30 عاما على اتفاقية أوسلو.. حلم لم يكتمل وسلام لم يتحقق
١٣ سبتمبر ٢٠٢٣قبل ثلاثين عاما، التقطت كاميرات وسائل الإعلام العالمية صورة مصافحة بالأيدي غير مسبوقة بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، ورئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إسحاق رابين. ويبدو أنه من الصعب تكرار مثل هذه المصافحة في الوقت الراهن.
ففي عام 1993 وتحديدا في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول ، استضاف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عرفات ورابين للتوقيع على إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالية أو ما عُرف لاحقا بـ "اتفاقيات أوسلو" فيما شهدت حديقة البيت الأبيض مراسم التوقيع.
أدى الاتفاق المؤقت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية ومنحها سلطة محدودة على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة وهي المناطق التي احتلها إسرائيل في حرب 1967، فيما مهد الاتفاق الطريق أمام اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وسمح الاتفاق بعودة عرفات، الذي كان يعيش في تونس آنذاك، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة مع باقي قادة منظمة التحرير.
وعلى وقع توقيع اتفاقيات أوسلو، تعالت آمال الفلسطينيين والإسرائيليين في إمكانية تحقيق سلام دائم وعادل بين الجانبين، لكن وبعد مرور ثلاثين عاما اختفت هذه الآمال.
مباحثات سرية
وبعد مرور ثلاثين عاما على التوقيع، يستدعى السياسي الإسرائيلي ونائب وزير الخارجية آنذاك يوسي بيلين ذكرى تلك الحقبة إذ بعد مؤتمر مدريد للسلام في تشرين الأول/أكتوبر عام 1991 والذي جمع إسرائيليين وفلسطينيين ومفاوضين عرب، بادر بيلين إلى إجراء اتصالات مع أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية.
ونجم عن هذه الاتصالات إجراء مباحثات سرية في عاصمة النرويج أوسلو .
وفي مقابلة مع DW، قال "كان هدفي متواضعا للغاية. فمن وجهة نظري، كان الأمر مجرد وسيلة من وراء الكواليس لتسوية القضايا بهدف حل الثغرات".
وفيما مضى بيلين قدما في المسار الذي شرعه، كان الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي يتفاوضون رسميا في العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث كان غسان الخطيب ضمن الوفد الفلسطيني المفاوض الذي كان يجري محادثات رسمية مع مسؤولين إسرائيليين.
وقال الباحث الفلسطيني في مقابلة مع DW إن الوفد الفلسطيني في واشنطن لم يكن لديه أي معرفة بـ "مسار أوسلو الموازي".
وأضاف أن قضية المستوطنات كانت إحدى القضايا الخلافية بين الجانبين في واشنطن إذ أصر الجانب الفلسطيني على أن يتضمن أي اتفاق التزاما إسرائيليا مكتوبا بوقف المشاريع الاستيطانية. وفي ذلك، قال "لم تقبل إسرائيل ذلك ولهذا السبب لم نتوصل إلى اتفاق".
بيد أنه في نهاية المطاف، كان مسار المفاوضات السرية في أوسلو هو الذي مهد الطريق أمام توقيع الاتفاق المؤقت.
وأضاف غسان، المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة بيرزيت شمال مدينة رام الله، "في أوسلو اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي المقابل قبلت المنظمة باتفاق دون التزام إسرائيلي [مكتوب] يقضي بوقف المستوطنات".
وشدد غسان على أن قضية الاستيطان كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم نجاح اتفاقيات أوسلو.
وفي المقابل، يرى بيلين أن جوهر اتفاقيات أوسلو يكمن في أنها لم تكن معاهدة سلام، إذ كانت بمثابة إطار انتقالي كان من المفترض أن يؤدي إلى اتفاق دائم في غضون خمس سنوات، قائلا: "لا أنظر إلى نفسي مدافعا عن أوسلو. لقد كانت أوسلو مجرد وسيلة [صوب إبرام اتفاقية دائمة]، لكنني لست متحمساً للحلول المؤقتة".
وأشار إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تكن مهتمة بالتوصل إلى اتفاق، قائلا "يتمثل فشل أوسلو في أننا لم نصل قط إلى هدفنا الحقيقي وهو التوصل إلى اتفاق دائم."
وقال بيلين إنه دعا إلى البدء في التفاوض على قضايا الوضع النهائي بشكل مبكر، حيث حذر إسحاق رابين من أن فترة الخمسة أعوام سوف تعطي المتطرفين من كلا الجانبين فرصة لإفشال الاتفاق.
وفي ذلك، أوضح "كان من الصعب للغاية الحديث في ذلك الوقت عن اتفاق دائم لكن الأمر لم يكن ضربا من المستحيل. ربما كان بإمكاننا توفير الكثير من الوقت وتفادي وقوع الكثير من الضحايا من الجانبين".
وتحققت توقعات بيلين حيث كان هناك تصعيدا من المتطرفين من كلا الجانبين حيث شنت حماس والجهاد الإسلامي سلسلة من الهجمات الانتحارية والتفجيرات أسفرت عن مقتل وإصابة مئات الإسرائيليين في السنوات التي أعقبت توقيع اتفاقيات أوسلو، فيما نظمت المعارضة اليمينية في إسرائيل سلسلة من المظاهرات الحاشدة ضد الاتفاق.
وفي عام 1994، فتح متطرف إسرائيلي النار على مصلين داخل الحرم الإبراهيمي بالخليل خلال شهر رمضان مما أسفر عن مقتل 29 فلسطينيا فيما بلغ العنف ذروته باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين عام 1995 على يد متطرف يهودي يميني متشدد كان معارضا لعملية السلام مع الفلسطينيين.
مسارات مختلفة
وبعد مرور ثلاثين عاما على توقيع اتفاقيات أوسلو، أدار معظم الفلسطينيين والإسرائيليين ظهورهم لها.
وفي هذا السياق، قال الخطيب، الذي يشرف على إجراء استطلاعات للرأي بين الفلسطينيين، "تبلغ النسبة التي ما زالت تؤيد اتفاقيات أوسلو من الجمهور [الفلسطيني] الثلث فقط، فيما كانت النسبة تبلغ 70% في الأسابيع والأشهر التي تلت التوقيع عليها".
وأضاف أن الفلسطينيين يرصدون بأعينهم أنه رغم توقيع الاتفاقية، فإن إسرائيل "لا تزال تستولي على المزيد من الأراضي وتضع المزيد من المستوطنين وتقيد الفلسطينيين في مناطقهم المحصورة".
وقال إن هذا الأمر يعد بالهام بالنسبة لجيل لم يشهد توقيع الاتفاقية، مضيفا "إنهم يعتقدون أن أوسلو هي المسؤولة عن الكثير من الصعوبات التي نعيشها".
ومنذ اتفاقيات أوسلو، توسعت المستوطنات الإسرائيلية، فقد كان عدد المستوطنين في نهاية عام 1993 أكثر من 116 ألفا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفقا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي.
ورغم انسحاب إسرائيل في جميع مستوطناتها في غزة عام 2005، إلا أنه يوجد نحو 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
الجدير بالذكر أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي ويُنظر إليها باعتبارها عقبة رئيسية أمام أي اتفاق سلام في المستقبل.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل فشلت اتفاقيات أوسلو في إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والذي مازال قائما لأكثر من 56 عاما منذ حرب عام 1967، فيما لازال الحل غائبا عن القضايا الأساسية لا سيما الحل القائم على أساس دولتين وترسيم الحدود بينهما، ومستقبل مدينة القدس والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين بالإضافة إلى الترتيبات الأمنية.
ويبدو أن هذا ينعكس على واقع حياة الشابة الفلسطينية شذى مسلم، رئيسة شركة ناشئة، والتي ولدت في تونس لأم فلسطينية لجأت إلى لبنان، وأب فلسطيني اضطر للعيش في المنفى حيث يعمل رئيسا لمكتب عرفات في تونس.
وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو، تمكنت عائلة شذى من العودة إلى الضفة والعيش في مدينة أريحا.
وفي مقابلة مع DW، قالت "بعد أوسلو، تم إنشاء جواز سفر تصدره السلطة الفلسطينية حيث لم يكن لدينا قبل ذلك أي وثيقة سفر فلسطينية فيما مثل ذلك تغيرا جوهريا في حياتنا حيث أصبح لدينا جنسية".
لكنها قالت إنه عند النظر إلى حاضر اتفاقيات أوسلو "يبدو أن كل شيء كان قد تم في تسرع بعض الشيء، حيث لم يتم التفاوض على تفاصيل مهمة. ألوم إسرائيل كثيرا لأنها لم تقم بأي جزء من دورها ضمن اتفاق أوسلو. كان من المفترض أن يحدد تقسيم المناطق (أ. ب. ج) طريقة خروج الإسرائيليين من المناطق أو طريقة وقف بناء المستوطنات، لكنهم فعلوا نقيض ذلك".
وكان شذى تشير في حديثها إلى ما نص عليه اتفاق أوسلو الثاني المبرم عام 1995 حيث نص على تقسيم الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاث مناطق إدارية هي "أ، ب، ج" خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات.
لكن السلطة الفلسطينية تتمته اليوم بسيطرة محدودة على المنطقة (أ) فيما لم يتم تنفيذ الخطة الانتقالية على الإطلاق.
ووجهت شذى انتقادات إلى الجانب الفلسطيني، قائلة "بعد خمس سنوات من فشل الاتفاق، كان ينبغي على (القيادة الفلسطينية) اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة هذا التقاعس الإسرائيلي. وأنا ألومهم على عدم التفاعل لأكثر من 30 عاما".
مصير حل الدوليتن؟
ويتفق في هذا الرأي الشاب الفلسطيني فتحي الغول الذي يرأس شركة تسويق ناشئة في رام الله، قائلا "يمكن القول الكثير عن أوسلو حيث كان هناك الكثير من الأمور الخاطئة، لكن الأهم من ذلك أننا حصلنا على اعتراف وهوية".
وقال الغول في مقابلة مع DW إنه وُلد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا فيما تمكنت أسرته من العودة إلى غزة بعد اتفاقيات أوسلو حيث نشأ في مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة. واضطرت أسرته إلى الانتقال إلى الضفة الغربية عقب استيلاء حماس على السلطة وطرد السلطة الفلسطينية من القطاع عام 2007.
وقال "أعتقد بشكل عام أن (اتفاقيات) أوسلو قد فشلت. لقد كانت بمثابة عملية تمهد الطريق في نهاية المطاف أمام حل الدولتين. لكن إذا نظرت إلى الواقع، أعتقد أن إسرائيل قتلت حلم حل الدولتين.. كنا نريد أن تكون هناك دولتان جنبا إلى جنب، لكن الآن أصبح الخيار الوحيد يكمن في حل الدولة الواحدة."
ويساور الغول الكثير من القلق إزاء خطط الحكومة اليمينية المتشددة الحالية في ضم مناطق أخرى من الضفة الغربية فضلا عن الخوف من تزايد وتيرة هجمات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين.
وفي ذلك، قال "هناك احتلال وهناك نقاط تفتيش [إسرائيلية] وهناك صعوبات كثيرة في التنقل. لكن هذه الأيام أخشى حقا من الذهاب إلى نابلس أو بيت لحم. أنا خائف حقا من المستوطنين".
جيل بلا آمال سلام
وتشير استطلاعات الرأي إلى ضعف التأييد لحل الدولتين بين الشباب الفلسطيني والإسرائيلي مقارنة بالأجيال السابقة، حسبما أفاد استطلاع مشترك نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله بالاشتراك مع البرنامج الدولي للوساطة وحل الصراعات في جامعة تل أبيب.
وكشف الاستطلاع الذي نُشر في يناير / كانون الثاني الماضي عن أن 20% فقط من الإسرائيليين اليهود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما يؤيدون حل الدولتين.
وفي ذلك، قالت دوريت شيختر، التي تعيش في مستوطنة إسرائيلية في منطقة بنيامين التي تشير إليها بمصطلح "يهودا والسامرة" التوراتي للضفة الغربية، "أنا شخصياً أعتقد أن [اتفاقيات أوسلو] كانت خطأً فادحاً. في كل مرة تمنح فيها إسرائيل أرضا مقابل إبرام اتفاق سلام، تنفجر الأمور حرفيا أمام أعيننا".
وتصف شيختر نفسها بكونها يهودية متدينة حيث تتذكر طفولتها التي عاصرت خلالها هجمات وتفجيرات قام بها مسلحون فلسطينيون خلال الانتفاضة الثانية التي بدأت في عام 2000.
وتقول إنها ترفض مصطلح "الأرض مقابل السلام"، مضيفة "بادئ ذي بدء يجب ألا نفرط في أي قطعة من أرض إسرائيل لأن هذا من المؤكد لن يجلب السلام، لكنه سوف يجلب فقط الإرهاب. أعتقد أن عدم اتخاذ قرار يعد نوعا من الحل من أجل بقاء الأمور على حالها".
"طفل أوسلو"
أما الشاب الإسرائيلي هيلل عساف، فيمتلك وجهة نظر مغايرة، قائلا "كنت طفلا عندما جرى التوقيع على اتفاقيات أوسلو وإبان الانتفاضة الثانية كنت جنديا."
وقال إنه أصبح لاحقا ناشطا وعضوا في منظمة "كسر الصمت" التي تضم قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي ممن ينتقدون الاحتلال العسكري المستمر للأراضي الفلسطينية.
وشدد على ضرورة الخروج بأفكار جديدة وجيل جديد من السياسيين من أجل إحداث التغيير، قائلا "كان أبو مازن (محمود عباس) منخرطا في اتفاقيات أوسلو فيما كان (بنيامين) نتنياهو ينتقدها. يبدو الأمر وكأننا لن نستطيع إحداث نقلة نوعية مع نفس الأشخاص. هذا لن يحدث. لذلك، آمل حقا في أن يتنحى هؤلاء للسماح بقدوم أشخاص جدد".
ورغم ذلك، يقر عساف بصعوبة الخروج بمسار جديد في ظل الأجواء السياسية الحالية، قائلا "أشعر أنني قريب من بعض الفلسطينيين عن اليهود القوميين المتطرفين الذين يفترض أنهم يقفون إلى جانبي. أفضل أن أكون على مسافة واحدة من الأشخاص العاديين سواء الفلسطينيين أو الإسرائيليين... آمل أن يأتي الحل من التيار المعتدل وليس من مجموعات هامشية مختلفة".
تانيا كريمر/ م.ع