حماس بين ايدولوجية الرفض واملاءات الواقع
٢٨ يونيو ٢٠٠٦لا يساور المحللون السياسيون والقانونيون الشك في أن قيام حركة حماس بالتوقيع على الوثيقة التي أصبحت تعرف بـ "وثيقة الأسرى" يعني اعترافها بحق إسرائيل في إقامة دولتها على الأراضي التي تم السيطرة عليها قبل حرب حزيران/يونيو 1976. ويعني التوقيع أيضا قبولا من قبل حماس بالقرارات الدولية المتعلقة بحل الصراع العربي الفلسطيني وخصوصا القرار 242 الذي كان يشكل أساسا لاتفاقيات اوسلو التي تم التوقيع عليها بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993. وتحاول حماس أن تتجنب في تصريحات مسئوليها الإشارة من قريب أو بعيد إلى كلمة "الاعتراف بإسرائيل"، بل تحاول أن تقدم إلى أنصارها في الأراضي الفلسطينية والخارج إلى أنها مستمرة في "مقاومة الاحتلال" دون الإشارة إلى مفهومها لكلمة "الاحتلال"، بمعنى إن كانت تعتبر وجود إسرائيل في المناطق التي تم السيطرة عليها عام 1948 احتلالا. وأي كانت التفسيرات والعبارات المستخدمة فان نظرة حركة حماس إلى الصراع مع الدولة العبرية تشهد، وبدون أدنى شك، تغيرا جذريا مشابها لذلك التغير الذي شهدته نظرة منظمة التحرير الفلسطينية في أوائل السبعينات من القرن الماضي عندما أقدمت على اعتماد حل الدولتين لشعبين.
وعي بمخاطر المرحلة أم ولع بالسلطة؟
لا غرابة في أن تتباين آراء الخبراء والمحللين بشأن الأسباب الحقيقية التي دعت حركة حماس إلى الإقدام على هذه الخطوة. المحلل الألماني راينر زوليش من دويتشه فيله يرى أن التغير يعبر عن توجهات براغماتيه في بعض أجنحة الحركة وتغلبها على الأجنحة المحافظة. وشدد زوليش على ضرورة أن تراعي إسرائيل وجود مثل هذه القوى البرغماتية في الحركة وان تضع ذلك في حسبانها أثناء الهجوم الذي تقوم فيه على قطاع غزة هذه الأيام. ويضيف زوليش أن على إسرائيل أن تقوم بتقوية الجناح الداعم لهذا القرار في الحركة. الا أن البعض الآخر من الخبراء يرى أن التغيير في حركة حماس انما يدل على ولع الحركة ورغبتها الشديدة بالاحتفاظ بالسلطة، لاسيما وان كل التوقعات كانت تشير إلى قبول الفلسطينيين للاستفتاء الذي كان الرئيس عباس يعتزم تنفيذه بشأن وثيقة الأسرى الواردة الذكر. وتجد حماس نفسها في مأزق كبير نتيجة الواقع الذي أملاه عليها تشكيلها الحكومة الفلسطينية وما الى ذلك من استحقاقات بعيدة عن عالم السياسة في كثير من الاحيان.
يشار الى أن أن كافة القوى الفلسطينية وافقت على "وثيقة الأسرى" باستثناء حركة الجهاد الإسلامي التي أعلنت على لسان القيادي خضر حبيب تمسكها بثوابتها الوطنية، وقال المتحدث: "لم ولن نوقع على وثيقة الأسرى مع تمسكنا بثوابتنا الوطنية وخيار المقاومة واستعادة كافة الحقوق." وتابع موضحا: "على الرغم من توافق حركة الجهاد الإسلامي على العديد من بنود وثيقة الأسرى للوفاق الوطني إلا إنه وانطلاقا من حرص الحركة على الثوابت الفلسطينية فهي تعلن عن تحفظها على بعض البنود ومنها رفض اختزال وطننا في حدود أراضي 1967 بما يعني الاعتراف بدولة إسرائيل."
ردود فعل غربية وإسرائيلية
من جهته أشاد الإتحاد الأوروبي بالاتفاق بين حماس وفتح بشأن وثيقة الاسرى، لكنه قال إنه مجرد بداية بينما قالت واشنطن إنها تريد مزيدا من التفاصيل عن الاتفاق. وطالب الطرفان حركة المقاومة الإسلامية بالاعتراف بإسرائيل بوضوح وبنبذ العنف. وقال ديفيد ماكوفسكي من معهد سياسات الشرق الأدنى في واشنطن إن اتفاق الفلسطينيين يهدف إلى دفع الأوروبيين إلى الخروج عن صف الولايات المتحدة الأمريكية وتخفيف الحصار عن الفلسطينيين. وأضاف إنه لا يعتقد "أن هذا سينجح." أما اسرائيل فقد وصفت الوثيقة بأنها شأن فلسطيني داخلي وقالت إنها لن تتعامل مع حماس قبل أن تنفذ الأخيرة الشروط المطلوبة منها. أما المتحدث باسم وزارة خارجية الإسرائيلية مارك ريجيف فقد قال:" للأسف أن هذه الوثيقة لا تحتوي الى على مزيد من التلاعب بالألفاظ." ومن جانب آخر شدد وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي على "اهتمام" فرنسا بوثيقة الوفاق الوطني. وأضاف: " لقد أخذنا علما باهتمام بتوقيع الوثيقة. وهناك تدابير عدة في النص تدل على إرادة موقعيها، لا سيما حماس نحو السير في طريق يؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل والدخول في عملية تفاوض." وأعلن الوزير الفرنسي عن أمله بأن تسهل وثيقة الوفاق استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
الوضع الميداني
ويأتي التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني في ظل هجمات إسرائيلية عنيفة على غزة. فقد بدأ الجيش الإسرائيلي ليلة أمس بشن هجوم بري على قطاع غزة في محاولة للإفراج عن الجندي الإسرائيلي الذي خطف الأحد خلال هجوم فلسطيني على موقع إسرائيلي على الحدود. وتأتي هذه الهجمات بعد انقضاء المهلة التي أعطتها إسرائيل للفلسطينيين من أجل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليت حتى أمس الثلاثاء. وقال مسئول أمني كبير لوكالة فرانس برس إن "مدرعات إسرائيلية قد اقتحمت مطار غزة وأطلقت النار على المبنى." وقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قد صرح قبل الهجوم إن إسرائيل تعد لعمل قوي واسع النطاق باستخدام كل الإمكانيات المتوفرة لديها." ومن جهتها صرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إنه "تم شن هذه العملية"، التي أطلق عليها اسم "مطر الصيف"، "لأن الجهود الدبلوماسية التي بذلت من أجل الإفراج عن جيلعاد لم تأت بنتيجة." ومن جانبها وصفت الحكومة الفلسطينية الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزه بأنه "حرب إبادة لا أخلاقية" ضد المدنيين الفلسطينيين. وقال ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الحكومة في ختام اجتماع طارئ في رام الله بالضفة الغربية: "هذه حرب لا أخلاقية تستهدف المدنيين، ليست حربا بين جيشين بل هجوم يشنه جيش ضد مدنيين عزل."
وفي حديث مع إذاعة الدويتشه فيله قال وزير الإعلام الفلسطيني يوسف رزقة إنه "يتوقع عمليات عسكرية إضافية وتدمير إسرائيل للبنية التحتية." وقال إن ما تقوم به إسرائيل حاليا لن يصل بنا إلى حل لهذه الأزمة. و"الطريقة المنطقية الوحيدة هي إجراء مفاوضات سياسية حول تبادل الأسرى، فلا علاقة للكهرباء وماء الشرب والجسور بالأسير الإسرائيلي." أما عن دور الإتحاد في هذه الأزمة فقد قال رزقة إنه " يرى صمتا مطلقا للضمير العالمي في هذا الشأن. لم تتحدث الأنباء عن موقف أوروبي يطلب من إسرائيل عدم استخدام القوة العسكرية في أكبر مجمع سكاني في العالم."
الفلسطينيون أفضل تسليحا من السابق
وفي السياق نفسه قال مسؤولون اسرائيليون ومحللون ان القوات الاسرائيلية تواجه نشطاء فلسطينيين مسلحين بشكل أفضل مما كانوا عليه حين انسحبت قوات الدولة اليهودية من أراضي القطاع العام الماضي. ويقدر مسؤولون بوزارة الدفاع الاسرائيلية بأن نشطاء هربوا الى القطاع مئات القذائف الصاروخية المضادة للدبابات التي تطلق من على الكتف وآلاف البنادق وأطنانا من المتفجرات القوية منذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة في سبتمبر ايلول عام 2005. وقال يوفال ستاينيتز النائب البرلماني الاسرائيلي اليميني وعضو لجنة يطلعها الجيش على التطورات بانتظام "هناك كم هائل من امداد وتهريب الاسلحة من مصر الى السلطة الفلسطينية في غزة." وصرح مسؤولون عسكريون اسرائيليون بانه في الوقت الذي حاولت فيه مصر وقف التهريب عبر حدودها مع غزة وصلت شحنات كثيرة من الأسلحة عبر شبكة من الأنفاق ومن خلال البحر. وقال المحلل الاسرائيلي ايهود ياري "بالتأكيد لديهم قدرات أفضل لضرب ناقلات الجند الاسرائيلية المدرعة"، لكنه أضاف أن الجيش لديه تكتيكات لتقليل حجم المخاطر. وقبيل الهجوم الإسرائيلي زرع نشطاء فلسطينيون قنابل في شتى أنحاء قطاع غزة لاستهداف القوات والعربات المدرعة اذا توغلت لعمق اكبر هناك. في هذا السياق نقل عن المدعو ابو قصي من كتائب شهداء الاقصى المرتبطة بحركة فتح انه ستكون هناك فرصة أمام المقاتلين ليظهروا للعدو أن حبهم للموت اكبر من حبهم للحياة. وأشار ناشط آخر ينتمي لنفس المجموعة الى أن المتفجرات أصبحت أشد فتكا وان المقاتلين مدربون بدرجة أفضل. وتابع أن التوغل في غزة لن يكون بالأمر اليسير.