الثورة السورية تؤجج الصراعات اليومية بين اللبنانيين
٩ أبريل ٢٠١٢يتفاعل المواطنون في بيروت مع الثورة السورية بطريقة تختلف كليا عن تفاعلهم مع باقي الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن. وعلى الرغم من إجماع معظم اللبنانيين علىأنالثورات العربية تنطلق من أحقية الشعوب في تقرير مصيرها، فإن للثورة السورية خصوصيتها في الحياة اليومية للمواطنين في لبنان، حيث إنها رفعت من وتيرة انقسامهم السياسي الداخلي.
لا يتحمل سائق سيارة الأجرة رأي مواطنة لبنانية تتجرأ على اتهام النظام السوري بقتل الأطفال في سوريا "كما يقتل العدو الإسرائيلي الأطفال في لبنان" على حد تعبيرها. ليلى وهي في الأربعين من العمر استقلت سيارة الأجرة صباحا للذهاب إلى مكان عملها، وفوجئت بصراخ السائق وهو يهددها بالنزول من السيارة قبل كسر هاتفها الخلوي الذي يرن قبل كل مكالمة بنشيد "يللا ارحل يا بشار" حيث إنها لا تخفي تعاطفها مع الثورة و رفضها "للمجازر التي يرتكبها النظام السوري في حق شعبه" كما تؤكد ا. وليست هذه المرة الأولى التي تعرضت فيها ليلى لمثل هذه المواقف. فقد تم شتمها بألفاظ عنيفة وتم تهديدها باستخدام العنف الجسدي ضدها من طرف مواطنين لبنانيين موالين للنظام السوري. غير أن ليلى تقول"هذه حريتي الفردية وخياري الشخصي" وتضيف "ليتركونا نعبر عن رأينا بسلمية"، وبرأيها أن الشوارع اللبنانية غالبا ما تصدح بأصوات عالية لخطابات الرئيس السوري أو أناشيد تمجد النظام في دمشق، لكن هؤلاء بحسب ما تقول "لا يتجرأ أحد على منعهم لأنهم شبيحة النظام السوري ويستخدمون نفس أساليبه في لبنان".
بين التأييد والرفض
ما حصل في سيارة الأجرة لا يقل حدة عن حالات أخرى شهدت عنفاً كلامياً وجسدياً بين مواطنين في الحي الواحد أو الجيران في نفس المبنى فيما يخص الأزمة السورية. ففي منطقة المصيطبة في بيروت، وتحديدا في "حي اللجى" الذي تحيط به مبان متداعية ومتلاصقة تتصل ببعضها عبر أسلاك كهربائية متدلية، رفعت على بعض الشرفات لافتات عملاقة لرئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. وهناك حيث يطغى التأييد للنظام السوري على غالبية سكان المنطقة، تدخن مجموعة من الشباب النرجيلة وتتابع أمام أحد المحلات التجارية ما يبثه "التلفزيون السوري" عن أعمال "تخريبية" لما يصفها بـ"المجموعات الإرهابية". وهناك يؤكد أحد الشبان مثل سائر أبناء المنطقة رفضه لما تبرزه محطتي "الجزيرة" و"العربية" الفضائيتين من أعمال عنف يمارسها النظام. ويتساءل أحدهم هل "المطلوب من النظام أن يقف متفرجا على الانفلات الأمني؟"، ثم يعلو صوته "الله ينصرك يا بشار على أميركا وإسرائيل" وكأنه يريد أن يوصل صوته إلى الجيران في الشارع الموازي، حيث تقع منطقة مارالياس، حيث غالبية سكانها من مؤيدي الثورة الشعبية في سوريا.
في الشارع المقابل، يختفي بلال وهو صاحب محل للأحذية والحقائب داخل محله خوفا من أي استفزاز محتمل من مجموعة الشباب في الحي المقابل، وموقفه واضح من الأزمة السورية إذ يقول "ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية حقيقية تطالب بالديموقراطية وحقوق الإنسان بعد 41 سنة من حكم حزب البعث"، كما يتحدث عن : التاريخ الدموي الطويل للوجود السوري العسكري والأمني في يوميات اللبنانيين". ويفضل بلال عدم الإفصاح عن موقفه في العلن، إذ أن محله يقع تقريبا على تماس بين منطقة موالية لإئتلاف 8 آذار وأخرى موالية لقوى 14 آذار. ويتذكر بلال حادثة جرت خلال فترة القصف العنيف لقوات النظام السوري لمدينة حمص حينما زاره أحد الزبائن من الحي المقابل، وانطلق بينهما نقاش حول الأزمة السورية، وعندما قال للزبون إن "قصف قوات الاسد لحي بابا عمرو في حمص يعيد إلى أذهان اللبنانيين ذكريات حربهم الأهلية" حصلت مشادة عنيفة بين الإثنين، فخرج بعدها الزبون من المحل متوعداً وحذر خصمه من المرور في الحي المقابل "وإلا فإنه سيلقنه درسا لن ينساه".
تحديد المواقف في الأحياء عبر الأعلام والصور
الصورة تبدو أكثر انسجاماً في شارع "هادي نصر الله" في الضاحية الجنوبية حيث حلت مبان سكنية جديدة محل تلك التي دمرتها الغارات الجوية الإسرائيلية عام 2006 وهناك تتدلى من الشرفات أعلام "حزب الله" الصفراء. في هذه المنطقة ينظر إلى الرئيس السوري على أنه بطل. وتعترف مريم صاحبة صالون للتزيين النسائي أن "الشعب ينقسم بين مؤيد ومعارض للأسد" لكنها تستذكر قائلة "هنا في الضاحية نحن كلنا معه لأنه ساعد المقاومة (حزب الله) في الحرب ضد اسرائيل." وتؤيدها جارتها في هذا الموقف حيث تشير إلى أن اثنين من أولاد شقيقها قتلا في غارات اسرائيلية خلال الحرب التي اندلعت عام 2006 في جنوب لبنان بين "حزب الله" واسرائيل، وتقول "كل من يحب السيد نحن بدورنا نحبه"، وبرأيها أن ما يجري في سوريا لا يعدو أن يكون مؤامرة دولية تهدف إلى ضرب سوريا لإضعاف المقاومة - كما تؤكد.
في منطقة الأشرفية حيث تقطن الغالبية المسيحية من اللبنانيين، تتخذ الأزمة السورية قالبا متنوعا في الآراء، وبينما يعوّل أحد العاملين في مقهى في ساحة "ساسين" على سقوط النظام السوري، "لكي يسترجع لبنان رئتيه اللتين يتنفس بهما"، فإنه متيقن من سقوط النظام " لأن من يقتل هذا العدد الهائل من الناس كيف يمكن له أن يبقى في الحكم؟".
في محل لبيع الحلويات على مقربة من نصب تذكاري للرئيس الراحل بشير الجميل الذي اغتيل عام 1982، يمثل ايلي، أحد العاملين هناك، موقفا مغايرا لجزء آخر من المسيحيين الذين يعتبرون النظام السوري درعا آمنا لسلامتهم في كل من لبنان وسوريا. ويعتبر ايلي أنه "إذا سقط الرئيس السوري فسيكون ذلك كارثة على المسيحيين في لبنان وسوريا".
اختلاف المواقف حتى بين أفراد الأسرة الواحدة
اختلاف المواقف من الأزمة السورية يتعدى الشارع ويأخذ أشكالا متناقضة في البيوت وداخل الأسرة الواحدة مما يزيد الأمر تعقيداً، ففي منطقة الحمرا مثلا، وفي بيوت الأسر التي نزحت من الجبل منذ سنوات طويلة، تحتدم المعارك يوميا بين الأم وابنتها بشأن موضوع الأزمة السورية، وتتخذ في كثير من الأحيان شكلا استفزازيا، حينما تضع الإبنة صورة الرئيس السوري على شاشة الكمبيوتربهدف إغاظة والدتها، فيما ترد الوالدة بمتابعة الأخبار عن الوضع السوري وترفع صوت جهاز التلفاز كلما جاء وقت أخبار القنوات المناهضة للنظام.
ومع الإقتراب من منطقة الطريق الجديدة تتغير المواقف وتتحول حيث صور الرئيس رفيق الحريري الذي اغتيل عام 2005 إضافة إلى صور نجله سعد الحريري. كما تغطي أعلام تيار المستقبل المنطقة بشكل يشير بوضوح إلى تأييد أهل المنطقة للثورة السورية والى مواقف عدائية ضد النظام في سوريا.، وفي أحد مباني المنطقة تلقي أم وليد باللائمة على النظام السوري في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وتقول "انتهت الحرب الأهلية ولكن جرحنا لم يندمل بعد، لأن النظام السوري ما زال يمارس جرائمه وإرهابه في لبنان..الله ينصر الشعب السوري عليه".
دارين العمري – بيروت
مراجعة: عبدالحي العلمي