"دوّن من الأغوار": مبادرة فريدة على متن "باص المدونين"
١٩ فبراير ٢٠١٤"دوّن من الأغوار" هو اسم مبادرة لمدونين وصحافيين فلسطينيين، تعتبر أول نشاط جماعي ميداني لمدونيين من الضفة الغربية، يسافرون في حافلة لزيارة ثمانية تجمعات سكنية في الأغوار لجمع قصص أهاليها، وغالبيتهم من المزارعين ومربي الثروة الحيوانية، وإعادة سردها على مدوناتهم لتكون منبرا لإيصال صوت أولئك السكان المهمشين في الأغوار.
DWعربية اقتربت من هذه الحملة، والتقت بأبرز المشاركين فيها. والأغوار الفلسطينية، التي تشكل 26% من مساحة الضفة الغربية وتعتبر سلة الغذاء لسكانها، برزت كثيرا خلال الفترة الماضية، عقب صدامات وقعت بين ناشطين فلسطينيين، اعتصموا في المنطقة للاحتجاج على "محاولات تهويدها"، وقوات الجيش الإسرائيلي الذي قام بإخلائها منهم وإصدار أمر عسكري بإغلاقها في وجه الفلسطينيين ممن يقيمون خارجها.
"نوثّق كي لا ننسى!"
المدون سائد كرزون، المبادر لتنظيم حملة "دون من الأغوار" صرح لـDWعربية: "نقوم بالتدوين والتصوير والأرشفة. كل شيء يتم باستخدام أدوات رقيمة بطرق مختلفة من أجل المجتمع الفلسطيني"، بحسب كرزون الذي يؤكد أن الهدف من ذلك هو التوثيق، لأن "أي حدث يمر دون تدوين أو توثيق، يُنسى!".
ويضيف كرزون "باشرت الحملة بتوثيق المضايقات والقيود التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتسليط الضوء على المشاكل التي تواجه السكان، مثل تدني خدمات الصحة والتعليم والقيود على حرية التنقل، سواء للمقيمين فيها أو القادمين إليها من المواطنين الفلسطينيين. نقوم بكتابة ونشر القصص عبر مدوناتنا، بأكثر من لغة، ثم نرسلها للجهات المعنية بهذا القطاع الهام".
تندرج فكرة "دون من الأغوار" ضمن مقترح مشروع "U KNOW" (أنت تعرف) الذي ينافس حاليا على جائزة هولتز العالمية للرياديين في مجال الإعلام. وتسعى المبادرة، كما يقول كرزون، إلى "انتزاع الحق في الحصول على المعرفة وحث صناع القرار والمشرعين على صياغة قانون يسمح بتوفير المعلومات لتسهيل عمل المدونين في استخدام وتوظيف أدوات الاتصال الحديثة في تقديم خدمة إعلامية أفضل للجمهور الفلسطيني في الأراضي المحتلة".
بديل للإعلام التقليدي
المدون محمد أبو علان من سكان مدينة طوباس، وهي المدينة التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة الأغوار، اعتبر في حديث إلى DWعربية أن المدونة هي "البديل عن وسائل الإعلام التقليدية لأنها تتيح لصاحبها مساحة واسعة لنشر آرائه وتوجهاته الفكرية. وهذه خاصية لا تتوفر في وسائل إعلامية تلتزم بخط تحريري خاص قد يحجب بعض الآراء".
وتحظى مدونة أبو علان، واسمها "بحرك يافا"، باهتمام ملحوظ، فقد زارها منذ إطلاقها نحو مليونين وسبعمائة ألف زائر، ويتصفحها يوميا حوالي 2500 زائر. وينجذب المتابعون لمدونة "بحرك يافا" لتركيزها على ثلاث محاور أساسية: توثيق انتهاكات حقوق الإنسان ونشر تقارير مترجمة من الإعلام الإسرائيلي إضافة لمناقشة القضايا الاجتماعية اليومية التي تهم المواطن الفلسطيني العادي.
ويعتبر أبو علان أن المدونة هي بمثابة الملجأ للكثير من المهتمين بالمجتمع الإسرائيلي وقضايا حقوق الإنسان. ويسوق أبوعلان مثالا على تلك القضايا: عندما عرض "مشكلة واجهت أحد المواطنين أثناء علاجه في إحدى المستشفيات المحلية وقد توبعت القضية من قبل الجهات المختصة وتم حلها".
إرادة التغيير الإيجابي
يعتقد أبو علان "أن العمل التدويني ما زال يتسم بالعمل الفردي في الأراضي الفلسطينية ولم يأخذ دوره بعد، بأن يكون جزءا من الإعلام المؤثر على الرأي العام، على عكس مجريات العمل التدويني في بلدان الربيع العربي الذي يحمل طابعا جماعيا".
ويشير صالح دوابشة، الخبير في الإعلام الاجتماعي، إلى أن السبب في تأخر تأثير التدوين في الضفة الغربية "يعود إلى عدم تحول النشطاء من تدوين الفيسبوك إلى التدوين الحقيقي الذي من شانه أن يجعل ما يكتبون أكثر تأثيراً، فالكتابة على فيسبوك لا يتم أرشفتها وبنفس الوقت هي ليست صديقة مع محركات البحث كما في المدونات. وبالرغم من الكم الهائل من التدوينات على الفيسبوك إلا أن هناك غياب ملحوظ للمدونين على منصات التدوين واسعة الانتشار مثل وورد برس او بلوجر".
ويوضح دوابشة في حديث لـDWعربية "أن ما ينقص المدونين الفلسطينيين، أمران: الأول أن ينتقل التدوين من منصة الفيسبوك إلى المدونات، والثاني أن يتحول دافع التدوين من الفضفضة والتنفيس إلى إرادة قوية للتغيير الايجابي في المجتمع، مشددا في الوقت نفسه "على أن التغيير الاجتماعي الإيجابي ينطلق من الناس الإيجابيين إلى غيرهم من الناس، والتدوين هو سلاح فعال في نقل السلوكيات والقيم الإيجابية".
أساليب نشر التدوينات
وتشكل حملة "دوّن من الأغوار"، عبر حافلة المدونين – والحديث لمحمد أبو علان – "مقدمةً لخلق نوع من العمل الجماعي للمدونين لكي يصبحوا قوة مؤثرة في الرأي العام المحلي. وهناك توجه إلى تنفيذ المزيد من أنشطة للمدونين من خلال حافلتهم".
ويندرج هذا النشاط ضمن سلسلة من الأنشطة والبرامج التي تقدمها شبكة "أمين الإعلامية/ إنترنيوز" لتطوير قدرات المدونين والإعلامين في مجالات الإعلام المتنوعة.
وتسرد المشاركة رحمة حجه في مدونتها حكاية مؤثرة عن معاناة أهل منطقة الطريفات لعدم توفر الكهرباء متسائلة عن مدى جدوى وعد الجهات الرسمية خطيا بتمديد شبكة كهرباء. وتكتب في "أرجوحة الأغوار" قصة مشابهة عن بساطة عيش سكانها وتراجع تواجدهم الطبيعي في هذه المنطقة. وتختم قائلة "الأرجوحة في مضارب المالح ترفعني أعلى فلا أرى إلا غيوما ومساحات على مدّ البصر.. الأرجوحة تسحبني إلى أسفل فلا أرى إلا أنقاض فندق قديم تقيم به عائلة تضيء عتمتها بقنديل الكاز...".
وفي ذات السياق، يشير المدون سائد ركزون إلى نشر التدوينات يتم بأساليب مهنية متنوعة مثل قصص إذاعية، أفلام اليوتيوب، تغريدات على تويتر وفيسبوك وغوغل بلس، فضلا عن برامج البث المباشر وتطبيقات الهواتف الذكية، وأحيانا عبر وسائل الإعلام التقليدي.
"بكفّي على الفيسبوك عم بتزودوها"
ومن جانب آخر تعتبر منسقة مركز الدفاع عن حقوق الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز" الصحفية نائلة خليل في حديثها مع DWعربية أنه "بالرغم من وجود حرية نوعا ما في نقد السلطة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني، إلا أنه توجد رقابة على مواقع التواصل الاجتماعي تصل أحيانا للمحاسبة"، مضيفة إلى أن ما تفعله أجهزة الأمن وصل إلى حد التعسف في استخدام الحق في الاستدعاء".
وتشير الصحفية خليل إلى "أن أجهزة الأمن تستند على البند القانوني (المقتبس من القانون الأردني) المسمى إطالة اللسان على مقامات عليا (الأمراء والملوك)، وكذلك بند إثارة النعرات والفتن الطائفية من القانون الفلسطيني". وتضيف إن أجهزة الأمن تحذر نشطاء التواصل الإجتماعي وتقول لهم: "بكفّي على الفيسبوك عم بتزودوها ...هدوا شوي (هدئوا قليلا)". كما أنهم يعتقلون وفقا "لإجراءات قانونية سليمة 100 %، ولكن هذا لا يعني أن القانون عايش لأن روحه غائبة!". فالناشط الاجتماعي محمود حمامرة من بيت لحم حكم عليه لمدة عام بسبب، وذلك لنشره صورة كارتونية تسخر من الرئيس. وهو ذات الحكم الذي لقيه أنس أبو عواد، بسبب رسم كاريكاتوري رياضي ساخر من الرئيس. في المقابل لم يحرك الرئيس أي قضية ضدهم.
وتضيف خليل قائلة، "إن ذلك يشوش على أداء المدون أو الصحفي ويجعله يضع نفسه تحت رقابة ذاتية".
وبدوره يعتبر المدون محمد أبو علان "أن حرية الرأي والتعبير في الاراضي الفلسطينية ليست على ما يرام". مضيفا في الوقت نفسه أن "الرقابة الذاتية أصبحت موجودة لدى المدونين مثلما هي موجودة عند الصحفيين. هناك بعض القضايا يتم التعامل معها بحذر خاصة قضايا حقوق الإنسان أو الاعتقالات السياسية". وبالرغم من عدم تعرضه شخصيا لأي مضايقات أو تحذيرات من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إلا أنه يؤكد على وجودها".