما يقدم عليه النظام السوري. لذلك أعلنوا أن احتجاجات الجمعة القادمة ستكون تحت شعار "جمعة الوحدة"، وهذا تأكيد على فكرة الوحدة الوطنية، ونفي لكل ما أشيع عن استخدام الطائفية. فالمتظاهرون رفعوا شعارات في كل المدن السورية تؤكد على الوحدة بين الطوائف، وأن مطلب التغيير هو مطلب عابر لكل الطوائف ولا يختص بطائفة دون غيرها، فالكل يرغبون بنظام ديمقراطي جديد يعيد إلى سوريا مكانتها الدولية والحضارية، ويكفل للمواطنين حرياتهم السياسية للمشاركة.
هناك من يتحدث عن أن المسيحيين السوريين خرجوا تأييداً للنظام خوفا من المستقبل. ما هو تعليقكم؟
هذا ليس صحيحاً البتة. أكبر دليل على ذلك هو أن عدداً كبيراً من المتظاهرين هم من أتباع الديانة المسيحية. ولا ننسى أن السلطات السورية لا تفرق بين مسلم ومسيحي، بين سني وعلوي في الاعتقال السياسي إذا عبر أحدهم عن رأيه بحرية. أكبر دليل على ذلك المدون الشهير كريم عربجي، الذي اعتقلته السلطات السورية بسبب نشاطاته التدوينية، وتم إطلاق سراحه، وتوفي قبل شهرين إذ شارك المسيحيون في تشييعه بكثافة عالية جدا، وعلى رأسهم المطران. وكان هذا الحشد الواسع أكبر دليل على رفض اعتقاله الذي أدى بالنهاية إلى وفاته. المسيحيون والمسلمون والسنة والعلويون كلهم يد بيد، وكلهم مشتركون في رغبتهم بالتغيير، وهذا ما نجده في كل التصريحات. لا ننسى أيضاً أن قاعدة النظام في سوريا قاعدة ضيقة للغاية، وهو أشبه بالنظام العائلي منه إلى نظام سياسي يستند إلى قاعدة قبلية أو طائفية، فالطائفة عملياً لم تستفد منه، سواء من ناحية الميزات السياسية أو الاقتصادية، بقدر ما استفاد منه الأشخاص المقربون من العائلة.
أجرى المقابلة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: أحمد حسو
الدكتور رضوان زيادة كاتب وباحث سوري معارض مقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن. يشغل عدداً من المناصب منها مدير مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، والمدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والإستراتيجية.