رحيل ابراهام سرفاتي أشهر معارض سياسي مغربي
١٨ نوفمبر ٢٠١٠توفي اليوم (18 نوفمبر/ تشرين الثاني) في مدينة مراكش جنوب المغرب، ابراهام السرفاتي، أشهر معارض سياسي مغربي، وذلك عن سن يناهز 84 عاما، حيث أعلنت زوجته كريستين دور سرفاتي نبأ وفاته في مستشفى بمدينة مراكش التي كان يقيم بها منذ عودته من منفاه بباريس سنة 1999. وتجري مراسم دفن سرفاتي يوم السبت في المقبرة اليهودية بالدار البيضاء.
وسرفاتي اليهودي المغربي، والزعيم اليساري، عاش في عهد ثلاثة ملوك مغاربة (الراحلان محمد الخامس والحسن الثاني ، والملك الحالي محمد السادس) وأمضى منها أربعة عقود من حياته بين المعتقلات والمنفى. وفي حوار سابق أجرته معه دويتشه فيله، قال سرفاتي إنه يرى في عهد الملك الحالي "فرصة للشباب والديمقراطية وطي صفحة التجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في عهد والده الحسن الثاني". ومن جهته اعتبر الأديب والحقوقي المغربي صلاح الوديع، أحد رفاق درب السرفاتي ، أن وفاته تشكل "خسارة كبيرة للمناضلين من أجل الديمقراطية واستمرارا لتناغم مكونات المجتمع المغربي بأطيافها وعقائدها ومساهماتها الحضارية"، مشيدا بشخصية سرفاتي وخصاله النبيلة، والتي قال الوديع إنه خبرها خلال سنوات المحنة وعاشا معا في السجن خلال السبعينات من القرن الماضي.
سرفاتي وسنوات الرصاص
وبدأ سرفاتي مسيرته السياسية منذ بدايات استقلال المغرب في صفوف الحزب الشيوعي المغربي، وتولى إدارة مكتب الزعيم اليساري الراحل عبد الرحيم بوعبيد في بداية الستينات عندما كان هذا الأخير وزيرا للاقتصاد، وسرفاتي أصلا هو مهندس خبير في مجال الطاقة ومن أوائل الكفاءات المغربية في ميدان استخراج المناجم.
وأسس سرفاتي في مرحلة لاحقة من الستينات تنظيم "إلى الأمام" الماركسي اللينيني، وتعرض للاعتقال عام 1974 وسجن لمدة 17 عاما في الدار البيضاء والقنيطرة. وعرف بمواقفه الجذرية في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن مؤيدي جبهة البوليساريو في بدايات مشوارها، وهو من رواد الدعوة إلى إقامة حكم ذاتي في الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو. وقال صلاح الوديع إن "سرفاتي كان يتميز بالانسجام بين أفكاره والتزامه العملي، وتجشم الصعاب في أحلك الظروف خلال سنوات الرصاص".
وإثر حملة دولية لإطلاق سراحه، أفرج عن السرفاتي في بداية التسعينات لكن تم إبعاده إلى باريس حيث عمدت السلطات إلى حرمانه من جنسيته بدعوى أنه"برازيلي"، لكن ذلك لم يدم طويلا، إذ كانت عودة سرفاتي في سبتمبر/ أيلول 1999من أول قرارات الملك الشاب محمد السادس إثر توليه للعرش خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني.
وفي حوار سابق مع دويتشه فيله قال سرفاتي إن عودته للمغرب تشكل "لحظة تاريخية متميزة وبداية صفحة جديدة في البلد" ويرى سرفاتي ان "مسؤولية بناء الديمقراطية ليست فقط منوطة بالحكم بل أيضا بالنخبة السياسية والأحزاب" التي يحملها مسؤولية البطء في إحداث التغيير بداخلها، وكان سرفاتي من مؤيدي تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة التي ترأسها رفيق دربه (الراحل) ادريس بنزكري، والتي تم بمقتضاها عام 2005 تعويض آلاف من ضحايا الانتهاكات الجسيمة في المغرب والتي تعرف ب"سنوات الرصاص".
سرفاتي ينحدر من أسرة يهودية
وينحدر سرفاتي من أسرة يهودية تقيم في مدينة طنجة (شمال المغرب) وتعود جذورها إلى اليهود الذين طردوا من الأندلس عام 1492 واستقروا بالمغرب، ويقول صلاح الوديع إن سرفاتي يجسد شخصية مغربية متميزة يمتزج فيها نضاله السياسي من أجل الديمقراطية وانتماؤه إلى الطائفة اليهودية، وهو يرمز أيضا، كما يقول الوديع، إلى سمة التعايش بين اليهود والمسلمين، الراسخة في المجتمع المغربي والتي تجعل منه نموذجا متميزا في هذا المجال.
وإثر عودته من منفاه الباريسي، أقام سرفاتي في مدينة المحمدية (شمال الدار البيضاء) مع زوجته ورفيقة دربه كريستين دور التي جرت مراسم زواجه بها وهو في سجنه بالقنيطرة في بداية الثمانينات من القرن الماضي. والمثير أن كريستين نفسها كانت، باعتبارها فرنسية، تساعده على التخفي عن أنظار المخابرات التي كانت تلاحقه قبل سجنه في السبعينات، ولعبت كريستين أيضا دورا أساسيا في كشف حقيقة وجود معتقل تازمامرت الرهيب الذي ظل طي الكتمان إلى بداية التسعينات.
وقضى سرفاتي السنوات الأخيرة من حياته في مدينة مراكش، وكان يعاني من متاعب صحية في الرئتين.
منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند