رجال الدين في مصر .. بين التعصب وتجديد الخطاب
٢٨ سبتمبر ٢٠١٢"العدو" هو وصف أحد الدعاة المسلمين للأقباط في مصر، وتمزيق الإنجيل كان فعل داعية آخر مؤخراً أمام السفارة الأمريكية، في أعقاب تظاهرات تندد بالفيلم المسيء للنبي محمد. هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها مصر تصرفات مثل هذه ممن يدعون أنهم يمثلون الأديان. ففي العام الماضي، وفي ظل أحداث طائفية وتظاهرات للأقباط، خطب أحد القساوسة في الجماهير القبطية قائلاً: "نحن أصحاب هذا البلد، وإذا أساؤوا (المسلمون) إلينا يرحلون". كما وصف داعية مسلم الأديرة والكنائس بمخازن الأسلحة. تلك اللهجة العدائية وخطاب الكراهية قد لا تتناسب مع النصوص الدينية وأخلاق تلك الأديان، لكنها وجدت طريقها إلى ألسنة بعض ممثليها.
"هؤلاء تحولوا إلى دعاة للفتنة والتعصب"
المحاسب هيثم نديم يقول لـDW عربية: "لقد أصبح هناك داعية لكل مواطن وهؤلاء ممولون من الخارج ويروجون للفكر الوهابي"، حسب رأيه، معتبراً أن هؤلاء الدعاة قد تحولوا من دعاة دين إلى دعاة للفتنة والتعصب. ويضيف نديم: "البعض منهم ممول أيضاً من بعض الجماعات الإسلامية في مصر بغرض تحويل البلاد إلى دولة دينية".
ويتفق المهندس محمد هاني مع هيثم فيما يتعلق بخروج هؤلاء الشيوخ والقساوسة من خانة الدعاة، ويرى أن الدعوة يجب أن تكون "بالحكمة والموعظة الحسنة". ورغم قوله بأن الدعاة "أناس عاديون منهم الجيد والسيء"، إلا أنه يؤكد بأن من يصدرون دعوات التعصب والكراهية "عملاء يحاولون تقسيم المصريين على أساس الدين لخدمة أجندات خارجية" – على حد قوله.
وتعليقاً على تمزيق الشيخ أبو إسلام للإنجيل أمام السفارة الأمريكية، والتي تحقق فيها نيابة أمن الدولة العليا معه، يقول هاني: "الإسلام اعترف بسيدنا عيسى وكل الأنبياء، ولو مزقنا الإنجيل سنخسر أخلاق الإسلام". لكن المهندس محمد هاني يعتقد أن الناس لن تتأثر بتصرفات رجال الدين هؤلاء، وهو ما توافقه فيه رضوى قنديل، متدربة بشركة طيران، والتي تعتقد أن خطاب الكراهية لا يؤثر على الشعب المصري، مؤكدة أن هناك متعصبين من الجهتين الإسلامية والمسيحية.
عمرو خالد: "يجب تجديد الخطاب الديني"
وكان لـDW عربية حديث مع الداعية الإسلامي الشهير الدكتور عمرو خالد، الذي عبر عن احتياج الخطاب الديني للتجديد، مضيفاً: "يجب أن نسأل أنفسنا هل الإسلام يدعو للكراهية؟ رسالة الدكتوراه التي كتبتها تثبت بالأدلة القاطعة التي لا تقبل الجدل أن الإسلام ورسالته تدعو إلى التعايش العالمي".
ويتابع الدكتور خالد: "ما نراه من تطبيقات ورؤى عنيفة ليس من الإسلام في شيء"، مرجعاً قيام البعض باستخدام خطاب العنف والكراهية إلى عدة أسباب، أولها "أنه قد يكون قد نشأ في بيئة عنيفة، وثانيها الجهل في فهم النصوص، وثالثها مشاكل نفسية قد يكون لها علاقة بالكبر".
ويؤكد الدكتور عمرو خالد على أن الأغلبية العظمى من المسلمين تؤيد رسالة السلم، مدللاً على ذلك بعدد المعجبين بصفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الذي وصل إلى قرابة خمسة ملايين، إضافة إلى مشاريعه التنموية والنهضوية، كمواجهة المخدرات ومحو الأمية، التي اجتذبت ما يزيد عن الثلاثمائة ألف شاب في العالم العربي.
ويشخص الداعية الإسلامي المشكلة في "أن الصوت المثير إعلامياً هو الصوت العنيف ... نتيجة تلك الإثارة ستكون سيئة على كلا الطرفين". ويقدم الدكتور خالد رؤيته في كيفية التخلص من خطاب الكراهية الذي يروج له بعض الدعاة في أربعة نقاط: "الأولى هي التخلص من شكل التعليم التلقيني الذي يخرج إنساناً أحادي الفكر"، والثانية التخلص من نسبة الأمية "الرهيبة"، "أما الثالثة فهي إيجاد منبر للدعاة المعتدلين، والرابعة كما قلت تجديد الخطاب الديني".
"الرد على الإساءة يكون بالفعل الحسن"
أما الشيخ الدكتور أحمد رمضان، إمام وخطيب مسجد أبو الخير، والحاصل على دكتوراه في التفسير وعلوم القراءة، فيشير إلى أن "أهل الكتاب" لا يعتبرون عدواً كما يقول بعض الدعاة، مضيفاً، في مقابلة مع DW عربية: "اختلافي في أنه لا يطبق كتابه لا يخصني في شيء. كما أن هناك مسلمين لا يطبقون ما في كتابهم أيضاً". ويختلف الشيخ رمضان مع من يرى بأن هؤلاء الدعاة خرجوا من مظلة الدعوة، ويصفهم بأنهم لا يطبقون "فقه الواقع"، على حد قوله. ويقول في هذا الشأن: "هناك البعض الذي يأخذ النصوص ويطبقها دون فهم سبب ورود الحديث أو سبب نزول الآية".
ويستنكر الشيخ رمضان أحداث العنف التي صاحبت تظاهرات الاحتجاج على الفيلم المسيء للنبي محمد، يوضح في هذا الصدد: "الدفاع عن الرسول يجب أن يكون بحضارة وفكر. يجب أن نرد على الإساءة بفعل حسن، كما فعلت منظمة Discover Islam مثلاً في الولايات المتحدة، من توزيع كتب تعريفية عن الدين الإسلامي للأمريكيين".