دفن المسلمين في ألمانيا
٢١ أكتوبر ٢٠١٤استقل أحمد الغنيمات وابن أخيه جلال الطائرة على وجه السرعة من عمّان إلى برلين. وكان الألم ولوعة الفراق تعتصر قلبيهما. كيف لا وهما قادمان خصيصا لتشييع الأخ والعم تيسير إلى مثواه الأخير. كان قدر تيسير أن توافيه المنية ويدفن في ألمانيا، الأرض التي وطأت قدماه لأول مرة عام 1972. لدى وصولهما كانت هناك مفأجاة بانتظارهما: سيكون فقيدهم أول متوفى في برلين يدفن بالكامل حسب الشريعة الإسلامية: بلا تابوت وبالكفن فقط. "خفف ذلك من شعورنا بالأسى والحزن على فقدان المرحوم في بلاد الغربة، لما له من تأثير على العائلة هنا في الأردن من الناحية الدينية"، يقول جلال غنيمات، ابن أخ المُتوفَى.
ارتفاع وتيرة الدفن في ألمانيا
يعود أقدم قبر، لم يندثر، لمسلم في ألمانيا لعام 1689. حتى ذلك الحين وصولاً لمنتصف القرن المنصرم، كان عدد المسلمين ليس كبيراً. أما اليوم، فبلغ عددهم أربعة ملايين شخص، ما يعني ارتفاع أعداد الموتى الذين يدفنون في ألمانيا، خصوصا من أبناء الجيلين الثاني والثالث. ويقول علي إيشك، المدير أحد مكاتب دفن الموتى، "70 بالمائة من الوفيات تُنقل لبلدانها الأصلية، و30 بالمائة يتم دفنها هنا. وهذا يعود إلى أن الجيل الثاني والثالث لم تعد له هذه الصلة مع بلدانهم ومعظم عائلاتهم هنا، بعكس الجيل الأول".
بين الشريعة والقانون
سنت السلطات الاتحادية قانونا عاما للدفن، ملزما لجميع الولايات. بيد أن لكل ولاية قانون خاص بها، مما يستتبع الاختلاف في بعض التفاصيل والجزئيات من ولاية لأخرى. بعض الولايات ما تزال تحظر الدفن بالكفن، معللة ذلك بالحفاظ على البيئة والخوف من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية الناتجة عن تحلل جثة المتوفى. غير أن أكثر من نصف الولايات تسمح الآن بالدفن بالكفن، وقد انضمت برلين إلى هذه القائمة مؤخرا، حيث جرى دفن المتوفى تيسير غنيمات في الساعة العاشرة من يوم الجمعة، الموافق للعاشر من الشهر العاشر لعام 2014. ويقول محمد علي عنتبلي، مغسل الموتى إن "الجمعيات الإسلامية ومكاتب دفن الموتى بذلت جهودا كبيرة للوصول إلى يوم الدفن بالكفن"، غير أن علي إيشك يعقب قائلاً: "لا ترغب بعض مكاتب الدفن الإسلامية بذلك، لأن القسم الأكبر من الأرباح يأتي من فرق سعر التابوت".
إلى جانب الدفن بالكفن، تبقى مسالة إنشاء مقابر خاصة بالمسلمين موضع مطالبات من الكثير من الجمعيات والجهات الإسلامية. ويكاد يجمع معظم من استطلعنا أرائهم أن الوصول لهذا الأمر يتطلب توحيد صف الجمعيات والمراكز الإسلامية بإنشاء إتحاد لهذه الجمعيات للتحدث بصوت واحد مع السلطات الرسمية والاتفاق على القوانين وآليات عمل المقبرة. ويعود إيشك مدير شركة الموتى للكلام وبثقة تامة: "إنها مسالة وقت وسنحصل على مقابر خاصة بنا". وهناك مسألة أخرى يسعى لها المسلمون هنا وهي السماح بشراء قبور دائمة-كما كان عليه الأمر في السابق- وعدم الاكتفاء باستئجار القبور لمدة عشرين سنة قابلة للتجديد.
تكلفة مادية مرتفعة وفوارق بين الأغنياء والفقراء
تبدأ تكلفة الدفن من 2500 يورو فصاعداً. وهذا المبلغ يغطي كل شيء من الألف إلى الياء: النقل، الغسيل، الكفن، التابوت، ثمن القبر (865 يورو)، إنهاء المعاملات والأوراق الرسمية، الضرائب(300 يورو). "يرغب البعض بنوع خاص غالي الثمن من الأكفان وكذلك فيما يخص السدر والكافور والطيب. يكلف تابوت الفقراء 500 يورو وتابوت الأغنياء قد يصل حتى 5000 يورو أو أكثر. هذا ناهيك عن شواهد القبور من الرخام والغرانيت، والتي يبدأ سعرها عند 1500 يورو فصاعداً"، يقول عنتبلي مغسل الموتى. وفي حال كان المتوفى عاطلا عن العمل ويعيش على المساعدات الاجتماعية، تدفع الدولة ثمن القبر و750 يورو للمكتب. "بالكاد يغطي هذا المبلغ التكاليف؛ ولذلك تحجم بعض مكاتب الدفن عن القيام بالدفن إلا إذا تلقوا مبلغ ألف يورو إضافي من عائلة المتوفى"، يقول إيشك.
التأمين بين الضرورة والحرمة
للخروج من الحرج والعوز المادي، شرعت بعض الجمعيات والمراكز الإسلامية التركية بإنشاء صناديق تأمين للتكفل بالدفن، ويقول إيشك معقباً: "غير أنه لا يسمح أحيانا لغير الأتراك بالتأمين فيها". ويبدأ التأمين من سن الأربعين بمبلغ شهري حوالي 8 يورو. أما إذا أٌبرم العقد بسن السبعين فقد يصل المبلغ إلى 25 يورو شهرياً. وفي جميع الأحوال تقدر تكلفة الدفن بما يقارب 3000 يورو. وفي حال كلّف أقل من هذا المبلغ تعود بقية المبلغ للعائلة"، يضيف إيشك. وتدفع الدولة قسط التأمين الشهري للعاطلين عن العمل. ولا تلقى مسألة التأمين قبولا كبيرا لدى العرب خصوصا، فالبعض حرّمها حرمة باتة، والبعض الآخر حللها على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات. وإذا لم يتم دفع تكاليف الدفن، فقد تحرق جثة الميت المسلم. غير أن عنتبلي يرى أنه إذا توفي مسلم في بلد ولم يدفن حسب الشريعة، يأثم كل المسلمين في هذا البلد. فمن الأولى التأمين"، حسب رأيه.