العراق: القاعدة تُضرب في الصحراء والرهان على الجيش
٢٧ ديسمبر ٢٠١٣تستمر عمليات الجيش العراقي ضد تنظيم القاعدة في صحراء الرمادي، والتي انطلقت بعد مقتل قائد الفرقة السابعة اللواء محمد الكُروي ومجموعة من الضباط الكبار في فرقته. وحملت تسمية "ثأر القائد محمد"، مثلما أطلق عليها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من كربلاء. الفرقتان الأولى والسابعة تشاركان في العمليات مع غطاء جوي توفره مروحيات مي 35 الجديدة، التي اشتراها العراق حديثا من روسيا.
وبينما تتحرك قوات برية في الصحراء الغربية للعراق، تهاجم القاعدة أهدافا مدنية داخل المدن. فقد قتل 34 شخصا على الأقل في تفجيرات بمناطق مسيحية في بغداد يوم الأربعاء الماضي (25 ديسمبر/ كانون الأول)، من بينها تفجير سيارة ملغومة قرب كنيسة عندما كلن الناس يخرجون من قداس عيد الميلاد. خبير شؤون الأمن والاستخبار جاسم محمد يشرح السبب لميكروفون برنامج العراق اليوم بالقول "تحاول التنظيمات الجهادية التخفيف من الضغط المسلط عليها خلال العمليات العسكرية في الصحراء، من خلال شن هجمات داخل المدن. وكان من المفترض على المؤسسات الأمنية السيطرة على الأمن داخل المدن في الوقت الذي تجري فيه عمليات خارجها".
"تنظيم انتهازي"
فرقتان عسكريتان بريتان وطائرات مروحية مقاتلة وطائرات إسناد تابعة لقوات الداخلية أيضا، ولا بيان رسمي محدد عن عدد قتلى القاعدة. وإذا ما بحث المرء عن معلومات في موقع وزارة الدفاع العراقية الالكتروني، فسيجده خارج الخدمة.
من جهة أخرى، يصف جاسم محمد أسلوب القاعدة بالانتهازي ويقول "القاعدة تعتمد مبدأ الكر والفر في مواجهة القوات العراقية. والمواجهات كما لاحظنا كانت محدودة، تماما كالخسائر. فالتنظيمات الجهادية هي تنظيمات انتهازية". لكنه في الوقت ذاته، انتقد "الفشل" الإستخباري للوزارات الأمنية العراقية، الذي تسبب حسب رأيه، في مقتل قائد الفرقة السابعة اللواء محمد الكُروي، مع مجموعة من أمراء الألوية وضباط الفرقة الكبار، أثناء مداهمتهم وكراً تابعاً لتنظيم القاعدة في منطقة الحسينيات ضمن وادي حوران في الأنبار. ويوضح جاسم محمد "أن تقدم المؤسسة العسكرية العراقية سبعة من قادتها ضحايا بهذه البساطة يعبر عن قصور في جهد لا يرتقي إلى مواجهة تنظيم القاعدة التي تعتمد على شراسة استخبارية أكثر من الشراسة العسكرية".
الرأي ذاته، أيده اللواء غازي خضر إلياس عزيزة، الخبير العسكري العراقي الذي ُحمل ما أسماه "الضعف" الإستخباراتي مسؤولية ما جرى ويجري من استهداف للمدنيين العسكريين في العراق، مضيفا أنه "من غير الصائب وضع الجهد الاستخباراتي بيد الإخوة الأكراد فقط، باعتبار أن مدير استخبارات الداخلية كردي، ومدير استخبارات الدفاع كردي، شأنهم في ذلك شأن عدد كبير من ضباط الاستخبارات الذين زجوا في العمل الأمني، مع إقصاء ضباط الأمن السابقين"؛ مشيرا "صحيح أن الجميع عمل مع النظام السابق، لكن لا يمكن الاستغناء عن كل الكفاءات والخبرات للضباط، وهناك مستقلين منهم".
وينتقد اللواء عزيزة أسلوب العملية التي أدت إلى مقتل القائد محمد الكُروي، مؤكدا على ضرورة "إتباع أسلوب الأرض المحروقة" خلال العملية، لأن الهدف "مكشوف وموجود في الصحراء، وما كان يجب تقديم قائد فرقة وضباطه إلى هدف قبل قصفه"؛ معتبرا أن ذلك يندرج ضمن قائمة أخطاء القادة الجدد في وزارة الدفاع.
خبرة، ونقص في الخبرة
في المقابل، احتفلت منتديات إلكترونية للتنظيمات الجهادية بعملية اغتيال اللواء الكُروي، في ما ذكرت مصادر أمنية عراقية أنه جرى تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال بعناية. فكيف يمكن للقاعدة معرفة نية القائد بالهجوم على منزل مهجور في منطقة الحسينيات؟ اللواء غازي يجيب "الإرهابيون يمتلكون خبرات أفضل من قادة الوزارة، والسبب في ذلك يعود لأنهم يستفيدون من خبرات البعض القليل من القادة المهشمين والذين أبعدوا عن الخدمة في الجيش العراقي الجديد وقطعت أرزاقهم فاستغلتهم القاعدة".
أما هؤلاء الذين يمتهنون مهنة العسكرية أو كانوا يعملون بمناصب أمنية، فكان من الأجدى "الاستفادة من خبراتهم الأمنية والعسكرية في السنوات العشر الأخيرة"، مع العلم أن "المجال الاستخبارتي بحاجة إلى وقت للحصول على الكفاءة والتفريط بكل هذه الكفاءات خطأ، يدفع العراق نتيجته"، يقول غازي الذي امتعض أيضا من "النقص في المعلومات لدى الجهات الأمنية والعسكرية العراقية عن عدوها الذي تقاتله منذ عشرة أعوام، رغم أن قاعدة البيانات من أبجديات العمل الإستخباري التي بدونها لا يمكن العمل". ويردف متسائلا "من هو أبو بكر البغدادي، هل هناك صورة لهذا الشخص. ما هي دائرة علاقاته؟".
#bbig#
صحراء شاسعة
"لا يمكن السيطرة على الصحراء الشاسعة غرب العراق" يقول اللواء غازي ويضرب مثلا بالقول، إنه رغم الإمكانيات الجيدة التي كان يتمتع بها الجيش العراقي وقوات حرس الحدود قبل عام 2003، لكنها لم تتمكن من السيطرة على الحدود وعلى الصحراء، خاصة وأن كثيرا من سكان الأنبار كان يعمل في التهريب في ذلك الوقت. ويضرب مثلا بشخص كان يدعى لورنس، كان عاصيا على الجيش العراقي وقوات الحدود قبل عام 2003، ونظرا لطبيعة المنطقة الوعرة، لم يكن الجيش ينجح في السيطرة عليها إلا نهارا.
ولا تحتاج دولة اليوم لوضع جندي في كل مائة متر لمراقبة حدودها ومناطقها النائية، بل إلى تكنولوجيا حديثة. وفي عام 2009، كانت هناك رغبة في تعزيز قدرات الدولة للسيطرة على الحدود، وذلك عبر مشروع بين شركة سويسرية وخمس وزارات، هي الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات والاتصالات، لشراء أجهزة توجه بالأقمار الاصطناعية وطائرات من دون طيار وغيرها. بيد أن المشروع فشل، كما أفاد اللواء غازي، الذي كان يعمل مستشارا للشركة السويسرية موضحا "جاء الوزراء إلى الأردن واشترطوا التوقيع على العقد في لندن، ثم ذهبوا إلى فرنسا للتوقيع على العقد الأولي ولكل وزير عدد من المرافقين. تسعون شخصا وصلوا إلى فرنسا، ودفعت الشركة مصاريف إقامتهم. وبعد ذلك فُرضت شروط وطُلبت رِشا من الشركة وانتهى المشروع".
مالها وما عليها
عملية ملاحقة القاعدة في صحراء الانبار لم تنته بعد. فهل يكفي الجهد العسكري إذا للقضاء على القاعدة في العراق؟ خبير شؤون الأمن والاستخبار جاسم محمد يشير إلى أن "القضاء على القاعدة لا يتم عن طريق الجهد العسكري فقط، وإنما يتطلب تنسيقا دوليا ومشاريع ضد البطالة، بالإضافة إلى مشاريع التنمية الاجتماعية وخلق فرص العمل". أما اللواء غازي عزيزة فيؤكد على أن ظهور الإرهاب بهذه القوة في العراق يعود إلى "إقصاء الضباط من ذوي الكفاءة من الخدمة بالجيش من طرف بريمر، وثانيا منح المناصب العسكرية المهمة في وزارة الدفاع لأعضاء من الأحزاب التي شاركت في العملية السياسية".