دور حماس السياسي ومفارقات التحول الديمقراطي
٢٠ ديسمبر ٢٠٠٥في الوقت الذي تزداد الدعوات الأوروبية إلى تطبيق الديمقراطية في العالم العربي قوة وزخماً، يخشى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من تحقيق حركة حماس فوز في الانتخابات التشريعية في الأراضي الفلسطينية يحولها إلى قوة سياسية فاعلة في عملية إتخاذ القرار السياسي الفلسطيني. هذا التطور دفع خافيير سولانا، المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى التهديد بوقف المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية في حال فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في الشهر المقبل. لكن التزايد المستمر في التهديدات الإسرائيلية والدولية إزاء إمكانية فوز حركة حماس قد يؤدي إلى تعطيل هذه الانتخابات المقررة في 25 كانون الثاني/يناير. فماهر الطاهر، مسئول الجبهة الشعبية لتحرير الفلسطينيين في الخارج أكد على أن تنظيمه لن يدخل الانتخابات الفلسطينية في حال منعت حركة حماس من خوضها وأضاف: "لا يجوز للاتحاد الأوروبي وأميركا وإسرائيل أن تتدخل في الانتخابات التشريعية، لأنها شئون داخلية فلسطينية وأي تدخل يعتبر وقاحة وتعطيلاً للانتخابات". ووفقاً لرأيه فإن هذا يعتبر تعدياً على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وبالتالي تناقضاً مع المطالب الأوروبية بتحقيق الديمقراطية. كذلك وصف صائب عريقات الوزير بالحكومة الفلسطينية تصريحات سولانا بأنها "غير مقبولة"، وبأنها تدخل مباشر في شئون الفلسطينيين.
انقسام حركة فتح والضغوط الداخلية
تشارك حركة حماس للمرة الأولى في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. ومن المتوقع أن يكون أداؤها طيباً في مواجهة حركة فتح التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فقد حققت الحركة فوزاً كبيراً في الانتخابات البلدية في المدن الكبرى في الضفة الغربية وقطاع غزة مؤخراً. وهو ما أدى إلى تصعيد الأزمة الداخلية التي تعيشها حركة فتح، حيث قدمت قائمتين منفصلتين للانتخابات بسبب خلافات بين تيارين داخل الحركة: القائمة الرئيسية وعلى رأسها محمد إبراهيم محمود، الأسير في السجون الإسرائيلية والقائمة الثانية، قائمة "المستقبل"، التي يتزعمها أمين سر الحركة، والمعتقل أيضاً، مروان البرغوثي. ولم تفلح الوساطة المكثفة التي جرت خلال الأيام الماضية في التوصل إلى قائمة واحدة ولم يعد ممكناً توحيد القائمتين قانونياً. وهذا الانقسام في القوائم سيؤدي إلى تعطيل الانتخابات وتأجيلها.
عباس بين المطرقة والسندان
وعلى كل هذه التداعيات الداخلية والخارجية تشير إلى أن إجراء الانتخابات في موعدها شبه مستحيل، كما يؤكد المسئولون والمحللون. وتشكل المعونات والمساعدات الدولية المصدر الرئيسي لدخل السلطة الفلسطينية التي تعاني من عجز دائم في الميزانية. لكن الإجراءات الإسرائيلية تبقى هي التهديد الأكبر الذي يمكن أن يطيح بالانتخابات كما يؤكد عميد كلية الحقوق في جامعة بيرزيت، علي الجرباوي:"الإجراءات الإسرائيلية من خلال التصعيد العسكري بالاغتيال والاعتقال والقصف والتدمير سيكون له التأثير الأكبر، ولا يجب أن ننسى أن إسرائيل يمكن أن تمنع إجراء الانتخابات في القدس، وهذا وحده كفيل بتقويض الانتخابات". وأضاف أن موقف الرئيس محمود عباس صعب للغاية، فهو "بين نارين: نار التهديدات الدولية ونار الناخب الفلسطيني، فإن انصاع للتهديدات الدولية، وهو المؤمن والمدافع عن الديمقراطية، سيفقد مصداقيته في الشارع الفلسطيني".
حماس كلاعب ديمقراطي؟
وفي مقابلة تلفونية أجراها موقعنا مع الباحث الألماني في الدراسات الإسلامية في جامعة برلين الحرة شتيفان روسيني أشار فيها إلى أن "حماس قوة شعبية تمثل جزء لا يتجزأ من المجتمع الفلسطيني، لذلك فإن مشاركتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفي صناعة القرار الفلسطيني تعد تعبيراً عن إرادة شعبية وترجمة لها على أرض الواقع". وفيما يتعلق بالمخاوف الإسرائيلية والدولية من إمكانية فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقرر إجرائها في 25 كانون الثاني/ يناير القادم، نوه روسيني، الباحث المختص في تحليل النهج السياسي للحركات الإسلامية، إلى "ضرورة التفريق بين فرضية هيمنة حماس على العمل السياسي الفلسطيني غير المتوقعة في الوقت الراهن، وبين مساهمتها في إرساء بنية مؤسساتية فلسطينية قائمة على قواعد ديمقراطية". وفي السياق ذاته عبر شتيفان روسيني عن قناعته بأن "مشاركة حماس السياسية يمكن أن تساهم في دفع عملية التحول الديمقراطي في المجتمع الفلسطيني بشكل ثانوي غير مباشر إلى الأمام، لأن ترسيخ قوتها يعني كسر احتكار حركة فتح للقرار السياسي الفلسطيني واستفرادها بالسلطة. كما أن هذا التطور سيجبر حركة فتح على تبني الشفافية والديمقراطية في إطار آليات عملها".
ولادة حماس من رحم السياسة الإسرائيلية
وفي معرض تقييمه لتهديد الكونغرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي بقطع المساعدات الاقتصادية عن السلطة الفلسطينية في حال مشاركة حماس وفوزها في الانتخابات المقبلة، شدد روسيني إلى أن هذا التهديد "غير مجد وله طابع ودوافع أيدولوجية لا تمت للسياسة الواقعية بصلة. كما أضاف في الإطار نفسه قائلاً: "ينبغي على الإتحاد الأوروبي أن يتبنى نهجاً عملياً في التعامل مع حركة حماس، بدلاً من محاولاته التشنيع بها أيدولوجيا. فعلى سبيل المثال ينبغي ربط دمج حماس والتعاون السياسي معها بشروط واضحة مثل تخليها الذي لا لبس فيه عن العنف، وإعترافها بحق إسرائيل في الوجود". وفي ختام تقييمه للدور المستقبلي لحماس ذكر الباحث الألماني روسيني بأن "حماس ولدت من رحم السياسية الإسرائيلية في منتصف الثمانينيات بهدف إرساء قوة سياسية بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي لم تعترف بها إسرائيل كشريك سياسية آنذاك".
سمر كرم / لؤي المدهون