الكاميرا والدفاع الجسديّ عن النفس في وجه جحيم التحرّش
١١ أكتوبر ٢٠١٧تعيش النساء في العالم العربيّ في حالات من الجحيم، بما يتعلّق بالتحرش الجنسيّ الذي تتعرض إليه في أماكن وظروف متنوعة، وهذه الحقيقة ليست سرًا، حيث هنالك أخبار وتقارير كما إحصائيّات عديدة تفيد بحالات التحرّش الجنسيّ؛ الكلاميّة و/أو الجسديّة. وفقًا للتقرير الصادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2013، فإنّ 99 بالمائة من النساء المصريّات تعرضن لتحرّش جنسيّ مرة واحدة في حياتهن، وهذا مثالًا واحدًا للدول العربيّة التي تعاني فيها النساء حالات كثيرة من التحرّش.
في غياب القانون الذي يحمي النساء في بعض الدول العربيّة من التحرش الجنسيّ، وجدت النساء نفسها، إلى جانب مجموعة كبيرة من الرجال، تعمل على مبادرات تحاول أن تحدّ من حالات التحرش، بل وفي كثير من الأحيان، تحاول هذه المبادرة فضح المتحرّشين عبر استخدام وسائل التكنولوجيا، وبالأخص وسائل الإعلام المجتمعيّ، كلّ هذا أيضًا في غياب الدور الذي كان بإمكان المجتمعات أن تلعبه للحدّ من التحرّش، بل وعقاب المتحرشين، بدلًا من اتهام النساء بمسؤوليتهن إزاء التحرش بهن!
تشكّل منصات التواصل الاجتماعيّ اليوم مساحة للتوعيّة ضد التحرش الجنسيّ، الحدّ منه، كما وفضح المتحرشين جنسيًا. أُطلقت مبادرات نسائيّة ومجتمعيّة عديدة، في مصر على سبيل المثال، تأسست في عام 2010 مبادرة تطوعيّة تحمل الاسم "خريطة التحرش الجنسيّ" وتعمل على محاربة الصمت كما القبول المجتمعيّ تجاه التحرّش، فتقوم المبادرة على توثيق جغرافيّ لحالات التحرش عبر خرائط غوغل، وفقًا لأماكن حدوثها.
في لبنان أيضًا، تأسست منذ سنوات مبادرة باسم "افضح متحرش"، وهي تهدف إلى نشر أسماء المتحرّشين وتفاصيل قصص التحرّش عبر صفحتها في فيسبوك.
تعتمد مبادرات عديدة على ضرورة فضح المتحرّشين عبر تصويرهم ونشر صورهم في صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ، بحيث رأى عدد كبير من النساء بأنّ لربما الآلية الوحيدة المتوفّرة لديهن الآن للحدّ من حالات التحرّش وردع المتحرّشين هي بنشر صورهم وفضحهم على الملأ، وذلك في ظلّ غياب دور القانون في دول عديدة من أجل حمايتهن من كل أساليب التحرّش الجنسيّ.
وبالتالي، أصبحت كاميرا الهواتف الذكيّة اليوم بمثابة أداة لمحاولة حماية المزيد من النساء من التحرّش الجنسيّ في الفضاءات العامّة، ومحاولة أيضًا لردع المتحرّشين جنسيًا، حيث من مرة لأخرى، نجد فتيات عربيّات ينشرن صور المتحرّشين بهن عبر صفحاتهن الخاصّة، وأحيانًا، تنجح النساء في نشر أسماء المتحرّشين، إن وصلن إليها.
في حديث مع صديقة عربيّة تعيش في بلد عربيّ، تعرضت للتحرش الجنسيّ في فضاء عامّ ونجحت بالتقاط صورة للمتحرّش بها من ثم نشرها، عن هذا قالت: "الحالة التي تعرضت إليها كانت تحرشًا جنسيًا كلاميًا، وفي مرات سابقة لها، صرخت بوجه المتحرّش بعصبيّة، لكن في تلك المرة قررت أن يكون ردي هادئًا مرفق بتوثيق بصريّ للمتحرّش، لأني أردت حماية المزيد من النساء منه وفضحه بشكل أو بآخر، علّه يكون عبرة لآخرين، مع أن أملي ضعيفًا من هذا في عالمنا".
تتفاوت خطورة حالات التحّرش على النساء اللواتي يتعرضن لها، بالطبع، كل حالة تحرش هي لحظات جحيم تمرّ بها المرأة، سواء كانت كلاميّة أم جسديّة، لكننا نعرف أن حالات التحرّش الجسديّة التي تصل إلى الاغتصاب الجماعيّ والعنف المكثّف أحيانًا، هي أكثرها خطورة، على أجساد ونفوس النساء. وفي مثل هذه الحالات، وللأسف، كل الوسائل التكنولوجيّة الحديثة والكاميرات والتوثيق البصريّ لوجوه المتحرّشين، لن تنقذ امرأة واحدة من لحظة التحرّش الجسديّ هذه.
لذلك، رأت نساء عديدة أنّ لربما آلية الدفاع الوحيدة في لحظات التحرش الجنسيّ، خاصّة الجسديّة، هي تعلّم آليات الدفاع عن النفس لحماية أنفسهن وأجسادهن. مجد سمحان، مدرّبة نساء في مجال الدفاع عن أنفسهن، وكانت قد أسّست المركز النسويّ للدفاع عن النفس، عن هذا تقول: "أؤمن أن أجسادنا كنساء قادرة على حمايتنا بأوقات ما، وليس مهمًا أن تكوني قويّة جسديًا. يكمن التدريب بالعمل على إيمان النساء بقدراتهن، كما وأن الرجال المتحرّشين لا يتوقعون عادة رد فعل من المرأة عند لحظة التحرّش، لأنه يتربى على فكرة أنها ضعيفة ولا يمكن لها الدفاع عن نفسها. لا أعتقد أن الدفاع عن النفس هو رد فعل عنيف، رغم أن التحرّش هي دائرة عنف متواصلة، لكن بنفس الوقت حين تُمنع عن المرأة كل الحقوق الإنسانيّة الأساسيّة بالحماية، يجب عليها أن تدافع عن نفسها. كما أن مفاهيم الدفاع عن النفس تغيّرت، وهي غير معرّفة على أنها عنف. أرى أن جسدي هو سلاحي، حين سأحتاجه سأجده إلى جانبي. إن كان الدفاع عن النفس هو عنفًا، ما هو العنف إذًا!؟".
في ظل انعدام الحماية القانونيّة كما والمجتمعيّة في بعض الدول العربيّة، ستواصل النساء البحث عن طرق لحماية والدفاع عن أنفسها عند لحظة التحرّش، إنّ استطاعت ذلك، بالكاميرا أو بالتسجيل الصّوتيّ، كما وبمساعدة مبادرات مجتمعيّة عديدة، تضمّ النساء والرجال، لبناء خرائط تحرّش في بلاد عديدة، كما ستتواصل حملات التوعيّة ضد التحرّش وكذلك توفير آليات للدفاع عن النفس والجسد، هذا الجسد الذي بالنسبة للبعض، كل ما يفعله، هو موضع للجدل والقمع وفرض السّلطة، على أن يأتي اليوم الذي تقوم قوانين الدول العربيّة، كما المجتمعات، بدورها في حماية النساء ومعقابة المتحرّشين، كي تنشغل النساء عندها بكل ما يتعلّق بحيواتهن فقط، وليس كما عليها أن تنشغل اليوم، بنفسها وبالجحيم الذي يصنعه المتحرّشين.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.