خرائط الإنترنت التفاعلية.. ثورة في الخدمات الصحية
٢٤ أكتوبر ٢٠١٣
كانت واندا فيلونر في السادسة من عمرها حين أصابتها حمى الملاريا. ورغم أنها ذهبت حينذاك إلى المستشفى في بلدها زامبيا لتلقي العلاج، إلا أن الأدوية المناسبة لم تكن متوفرة في هذا المرفق الصحي. لكنها الآن بعد مرور ثلاث سنوات من ذلك لم تعد مصابة بهذا المرض. ورغم ذلك يبقى من غير المتاح دائماً في العديد من البلدان الإفريقية مداواة أمراض معروفة وممكنة العلاج كالملاريا، فصيدليات المستشفيات تفتقر إلى الأدوية اللازمة.
خريطة معلومات رقمية تفاعلية
ولذلك بدأت منظمات غير حكومية عام 2009 بحملة لتقصي المناطق المفتقرة إلى الأدوية في إفريقيا واكتشفت خلال خمسة أيام فقط من البحث في كل من كينيا وملاوي وأوغندا وزامبيا ما لا يقل عن 250 منطقة تحتاج إلى الأدوية.
استقصى أعضاء هذه المنظمات غير الحكومية كميات الأدوية الموجودة في هذه البلدان وأرسلوا معلوماتهم عبر رسائل الجوال النصية القصيرة إلى القائمين على موقع الإنترنت (stopstockouts.org)، الذين جمعوا البيانات ورسموا خريطة على شبكة المعلومات العالمية تظهر كميات الأدوية المتوفرة والمناطق المفتقرة إليها.
"قبل القيام بهذه الحملة كانت الحكومات تنفي الافتقار إلى الأدوية"، كما قال دوادي وير، أحد المعنيين بهذا المجال، في قمة الصحة العالمية الخامسة التي أقيمت مؤخراً في برلين (من 20 إلى 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2013)، وجاء توظيف خرائط الإنترنت التفاعلية والفيسبوك في الخدمات الصحية على رأس قائمة نقاشاتها. دوادي يعمل لدى شركة "أوشاهيدي" غير الربحية في نيروبي التي تطور مواقع جمع المعلومات من الناس على الإنترنت.
ويقول دوادي وير: "لكننا تمكنا بعد ذلك من مواجهة الحكومات بحقائق الافتقار إلى الأدوية. وأعقب ذلك حوارات حول أسباب ذلك. فهل تكمن المشكلة في النقود؟ أم ثمة إشكالية في التوصيل والتوزيع؟ وأصبح المعنيون أكثر قدرة على الحديث بشكل ملموس مع الحكومات".
مواقع "تشهد" على معاناة الناس
خرائط الإنترنت المستقاة معلوماتها من سكان المناطق نفسها تقدم معلومات مهمة للأنظمة الصحية عن حجم الافتقار إلى الأدوية في البلدان الإفريقية، "إذ يتم التعرف من خلال أشخاص موجودين في هذه المناطق على الصيدليات التي تعاني من النقص. وحين تعرف الحكومة هذه المعلومات يكون توزيع الأدوية أكثر كفاءة". رسم هذا الخرائط في الدول الإفريقية قائم على موقع الإنترنت التفاعلي "أوشاهيدي" Ushahidi غير الربحي المخصص لجمع المعلومات. وأصل هذا الاسم من اللغة العربية ويأتي بمعنى "الشاهد".
لموقع الإنترنت "أوشاهيدي" سجل في أعمال الإنقاذ الإنسانية. فحين ضربت الزلازل هاييتي عام 2010 أرسل المتضررون والقائمون على الإغاثة في هاييتي أكثر من 40 ألف رسالة إلى هذا الموقع. وأثناء كارثة فوكوشيما عام 2011 تم جمع معلومات حول الضرر الإشعاعي في المنطقة على موقع (sinsai.info) التفاعلي، وكانت السفارات والسلطات في اليابان ممن اعتمد على معلومات هذا الموقع.
حملات صحية على الإنترنت
طريقة جمع المعلومات من الناس بشكل رقمي أثبتت جدارتها أيضاً في جنوب الصين حيث تم إنشاء موقع في الإنترنت معني بجمع معلومات عن المثليين المصابين بأمراض جنسية. فالمثليون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجنسية كالإيدز والزهري، ووسائل التواصل الرقمية بالإضافة إلى وسائل المعلومات والتواصل الاجتماعي الواسعة الانتشار مثل الفيسبوك وتويتر تمكنهم من الاستفسار وإعطاء معلومات عن أنفسهم بشكل ملائم ودون خجل وإخبار الجهات الصحية عن المكان والزمان اللذين يودون فيهما تلقي الفحص الطبي والرعاية الصحية.
كما تساهم وسائل جمع المعلومات على الإنترنت في نشر الوعي بحملات تطعيم الأطفال. ففي عام 2003 قامت خمس دول إفريقية بمقاطعة التطعيم ضد شلل الأطفال لأسباب دينية أو لتحفظات تقليدية، واستمرت مدة المقاطعة لسنة واحدة تمكن خلالها فيروس شلل الأطفال من إعادة الانتشار. ولا تزال الحاجة إلى نشر الوعي الصحي في هذا السياق قائمة حتى اليوم في بعض الدول الإفريقية.
ومن أنجح الوسائل الحملات الرقمية عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الكثيرون، فتوظيف المواقع الرقمية في مجال الصحة العامة كما يقول دوادي وير له أهميته، ويضيف: "وسائل التواصل الاجتماعي كالدواء، ينبغي تناول الجرعة المناسبة منه للشفاء وإلا فإنه سيتحول إلى سم قاتل".