خريجات جامعات مغربية تتقاذفهن معاناة البطالة وضغوط التقاليد
٣٠ يونيو ٢٠١٣كان حلمها أن تصير مهندسة تقود بنفسها سيارتها إلى مكتبها لتسير الاجتماعات وتشرف على مشاريع كبرى، فلم تجد أمامها إلا الزواج بعد انعدام فرص الشغل في ميدان تخصصها بسبب الأزمة الاقتصادية التي طالت المغرب. تُدعى سناء وتتكفل الآن بأشغال المنزل. تبدد حلم امرأة عصرية في مرايا مستقبلها. ووجدت نفسها تسير على خطى جدتها التي أحكم المجتمع سجنها في وعاء المرأة التقليدية التي يجب أن ترضخ لأوامر وقرارات وفكر الرجل وأن تبقى كل تفاصيل حياتها خاضعة لهواه، كما تقول الفتاة.
رجاء مجازة عاطلة منذ سنوات عن العمل، تخرجت في سنة 2003 تخصص قانون ومنذ ذلك الوقت وهي تعيش تحت وطأة "شبح" إلتهم حاضرها وهدد مستقبلها، تتكلم بعبارات متقطعة و زفرات تخنقها الدموع لصعوبة تحمل الأمر وزميلات لها يحاولن جاهدات حبس الدموع المنهمرة بعد أن دفعن ثمن التسلح بالثقافة والتعلم "أجتاز المباريات(الانتدابات في العمل) و أكون متأكدة من كون إجاباتي جيدة و دائما بدون نتيجة".
رجاء وزميلاتها منى وحنان انتهى بهن المطاف في غرفة ضيقة في أحد الأحياء الهامشية بسلا دون معين و همهن البقاء قريبات من العاصمة الرباط لمواصلة "النضال من أجل عمل يخرجهن من البؤس المتواصل". الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال ومكان التجمع الدائم الساحة القريبة من مقر البرلمان، هنا تهتف رجاء، منى، حنان وأخريات بشعارات تعودن على ترديدها سنوات خلت، ورغم برودة الطقس، فهن مصرات، كما يؤكدن، على مواصلة الاحتجاج حتى تحقيق مطالبهن.
تتساءل أمل، عاطلة عن العمل وحاصلة على الدكتوراه في العلوم السياسية، " لماذا تم قبولنا (في الجامعة)مادامت تخصصاتنا بدون آفاق". تصمت للحظة وأصوات أخريات ما تزال تصدح بشارع محمد الخامس بالرباط الشاهد على مسيرات يصعب تعدادها. سكوتها دام هنيهة، شربت جرعات من الماء وواصلت في ترديدها" أين هي النزاهة ".
وتضيف الدكتورة العاطلة التي اشتعل رأسها شيبا ووهن جسدها من رحلات الكروالفرمع الشرطة: " نعم بعض الميسورات وجدن عملا لكن بـ" الواسطة" ونحن " جيش " الفتيات ننتظر في قاعة الانتظار الاجباري....
في نفس السياق أوضحت مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق العمل خلال سنة 2012 أن معدل البطالة في صفوف الشباب ارتفع ب 0٫7 نقطة للبالغين من العمرما بين 15 و24 سنة و بـ 0,3 نقطة للبالغين من العمر ما بين 25 و34 سنة.
متفوقات على مقعد البطالة
لم تكن أبدا تدري أن مآلها الدراسي سينتهي بها في حصص عند دكتورة نفسية للعلاج من اكتئاب حاد أصابها بعد أن رأت حصولها على المرتبة الأولى في المدرسة المحمدية للمهندسين سيتمخض عنه البطالة، لتنزوي لبنى ذات 24 سنة، في حالة انطواء، أصابها بالإحباط والتوتر النفسي .
رضوان أسطو مستشار المكتب الوطني للنقابة الوطنية للمهندسين المغاربة، مهندس الدولة يرى أن "البطالة في صفوف خريجي مدارس المهندسين هي ظاهرة ليست بالحديثة فهم قلائل من يحضون بفرص تمرين مع وعد بالتشغيل. إلا أن الخطير هو ما نشهده حاليا، حيث أصبحت تمتد مدة العطالة إلى ما يناهز السنتين في بعض الحالات٠الخلل ليس في طالب الوظيفة بل في المناخ العام" وأضاف انه منذ إطلاق مبادرة 10000 مهندس و مماثيله نددت النقابة الوطنية للمهندسين بهذه المبادرة الكمية التي لم تكن نتيجة دراسة علمية تضمن جودة التكوين.
والحل الجذري، برأيه، هو توقف وزارة التعليم العالي و الحكومة عن التسيير البيروقراطي لملف المهندسين ولا أدعوهما لإشراك ممثلي المهندسين في أخذ القرار بل إلى التحلي بالشجاعة الكافية لإخراج هيئة المهندسين إلى الوجود".
انعكاسات نفسية للبطالة أخطر من الاقتصادية
يقول د. رشيد الجرموني الباحث في علم الاجتماع إن من بين التداعيات التي تتعرض لها شريحة الفتيات ، نجد الإحباط النفسي، حيث أن هذه الفئة تشكلت لها رؤية مغايرة بعد سنوات التخرج لكنها بمجرد حصول هذه الأزمة يقع لها انهيار يحطم أحلامها ، فيفقدن تقدير الذات ويشعرن بالفشل ويزداد القلق والكآبة كما أن معاناة الخريجات تزداد بسبب الضيق المالي الناتج عن البطالة، ولهذا "فنحن نعتبر أنه إذا كانت للبطالة انعكاسات تنموية واقتصادية وسياسية فإن انعكاساتها النفسية أعمق وأشد".
أما حكاية ص. الأنصاري خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال فتختلف شيئا ما، تقول: "درست أربع سنوات بتفوق لأحصل على دبلوم صحافية سيمكنني من الحصول على عمل، لا أنكر أنني وجدته في البداية في تلفزة الكترونية لكن للأسف سأتركه لأن طموحاتي لم تتماشى مع خطها التحريري والتعويض كان هزيلا".
عدم فقدان الأمل
بين من رضخ للأمر الواقع وفضل إتمام الدراسات الجامعية وبين من لم يتحمل الصدمة فكانت النتيجة مأساوية جدا، هناك أخريات لا تقل معاناتهن خاصة إذا اجتمع الضغط الأسري في تزويج العاطلة عن العمل، "حتى لا تصبح عالة". وعندما تتسل ظواهر الزبونية ضدا على قيم تكافؤ الفرص تصبح حياة تاء التأنيث تحت عنوان: سواد في سواد، كما يقول لسان حال الشابات المغربيات اللائي التقيناهم.
هدى مجازة في الاقتصاد ترى أن حلحلة أزمة تشغيل خريجي الجامعات، تستوجب تعديلات على مستوى المنظومة القانونية بين صاحب العمل والعامل، حتى لا يحدث طرد تعسفي خاصة في القطاع الخاص الذي لا يحترم فيه في الكثير من الأحيان قانون الشغل.
أما نادية العاطلة التي قضت 25 سنة بعد تخرجها تحت عتبة البطالة والفقر فتشدد وبصوت متهدج " لقد بلغ السيل الزبى "، على الأقل على الدولة توفير رخص النقل بالمجان للعاطلين عن العمل. بجانب نادية تجلس على الرصيف أختها التوأم غفران التي تجرعت من نفس كأس أختها مرارة البطالة وتشير لضرورة إنجاز صندوق البطالة الذي يمكن تمويله من الاستثمارات على أمل ضخ روح وأمل في خريجات سرق منهن حلمهن في التشغيل.
تتريث غفران قليلا وتضيف"ولكننا متشبثات بحقنا في القطاع العام، خصوصا أن بعض الأرقام تشير لوجود 90ألف من الموظفين الأشباح(موظفون مسجلون ويتقاضون أجورا ، دون تأدية أي عمل فعلي".