سياسة مرسي: بين إرضاء الداخل والحفاظ على المصالح مع الخارج
٢٤ سبتمبر ٢٠١٢كان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لعقود طويلة شريكا مهما للغرب. وفي مجمل القضايا الخارجية لم يأخذ مبارك بالاعتبار موقف الشارع المصري إلا نادرا، بل كانت سياسة مصر الخارجية تصب بشكل محدد في صالح مجموعة صغيرة من الشعب المصري فقط، و"لم يستفد الشعب المصري من سياسات مبارك الخارجية". هذا ما يقوله الدكتور أسامة نور الدين من حزب الحرية والعدالة التابع لحركة الإخوان المسلمين، والذي يضيف " تحت حكم مبارك كنا نمشي كالعميان خلف الولايات المتحدة الأميركية". لكن الأمر اختلف اليوم، حسب رأيه، فحزبه ـ الحرية والعدالةـ يريد أن " يشعر المصريون بتأثير اختلاف السياسة الخارجية على حياتهم".
من "شريك" مهم لواشنطن إلى طرف "محايد"
الاختلاف في نهج السياسة الخارجية سيظهر على علاقات مصر بكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا. فالتظاهرات الأخيرة أمام السفارة الأميركية في القاهرة، بعد نشر فيلم "براءة المسلمين" أوضحت مدى استياء الشارع المصري من سياسات الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فالضحايا الذين سقطوا نتيجة هذه السياسات في العراق وأفغانستان، والدعم غير المحدود لإسرائيل والتعاون الوثيق مع نظام مبارك وما جرى في معتقل غوانتانامو، كلها أسباب دفعت المصريين إلى عدم حب الولايات المتحدة. فحسب معهد بيو الأميركي للدراسات أظهر استطلاع للرأي أن 79 بالمائة من المصريين لا يحبون أميركا.
وبعكس مبارك، فإن الرئيس المصري محمد مرسي لا يستطيع تجاهل رأي الشارع المصري، فهو يريد الفوز بالانتخابات. لكن عليه تحقيق نوع من التوازن في سياسته الخارجية، رغم موجة العداء تجاه أميركا في مصر. فالوضع السيئ الذي يعانيه الاقتصاد المصري لا يسمح له بإغضاب الولايات المتحدة الأميركية، خاصة وأن العلاقات مع الأخيرة أصابها البرود بعد الأحداث الأخيرة أمام السفارة الأميركية في القاهرة. والرئيس اوباما لم يعد يصف مصر بالشريك، بل اكتفى مؤخرا بوصفها طرفا "محايدا" فقط.
مواقف جديدة بالشرق الأوسط
إسرائيل تشعر بالتغيرات التي تحدث في سياسة مصر تجاهها. فأغلب السياسيين المصريين بعد إسقاط مبارك يؤكدون على احترام معاهدة السلام بين البلدين، لكنهم يشيرون أيضا إلى ضرورة إجراء تعديلات على المعاهدة، خاصة عديد القوات المصرية التي يسمح لها بالتواجد في سيناء، التي تشهد بين الحين والآخر هجمات إرهابية، لا يمكن وقفها أو السيطرة عليها. ومنذ شهر آب/ أغسطس أرتفع عدد الجنود المصريين هناك كثيرا عما هو متفق عليه في المعاهدة. لكن وضع شبه جزيرة سيناء الأمني يضر بإسرائيل أكثر من مصر، حسب رأي أسمة نور الدين، الذي يضيف "أصبحت سيناء قاعدة للجماعات الإرهابية المسلحة، يمكنها فعل ما تشاء هناك".
وتغيير سياسة مصر تجاه إسرائيل سيؤثر على وضع الفلسطينيين أيضا. فسياسة الاستيطان الإسرائيلية وحصار غزة أمران يصعب على المواطن المصري تقبلهما. ففتح المعابر الحدودية مع غزة سيسهل حياة سكان القطاع كثيرا. هذه المعابر التي أغلقت مرارا في الماضي، ما دفع القطاع للاعتماد على الأنفاق تحت الأرض لتهريب المواد الضرورية التي يحتاجها الناس في غزة. كما يتم تهريب الأسلحة إلى حركة حماس عبر هذه الإنفاق. "فتح المعابر مع رفح ستأتي بفوائد لإسرائيل أكثر من غزة، إذ سيتم وقف تهريب السلاح من الإنفاق"، حسب رأي الدكتور أسامة نور الدين، من حزب الحرية والعدالة.
لكن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال الأحد ( 23أيلول/ سبتمبر 2012) في تصريح له إن "لا أمل" في أن توافق إسرائيل على تعديل الملحق الأمني لمعاهدة السلام مع مصر". ورأى ليبرمان أن مشكلة مصر الأمنية في سيناء لا تعود إلى حجم قواتها بل إلى عزيمتها على محاربة العناصر الإرهابية الناشطة في شبه الجزيرة". وعلى عكس قلق مسؤولين في إسرائيل من الانتشار العسكري المصري في سيناء، قال ليبرمان إن "إسرائيل ليس لديها مشكلة مع القوات المصرية في سيناء، ولكن لديها مشكلة مع الإرهابيين الناشطين هناك".
الجميع في قارب واحد
تغيير آخر مهم في سياسة مصر الخارجية الجديدة سيكون نحو إيران، التي تعاني من عزلة دولية، فرضتها الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية أخرى، نتيجة الضغط الإسرائيلي، بسبب برنامج إيران النووي المثير للجدل. ورغم أن إحدى أولى زيارات مرسي إلى خارج مصر، كانت بعد السعودية والصين، إلى طهران إلا أنه انتقد هناك خلال مؤتمر عدم الانحياز، موقف طهران تجاه القضية السورية. ورغم ذلك، حاول أن يكسب موقفا إيرانيا جديدا لحل المشكلة السورية بمساعدة الطرف الإيراني القوي التأثير على دمشق، وهو ما تشكك فيه الولايات المتحدة.
بعكس ذلك يرى الدكتور أسامة نور الدين أن إيران مهمة جدا في القضية السورية، حيث يقول" السوريون أنفسهم يعتقدون، أنه لا يمكن وقف الحرب هناك دون إيران". وحتى الولايات المتحدة رحبت بزيارة مرسي لطهران، " فهي قد فشلت في حل الموضوع السوري". حسب نور الدين. هذا الموقف يشاركه فيه زميله بحزب الحرية والعدالة عبد الفتاح زكي إبراهيم. فهو يعتقد من جانبه أيضا أنه لا يمكن إقصاء إيران من القضية السورية" فهذا أمر لا يتسم بالحكمة، لأن إيران دولة قوية" وتتبع أيضا سياسة تشبه سياسة تركيا في المنطقة، تعتمد على المصالح الوطنية أولا.
وأخيرا فإن مرسي لا يدير ظهره للغرب، لكنه يزيد من عدد حلفائه وأصدقائه، مثل إيران والعملاق الاقتصادي، الصين. وعلى الولايات المتحدة أن تعتاد على سياسة مصر الخارجية الجديدة، شاءت ذلك أم أبت.