دول بمقدورها لعب دور "الوسيط" بين حماس وإسرائيل؟
١٤ أكتوبر ٢٠٢٣بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل السبت (7 أكتوبر / تشرين الأول 2023) الذي أودى بحياة أكثر من 1300 شخص، يعتقد مراقبون أن الصراع في الشرق الأوسط في طريقه للتصعيد.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه أسقط 6000 قنبلة على قطاع غزة، الذي يمتد طوله حتى 40 كيلومترا وعرضه إلى عشرة كيلومترات ويعد من أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان. وأسفرت الغارات عن مقتل أكثر من 1500 شخص في القطاع الذي يقطنه قرابة 2.2 مليون شخص فيما تشدد إسرائيل حصارها على القطاع في محاولة لتحرير حوالي 100 رهينة تحتجزهم حماس.
وعلى الحدود الإسرائيلية-اللبنانية، أطلق حزب الله صواريخ على إسرائيل في محاولة لدعم حماس فيما قام مستوطنون متطرفون في الضفة الغربية بقتل مدنيين فلسطينيين.
جهود الوساطة؟
أشارت سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس البحثي ومقره لندن، إلى تنامي المخاوف في الشرق الأوسط حيال انزلاق المنطقة صوب حرب واسعة النطاق.
وفي تقرير نشر قبل أيام، قالت إن الحرب قد تشمل فلسطينيين في أماكن أخرى في إسرائيل أو الأردن أو مصر أو لبنان وحتى إيران، مضيفة "تخشى دول الخليج من أن يتأثر أمنها الداخلي بالعنف المتصاعد."
تزامن ذلك مع بذل محاولات دولية للتوسط حيث أعربت دول عدة عن استعدادها للمساعدة في تسهيل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والأجانب لدى حماس فضلا عن العمل على توفير ممر إنساني للمدنيين في قطاع غزة ومن ثم تمهيد الطريق أمام التوصل إلى اتفاق وقف النار بين إسرائيل وحماس.
وأبدت الولايات المتحدة ودول أوروبية وروسيا والصين استعدادها للمساعدة في نجاح مثل هذه المساعي.
ورغم ذلك، ترى فاكيل أن دول الشرق الأوسط يتعين عليها أن تأخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بجهود التهدئة، مضيفة "الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة والصين والأطراف الدولية الأخرى الفاعلة ربما ما زال مهما، لكن يتعين على دول المنطقة أن تكون في طليعة هذه الجهود".
الجدير بالذكر أن المنطقة شهدت ما وصفه مراقبون "اختراقا دبلوماسيا" بعد أن نجحت الصين في الوساطة بين السعودية وإيران وهو ما دفع بكين إلى إبداء استعدادها للتوسط بين حماس وإسرائيل، لكنها شددت على أنها في حاجة إلى مصر حتى يتسنى لها نجاح مساعيها.
كذلك مازالت الولايات المتحدة اللاعب والطرف الرئيسي في أي محادثات بسبب علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، لكنها ستظل في حاجة إلى الاعتماد على طرف آخر للتوصل مع حماس.
مصر؟
وتعد مصر من أكثر الأطراف انخراطا في الصراع بسبب قربها من إسرائيل من جهة وأيضا من قطاع غزة من جهة أخرى في ضوء إشرافها على معبر رفح الحدودي الذي يعد المنفذ الرئيسي والوحيد لسكان غزة على العالم الخارجي خاصة بعد أن أغلقت إسرائيل كافة منافذها مع القطاع إثر هجوم السبت.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أكد مؤخرا على ضرورة السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة فيما أفادت وزارة الخارجية المصرية بإعادة فتح معبر رفح مع غزة بعد أن جرى إغلاقه جراء القصف الإسرائيلي قبل أيام.
من جانبها أكدت منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة والصليب الأحمر على أنها على أهبة الاستعداد للمساعدة في حالة إنشاء ممر للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
بيد أن السيناريو الذي تخشاه السلطات المصرية يتمثل في فرار بعض سكان غزة إلى الأراضي المصرية عبر معبر رفح حيث أكدت القاهرة على رفضها إقامة ممرات آمنة لدخول اللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء كما كان في عام 2008 حيث فر سكان من غزة إلى الجانب المصري مع بدء إسرائيل في فرض حصارها على القطاع لأول مرة في العام ذاته.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري الخميس (12 أكتوبر / تشرين الأول) إن مصر "حريصة على فتح معبر رفح لتقديم المساعدات الإنسانية والغذاء والدواء، لكن عدم الاستقرار واتساع الصراع يؤدي إلى مزيد من الصعوبات وتوجه المزيد من اللاجئين إلى المناطق الآمنة".
ويتوافق ذلك مع موقف مصر التاريخي من الصراع في الشرق الأوسط حيث أكدت القاهرة في عدة مناسبات على ضرورة أن يُقدم الفلسطينيون والإسرائيليون على حل القضايا الإشكالية معا مع ضرورة عدم القيام بأي خطوات ترمي إلى تهجير الفلسطينيين من منازلهم.
لكن كل هذا قد يتغير إذا ساءت الأوضاع في القطاع أكثر وأكثر حيث يمكن أن يدفع تفاقم الأوضاع سكان غزة اليائسين إلى محاولة عبور الحدود المصرية.
وتقول المستشفيات في غزة إن الوقود على وشك النفاد ما يعني قرب خروجها عن الخدمة فيما أدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير أحياء بأكملها وتشريد ما يقرب من نصف مليون من سكان القطاع.
ودعا الجيش الإسرائيلي الجمعة (13 أكتوبر / تشرين الأول) سكان مدينة غزة، إلى إخلائها والتوجه نحو جنوب القطاع في إجراء يطال 1.1 مليون شخص فيما قال موقع "مدى مصر" المستقل إنه في حالة ما ساءت الأمور، فقد تضطر مصر إلى قبول المزيد من اللاجئين الفلسطينيين.
تزامن هذا مع ما نقلته رويترز عن مصدرين أمنيين مصريين قولهما إن مصر تجري حاليا اتصالات وثيقة مع إسرائيل وحماس لمحاولة منع المزيد من التصعيد في القتال بين الجانبين ولضمان حماية الأسرى الإسرائيليين.
وأضاف المصدران، اللذان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما، أن مصر حثت إسرائيل على ممارسة ضبط النفس وحثت حماس على إبقاء الأسرى في حالة جيدة للحفاظ على احتمال التهدئة قريبا مفتوحا، على الرغم من أن الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة جعلت الوساطة صعبة.
يشار إلى أن الرئيس المصري السيسي يعتبر حركة حماس خطرًا أمنيًا، إذ يعتبر الجماعة مقربة من أحد أبرز منافسيه السياسيين داخلياً، وهي جماعة الإخوان المسلمين. في الوقت نفسه، قامت دول مجاورة أخرى مثل قطر بتعزيز علاقاتها مع حماس منذ مدة طويلة.
الأردن؟
ولا تتوقف جهود الوساطة على مصر إذ يمكن أن يلعب الأردن دورا بفضل موقعه في الجوار الإسرائيلي وأيضا تاريخه الطويل في الوساطة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
الجدير بالذكر أن اتفاق السلام بين اسرائيل والأردن عام 1994 ينص على مكانة الأردن كوصي على أماكن إسلامية ومسيحية مقدسة في القدس.
ورغم ذلك، يقول مراقبون إن العلاقة بين الأردن وحماس ليست وثيقة، لكن في المقابل يتمتع الأردن بعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
والتقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في عمان بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي أكد خلال اللقاء على ضرورة فتح ممرات إنسانية عاجلة لإدخال المساعدات الطبية والإغاثية إلى قطاع غزة، وفق بيان للديوان الملكي الهاشمي.
وقال البيان إن الملك عبد الله حذر من "انتهاج سياسة العقاب الجماعي تجاه سكان قطاع غزة ومن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبب في نزوحهم"، مشددا على ضرورة "عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين".
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد أكد الأربعاء (11 أكتوبر / تشرين الأول ) أن المنطقة لن تنعم بالأمن والاستقرار دون تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتيْن.
وفي خطابه أمام البرلمان، شدد الملك عبد الله على أن "حل الدولتيْن فقط سيُنهي دوامات القتل التي يدفع ثمنها الأبرياء".
ويعني حل الدولتين إنشاء دول فلسطينية مستقلة تعيش إلى جوار إسرائيل، لكن مراقبين وسياسيين يشيرون في هذا الصدد إلى حقيقة مفادها أن حل الدولتين لم يجد طريقه للتطبيق منذ سنوات.
قطر؟
ويرى مراقبون أن هناك دولا إقليمية يمكن أن تلعب دورا في الوساطة لا سيما قطر التي تحظى بعلاقة مع حماس هي الأوثق في المنطقة خاصة أنها تستضيف مكتبا للحركة في العاصمة الدوحة التي يقيم فيها عدد من قادة حماس، بيد أن هناك انفصالا بين المكتب السياسي لحماس وبين الجناح العسكري للحركة.
ومع تصاعد الصراع بسبب هجوم حماس، قال مصدر مطلع لرويترز إن وسطاء قطريين أجروا اتصالات عاجلة مع قيادات في حركة حماس لمحاولة التفاوض على إطلاق سراح نساء وأطفال إسرائيليين تحتجزهم الحركة في غزة مقابل إطلاق سراح 36 امرأة وطفلا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية.
وأكدت وزارة الخارجية القطرية لرويترز انخراطها في محادثات وساطة مع حماس ومسؤولين إسرائيليين تشمل تبادلا محتملا للأسرى.
وأضاف المصدر المطلع على سير المحادثات أن المفاوضات التي تجريها قطر بالتنسيق مع الولايات المتحدة "تمضي بشكل إيجابي".
وقال ماجد الأنصاري المتحدث باسم وزارة الخارجية لرويترز دون الخوض في تفاصيل "نحن على اتصال مستمر مع كل الأطراف في الوقت الراهن. أولوياتنا هي وقف إراقة الدماء والإفراج عن الأسرى والتأكد من احتواء الصراع قبل أن يتوسع في المنطقة".
وقال مسؤول إسرائيلي لرويتزر إنه "لا توجد مفاوضات جارية".
وفي ضوء ارتباطها بخطوط اتصال مباشرة مع حماس، ساعدت قطر في السابق في التوسط في اتفاقات تهدئة بين الحركة وإسرائيل فيما ساعدت في استضافة محادثات على مدار أكثر من عام بين الولايات المتحدة وإيران أدت إلى تبادل للسجناء والإفراج عن أموال.
وقال المصدر المطلع على المحادثات التي تقودها قطر بين حماس وإسرائيل لرويترز "لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الأمور اللوجستية أو آلية للإفراج".
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال من الدوحة يوم الجمعة (13 تشرين الأول/ أكتوبر) إنه ناقش مع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني منع أي طرف، سواء كان دولة أو غير دولة، من توسيع الصراع بين إسرائيل وحماس.
كما ذكر بلينكن خلال حديثه مع وسائل الإعلام إلى جوار رئيس الوزراء القطري بعد اجتماعهما، أن الولايات المتحدة تعمل بشكل مكثف من أجل الإفراج عن الرهائن الذين اقتادتهم عناصر حماس إلى غزة خلال هجومهم يوم السبت الماضي. فيما عبر رئيس وزراء قطر عن أمله في تحقيق تقدم بشأن إطلاق سراح الرهائن خلال الأيام المقبلة.
تركيا؟
ويقول مراقبون إن تركيا - العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) – يمكنها أن تدخل على خط الوساطة بسبب أنها من أكثر الداعمين للقضية الفلسطينية وتستضيف أيضًا مكتبا لحماس حيث دعت في السابق كبار القادة الفلسطينيين إلى المجيء إلى اسطنبول لإجراء محادثات ترمي إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني.
وعلى النقيض من موقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية في حلف الناتو، لم تقدم أنقرة على تصنيف حماس منظمة إرهابية.
ومع اندلاع موجة العنف الجديدة بين حماس وإسرائيل، عرضت تركيا المساعدة في التوسط بين الجانبين.
الجدير بالذكر أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد تحسنت مؤخرا بعد توتر دام سنوات بين الدولتين اللتين كانتا حليفتين إقليميين مقربين لأكثر من عقد إذ مع بداية العام الجاري بدأت تركيا وإسرائيل في تحسين العلاقات بزيارات رفيعة المستوى شملت زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ لأنقرة.
واتفق الجانبان في أغسطس/ آب الماضي على تعيين سفير لكل بلد لدى الآخر.
ولم يمنع تحسن العلاقات مع إسرائيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء (11 أكتوبر / تشرين الأول) من وصف الحصار والقصف الإسرائيليين لقطاع غزة ردا على هجوم حماس بـ "الرد غير متناسب يصل إلى حد المذبحة"، لكنه كرر عرض أنقرة الوساطة في الصراع.
يشار إلى أن حركة حماس هي جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى، كمنظمة إرهابية.
كاثرين شاير / م. ع