حكومة حماس بين خياري التخلي عن الثوابت والاستعداد للرحيل
٢ يونيو ٢٠٠٦في ظل الحصار الدولي المطبق على الحكومة الفلسطينية الحالية وتزايد الضغوط الداخلية الناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي والانفلات الأمني، ناهيك عن مراهنات الفصائل الفلسطينية الأخرى على سقوط أو إسقاط هذه الحكومة، في ظل هذه الأوضاع يبدو أن الخيارات المتبقية أمام هذه الحكومة لم تعد تسمح لها بالمناورة كثيرا وستفرض عليها عاجلا أو أجلا إما القبول بالتعاطي مع الوضع الراهن بواقعية سياسية أو الاستعداد لعد أيامها الأخيرة. فوضع هذه الحكومة أخذ يقترب من مأزق حرج إن لم يكن فعلا قد وصل إلى هذا المأزق وحماس تجد نفسها شيئا فشيئا بين فكي كماشة: فهي من ناحية مقيًدة بما تعتبرها ثوابتا وطنية وعقائدية لا يمكنها التنازل عنها وعلى أساسها تم إنتخابها، ومن ناحية أخرى تجد نفسها، منذ أن تسلمت مقاليد الحكم تمارس فقط سياسة الهروب إلى الأمام في الوقت الذي لم تستطع فيه تقديم شيئ يذكر للشعب الفلسطيني.
ضغوط الرئاسة الفلسطينية
من جانب آخر، تضاعفت الضغوط الداخلية على حكومة حماس لاسيما من خلال عزم الرئاسة الفلسطينية على طرح ما عرف "بوثيقة الوفاق الوطني" التي تنص على الاعتراف الضمني بإسرائيل للاستفتاء الشعبي، وهو الأمر الذي تعارضه حماس معتبرة ذلك وسيلة ضغط عليها و"إلغاء للمؤسسة التشريعية،" حسب تعبير خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس. يذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان قد أعلن الخميس الماضي (25 مايو/ أيار) أنه سيطرح هذه الوثيقة للاستفتاء في حالة عدم التوصل إلى اتفاق بشأنها بين حركتي فتح وحماس. إلا أن الرئاسة الفلسطينية عادت وأكدت أنها عاقدة العزم على إجراء هذا الاستفتاء دون الحاجة لانتظار نتائج الحوار. في هذا السياق، كشف ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن أنه قد تم فعلا تشكيل لجان لإجراء الاستفتاء "والقانون الى جانبنا،" حسب تعبيره. وسيكون هذا الاستفتاء في حد ذاته استفتاء على حكومة حماس وبالتالي قفد يكون مقدمة لإجراء انتخابات مبكرة.
واستمرار الحصار اقتصادي
وفي الوقت الذي يأتي هذا الحل الرئاسي الفلسطيني محاولة لفك الحصار الدولي المضروب على الشعب الفلسطيني، فإن التوقعات تشير إلى أن ذلك لن يكون كافيا لرفع العقوبات وهو ما يعني بقاء الحصار الاقتصادي وتفاقم الأزمة المالية. في هذا السياق يقول مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالشرق الأوسط الفارو دي سوتو إنه حتى لو نجح الرئيس عباس في تمرير هذه الخطة فإن ذلك لن يمهد الطريق أمام رفع العقوبات وإن كان ذلك سوف يشكل خطوة على طريق الاستجابة للمطالب الدولية "شريطة أن تقبلها حكومة حماس وشريطة الاستجابة إلى شروط أخرى،" حسب تعبير المسئول الدولي. وتعاني المناطق الفلسطينية من وطأة الحصار الاقتصادي وتجميد المساعدات الدولية منذ وصول حكومة حماس إلى السلطة.
ورغم وجود بوادر لاتفاق دولي حول إنشاء صندوق خاص يسمح بمساعدة الفلسطينيين، إلا أن هذه الآلية سوف تتجاوز حكومة حماس وهو ما يعني بالتالي زيادة الضغوط عليها وليس تخفيفها. فهذه المساعدات لن تستخدم لدفع أجور موظفي الحكومة، حسب تصريح سكوت كاربنتر، نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للشرق الأوسط، الذي قال في هذا الصدد إن من غير المطروح أن ندفع راتبا لأي كان مقابل عمل يؤديه لحساب الحكومة،" حسب تعبير المسئول الأمريكي.
مبادرات عربية قد لا تضيف شيئا
على الصعيد العربي، يجري الحديث عن إحياء مبادرة بيروت التي كان قد أطلقها العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز حينما كان وليا للعهد عام 2002. لكن لا يبدو أن هذه المبادرة ستساعد على حل الأزمة. فهذه المبادرة التي خلقت ميتة ودفنها حينها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لم تعترف بها حركة حماس التي استبعدت مجددا على لسان وزير الخارجية محمود الزهار اعترافا سريعا بها. بل أن الزهار اعترف بأن حكومته ستناقشها ولكن"عملا برغبة القادة العرب." ورغم المرونة التي قد تبديها حركة حماس تجاه هذه المبادرة واشتراطها "رفع سقف المبادرة وضرورة اعتراف إسرائيل بها،" إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد مناورة من حماس لإرضاء القادة العرب من ناحية، ولعلمها من ناحية أخرى أن إسرائيل لن تقبل بها. وفي حالة افتراض اعتراف إسرائيل بهذه المبادرة، فإن حكومة حماس ترفض حتى الآن تحديد موقفها من المبادرة وتكتفي بالقول: "لكل حادث حديث،" حسب تعبير الناطق باسم حركة حماس، سامي أبو زهري.