داعش – هل تقرع أبواب بغداد؟
١٢ يونيو ٢٠١٤ما جرى في سوريا، زحف إلى العراق الذي طالما تخوفت حكومته ونخبه من امتداد الخطر. وها هو الخطر يقترب من عاصمته. فعناصر التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة، وأبرزها داعش، دخلوا وانتشروا في مناطق الاعتصام في الرمادي، وقررت الحكومة أن تضربهم، لكنها فعلت ذلك متزامنا مع فض الاعتصام بالقوة، ومع اعتقال النائب السني أحمد العلواني، الأمر الذي ساهم إلى حد بعيد في تأزيم الوضع بين سكان المنطقة وبين الحكومة.
هذا التداخل الزمكاني أوقد نارا في أزمة سياسية خانقة متأصلة بشكل مستمر بين النخب السياسية في العراق، انتقلت منهم إلى الشارع بقوة. من هذا المنفذ دخلت داعش فبدت في مواقفها قريبة لسنة العراق، وأقرب منها إليهم من شيعة بلدهم، وتباعدت المسافة بين المكونات إلى حد ينذر بخطر وشيك. التهديد في العراق يبدو أكثر خطورة منه في سوريا، لأن وضع الدولة العراقية مازال هشا منذ التغيير في عام 2003.
"داعش تبقى في جوهر تكوينها ميليشيا"
الخبراء يرون أن تنظيم داعش ليس مجرد عصابة إرهابية، بل هو يقترب كثيرا من هيكلية جيش أو ميليشيا منظمة، وهو امتداد لتنظيم التوحيد والجهاد في العراق الذي تزعمه أبو مصعب الزرقاوي، وهذا ما قاله الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب جاسم محمد في حديثه مع DWعربية.
نوع التسليح الذي يتمتع به تنظيم داعش الإرهابي ونوع السيارات التي يستخدمونها وعددها الوفير يعيد إلى الذاكرة عمليات الفرار من سجني أبي غريب والتاجي قبل بضعة أشهر والتي ساهم فيها نحو ألف من عناصر التنظيم تدعمهم أكثر من 300 سيارة.
ويتساءل كثير من المتابعين: ما هو تنظيم داعش؟ ومن يقف وراءه؟ وكيف وصل بهذه السرعة إلى أبواب بغداد؟ وكيف سيطر عناصره على الفلوجة دون قتال؟
الباحث والكاتب والأكاديمي د. تيسير عبد الجبار الألوسي شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DWعربية مشيرا إلى أن تركيب القوى المتشددة هي في النهاية ميليشيات، ولا يمكن أن تصل إلى مستوى أعلى من هذا، وهي لا تستطيع أن تغادر صفة الميلشيا لأنها تصطدم بجيوش نظامية تسحقها، وهذا ما حدث في أفغانستان. داعش تبقى في تكوينها ميليشيا، وإن بدت في لحظة معينة وكأنها تخوض قتالا متكافئا بين فريقين، الجيش العراقي على سبيل المثال و تلك القوة". وأشار الآلوسي إلى أن قوة داعش تكمن في قسوتها المفرطة في إرهاب المدنيين والسطو على أموالهم وقتلهم "بأساليب المافيا الدموية".
"أخطاء إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما، تفاقم تهديد الإرهاب"
الصحف الألمانية ركزت هذا الأسبوع على الوضع في العراق، وخاصة على ما يجري من صحوة القاعدة وتقدمها السريع إلى أبواب بغداد. وذهبت اغلب هذه الصحف إلى أنه وبسبب أخطاء إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تفاقم تهديد الإرهاب، وبات يسيطر على مناطق مهمة في سوريا، ووصل سريعا إلى أبواب بغداد. لكن صحفا أخرى ركزت على أداء رئيس الحكومة نوري المالكي ورأت فيه سببا مباشرا لارتماء أهل الأنبار في أحضان التنظيمات الإرهابية.
الباحث والكاتب تيسير الآلوسي، أيّد ما ذهبت إليه الصحف الألمانية مشيرا إلى أن الخطأ في إدارة أوباما جاء من سحب القوات الأمريكية من العراق، "بناء على الافتراض الخاطئ بأن الجيش العراقي جاهز ومهيأ لمحاربة الإرهاب ودحره، وبناء على الافتراض الخاطئ الآخر بان القيادة السياسة والسلطة التنفيذية قادرة على إدارة دولة مركبة كما هو الوضع في العراق".
"لا يمكن الحديث عن حروب بالنيابة بصفاء نظري مطلق"
ويلاحظ المتابع لتصورات النخب الأوروبية أن أوروبا تنظر إلى ما يجري في العراق وسوريا ولبنان بأنه حرب بالنيابة بين السعودية وإيران، وهو أمر لا يتفق معه كثيرون، والى ذلك ذهب د الآلوسي، مبينا أنه "لا يمكن الحديث عن حروب بالنيابة بصفاء نظري مطلق؛ إذ لا بد من وجود أرضية مهيأة لتقبل التأثيرات الخارجية".
وأكد الآلوسي أن الصراع في سوريا والذي انتقل منها إلى العراق لديه جسور خارجية كثيرة مع إيران والسعودية، وعاد واستدرك بالقول: "لكن من العبث والخطيئة الكبيرة أن يصور الصراع في سوريا والعراق على اعتباره صراعا طائفيا"، مشيرا إلى أن مكونات هذه المجتمعات عاشت منسجمة بسلام مع بعضها قرون طويلة، لكنه لفت الأنظار إلى "أن ما يجري هو طائفي سياسي بامتياز، وليس كما يرسم ويشار إلى أنه صراع بين الدولة الشيعية إيران، وبين الدولة السنية السعودية، ففي إيران تعددية معروفة تتعايش فيها الشعوب الإيرانية ولها تطلعات، وكذلك الأمر في السعودية، لكن الصراع الجاري لن يكون بمعزل عن مثل هذه التأثيرات".
"داعش رغم قوتها لا تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة"
الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب جاسم محمد ذهب إلى أن "داعش هي الأقرب بين التنظيمات المتشددة إلى هيكل تنظيم طالبان، وهي تثمل مرحلة جديدة من التنظيم، إذ توجد كلية عسكرية تخرج ضباطا للخدمة في قوات داعش"، وهذا يطرح أسئلة عن الجهات التي تقف خلف داعش.
من جانبه تحدث عدنان أبو عامر، الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية في عدة جامعات فلسطينية، إلى DWعربية، مشيرا إلى أن داعش نجحت في ضم فصائل مؤثرة وقوية، ولكنها وبرغم قوتها لا تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة".
من جانبه، أشار الآلوسي، إلى جملة عوامل ساعدت في سرعة وصول تنظيم داعش إلى الفلوجة، مبينا كخلاصة "وجود تعاون من بعض سكان الفلوجة، سهل لتلك القوات ومهد لها، وقبل بدخولها إلى المدينة".
"داعش من إنتاج نظام بشار الأسد"
أما د. ناصر زيدان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، فقد اعتبر أن داعش هي إنتاج نظام بشار الأسد لضرب فصائل المعارضة غير الإسلامية، وهو رأي تتفق معه فصائل معارضة سورية كثيرة. وقد اتفق الآلوسي مع هذا الرأي مذكرا بأن القيادة العراقية في بغداد طالما هاجمت بشار الأسد، مضيفا "إن عملية عسكرة المعركة بين النظام السوري بدأها النظام وليس من الحراك الشعبي السلمي".
الخبير في شؤون الجماعات المتشددة جاسم محمد، وصل إلى نفس النتيجة بتحليل مواقف داعش، مشيرا إلى أن "الهدف الحقيقي الذي تتوخاه داعش، هو ليس مقاتلة وإسقاط نظام بشار الأسد، بل إقامة دولة خلافة إسلامية من شمال شرق سوريا إلى عمق غرب العراق".
هل خرجت داعش من الفلوجة أم كانت متوارية فيها؟
التسريبات الأمنية والخبرية تشير إلى أن تنظيم القاعدة بفرعه العراقي السوري ( داعش) ما زال كامنا في الفلوجة، رغم إعلان بعض وجهاء المدينة بأنه قد غادرها. ونقل عن الشيخ أحمد الجميلي، وهو زعيم قبلي في الفلوجة، قوله لـموقع "نقاش" الالكتروني إن "المسلحين الذين دخلوا المدينة لم يتجاوز عددهم العشرات ويمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة وليس باستطاعتهم إخضاع مدينة مثل الفلوجة يمتلك جميع سكانها الأسلحة في المنازل".
وخلص المقال إلى أن "الاتفاق بين عشائر المدينة وداعش يُشيع تصورا مفاده أن السكان طردوا داعش تلبية لمناشدة المالكي للأهالي بطرد داعش وإلا تعرضوا لعلمية عسكرية".
من جانبه أكد علي الموسوي، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي، في تصريح حصري لـDWعربية أن "مسلحي داعش ما زالوا في الفلوجة، رغم انتشار الشرطة المحلية وأن الحكومة تحتاج إلى يومين فقط لإنهاء المعركة مع داعش".
واستبعد ضيف مجلة العراق اليوم د. تيسير عبد الجبار الآلوسي أن تزحف قوات داعش من الفلوجة إلى بغداد "ما لم تتعمد إدارة نوري المالكي سحب القوات العراقية من العاصمة" مستدركا بالإشارة إلى أن هذا الاحتمال بعيد وغير متوقع.