رالف غضبان: تشخيص لانعكاسات الوضع السوري المحتملة على لبنان
٢١ مايو ٢٠١٢في الوقت الذي يتفاقم فيه الوضع السياسي والإنساني في الداخل السوري، شهدت الساحة اللبنانية أعمال عنف طائفية، أفرزت جملة من التساؤلات حول احتمال تحول لبنان إلى بؤرة توتر تعكس إشكاليات المعضلة السورية والوضع المعقد للتحالفات والانقسامات الإقليمية. دويتشه فيله حاورت الباحث السياسي رالف غضبان لقراءة المستقبل اللبناني على ضوء التطورات الأخيرة.
DW عربية: حذر الرئيس السوري بشار الأسد من اتساع دائرة العنف في المنطقة ورأى البعض في تصريحاته تهديداً غير مباشر؟ هل ما تشهده لبنان الآن من توتر طائفي هو ترجمة لرسالة الأسد؟
رالف غضبان: بالطبع، النظام السوري يقف وراء تلك الأحداث، التي شهدها شمال لبنان وطرابلس وحتى البقاع. التدخل بدأ منذ عدة أشهر، إذ تم اختطاف بعض المعارضين السوريين وكان هناك إطلاق نار عبر الحدود ما أدى إلى مقتل لبنانيين، بالإضافة إلى إثارة قضية تهريب الأسلحة. نظام الأسد هدد بإشعال المنطقة إذا لم تخمد الثورة السورية من منطلق إغراق لبنان في حال غرق مركبه.
ولكن السلطات السورية اتهمت الحكومة اللبنانية قبل أيام بتقديم الدعم للمعارضة المسلحة، فهل يشعل لبنان المركب الذي يجلس فيه؟
هناك دعم معنوي كبير للثورة السورية في لبنان. لكن الدعم المادي محدود جداً، لأن سوريا والجيش اللبناني، الذي يتعامل مع السلطات السورية بشكل وثيق، يحكمان قبضتهما على الحدود إلى حد كبير. لذا فإن إمكانية التهريب ضئيلة، كما أنه ثبت، أن حادثة السفينة تقف وراءها مجموعة قريبة من حزب الله وليس من حزب المستقبل الداعم للثورة. يجب ألا ننسى أن من يحكم لبنان الآن هم جماعة حزب الله، الذين يسيطرون على الحكومة والجيش، ولذا فلا يوجد أي دعم رسمي للثورة السورية. الحكومة اللبنانية تحاول أن تنأى بنفسها عن مساندة طرف ما، الدعم الموجود هو دعم شعبي.
هل ترى في التطورات الأخيرة بوادر حرب أهلية لبنانية؟
ستكون هناك محاولات لتحويل مسار الأحداث لخلق مواجهة، لكن ستبوء هذه المحاولات بالفشل، فحتى بعد اغتيال الشيخ أحمد عبد الواحد لإثارة التوتر بين أهالي عكار والجيش اللبناني، استطاع السياسيون اللبنانيون احتواء الموقف، لأنهم يدركون أبعاد هذه التطورات.
لكننا شهدنا اليوم وقوع اشتباكات في العاصمة بيروت، ويبدو أن هناك تصعيدا متواصلا منذ عدة أيام وليس هناك مؤشرات لحدوث تهدئة، بمعنى أن رقعة العنف تتسع وليس العكس؟
وسوف تتسع أكثر من ذلك، لأنهم سيحاولون زعزعة السلام والأمن في عرسال والبقاع وكل المناطق، لكن إثارة النعرة الطائفية لن تؤدي إلى حرب أهلية في ظل غياب القرار السياسي.
شبح الطائفية يسيطر الآن على المشهد السياسي والاجتماعي في العديد من بلدان المنطقة، إلى أي مدى يمكن أن تتشابك كل هذه الصراعات والمصالح لتتلاقى في المشهد اللبناني السوري المحتقن بالفعل؟
إذا نظرنا إلى لبنان فإن قوى 8 آذار المؤيدة للنظام السوري تريد إشعال الحرب في لبنان، لكن تيار المستقبل يرفض أي مواجهة مسلحة، وبالتالي فمن المستبعد أن تعود الحرب الأهلية إلى لبنان لغياب الطرف الثاني الراغب في المواجهة. إتباع طريق السلم وضبط النفس هو أقوى سلاح في يد تيار المستقبل، فالتزامهم بالطريق السلمي حتى بعد محاولة اغتيال جعجع يفشل مشاريع النظام السوري.الصراع الطائفي حاضر في لبنان وفي العراق ولم يبق إلا سوريا وقد بدأت بوادر احتقان طائفي. النظام السوري يحاول فرض المواجهة الطائفية، لكن موقف جنبلاط فيما يخص الدروز أفسد المخطط السوري. وموقف المعارضة السورية، ولا سيما الإخوان المسلمين يمنع تحول الثورة رغم مرور أكثر من سنة إلى مواجهة طائفية. خطط النظام لم تتحقق حتى الآن، لكن ذلك لا يشكل ضماناً للمستقبل، فلا أحد يعلم أي منعطف ستأخذه الثورة السورية في ظل التطورات الحاصلة.
من المستفيد من تأزم الوضع الداخلي اللبناني؟
المستفيد بشكل أساسي هو النظام السوري الذي هدد عدة مرات بإثارة الفتن في لبنان، وما يحدث في طرابلس هو محاولة استفزاز واضحة من القوى الداعمة للنظام السوري ومحاولة لافتعال المشاكل وإثارة الوضع. عملية اغتيال الشيخ عبد الواحد تشكل خطراً كبيراً، لأنها أنتجت مواجهة بين الجيش وجماعة المستقبل. ومن غير المستبعد أن تكون القوى الداعمة للنظام السوري وراء هذه العملية بهدف إثارة أهالي عكار التابعين لتيار المستقبل بشكل كبير ضد الجيش، لينسحب الجيش ويترك المنطقة الشمالية للسلطات السورية.
في أي صف يقف الجيش اللبناني أم أن بنية الجيش تعكس الانقسامات والصراعات الداخلية المتغلغلة في المشهد اللبناني؟
الجيش اللبناني طائفي مثل المجتمع اللبناني، فهناك ولاءات لطائفة الدرزية وللطائفة السنية وما إلى ذلك. أما قائد الجيش جان قهوجي فهو موالي للنظام السوري بشكل واضح، لا مجال للشك فيه.
هل من المتوقع حدوث أي تغير في الموقف الدولي تجاه الثورة السورية بعد هذه التطورات في المشهد اللبناني؟
الموقف الدولي مخزي رغم سقوط آلاف القتلى منذ اندلاع الاحتجاجات قبل 14 شهراً، لأن لا مصلحة للغرب في التدخل. في حال وجدت إرادة للتدخل أو لاتخاذ موقف واضح فسيتم تسليح المقاومة السورية بشكل سريع. ضعف المعارضة المسلحة في سوريا دليل واضح على ضآلة إمكانيات التسليح عن طريق لبنان.
أجرت الحوار مي المهدي
مراجعة: محمد المزياني