حل مجلس القضاء بتونس.. آخر مسمار في نعش ديمقراطية محتضرة؟
٨ فبراير ٢٠٢٢لا بد أن إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء فاجأ بعض أعضائه البالغ عددهم 45 فرداً: "المجلس الأعلى للقضاء يمكنه من الآن فصاعداً أن يعتبر نفسه شيئاً من الماضي".
برر سعيّد خطوته بدعوى تفشي الفساد في القضاء والتباطؤ في البت في قضايا ترتبط بجرائم انتخابية تعود إلى انتخابات 2019، واغتيالات سياسية تعود إلى سنوات. كما اتهم سعيد المجلس بوجود اختراقات حزبيه داخله. كما اتهم الرئيس التونسي المجلس بأنه يخدم أطرافاً معينة بعيداً عن الصالح العام. وبالطبع رفض المجلس تلك الاتهامات.
وهذه أحدث أزمة مؤسساتية تشهدها تونس منذ إعلان الرئيس إقالة رئيس الحكومة وتجميد البرلمان ثم تعليقه العمل بالدستور وعرضه خارطة طريق سياسية تتضمن استشارة وطنية إلكترونياً واستفتاء شعبي وانتخابات برلمانية نهاية العام الجاري. وليس هناك توافق حول الخارطة السياسية التي عرضها سعيد.
قرار "غير شرعي"
علق يوهانس كادورا رئيس الفرع التونسي لمؤسسة فريدريش إيبرت، المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب المستشار أولاف شولتس، في تصريح لـ DW: "رغم كل شيء، هناك على الأرجح بعض الحقيقة في انتقادات سعيّد، حيث أن العديد من القضاة متهمون بالفعل بتأجيل البت بالقضايا أو التحيّز".
وفي تصريحات لرويترز، قال يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء اليوم الثلاثاء (الثامن من شباط/فبراير 2022) إن الأعضاء يرفضون محاولة سعيّد إغلاق المجلس وإنهم يناقشون عبر البريد الإلكتروني الخطوات المقبلة للتصدي لقراره.
وفي وقت سابق قال بوزاخر إن "المجلس سيستمر في القيام بمهامه، ولا توجد شرعية قانونية أو دستورية أو حتى واقعية لحل المجلس في هذا الوقت بالذات".
شجب محلي ودولي
قال قضاة وشرطة محلية الاثنين والثلاثاء إن الطرق القريبة من المجلس أغلقت وأغلقت بالمثل أبواب المجلس بأقفال حديدية ومنع الموظين من دخوله.
في غضون ذلك، انتقدت أصوات دولية ومحلية خطوة الرئيس.
وأصدرت جمعية القضاة التونسيين بياناً سلطت فيه الضوء على القرار معتبرة أنه "تراجع خطير وغير مسبوق عن المكاسب الدستورية". ودعت الجمعية اليوم الثلاثاء كافة المحاكم في البلاد إلى تعليق العمل غداً الأربعاء وبعد غد الخميس احتجاجاً على قرار الرئيس قيس سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء.
كما دعت الجمعية، في بيان صحفي اليوم، كافة القضاة ومنظمات المجتمع المدني إلى المشاركة في وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس يوم الخميس. واتهمت الجمعية الرئيس بضرب مبدأ الفصل بين السلطات والتدخل في السلطة القضائية.
ومن جانبه، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إن "القضاء المستقل عنصر حيوي لديموقراطية فعالة وشفافة. من الضروري أن تحافظ الحكومة التونسية على التزاماتها باحترام استقلال القضاء وفقاً للدستور".
وعبر المانحون الغربيون عن شجبهم. وقال سفراء دول مجموعة السبع الغنية لدى تونس في بيان إن "قيام قضاء مستقل ذي شفافية وفاعلية والفصل بين السلطات ضروريان لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم شعبها".
وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، في بيان "كانت هذه خطوة كبيرة في الاتجاه الخطأ"، مضيفة أن قرار سعيّد "هو خرق واضح لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
خطوة شعبية؟
ربما كان يأمل قيس سعيّد في نيل دعم وطني واسع النطاق لخطوته، حيث أن المجلس لم يكن يحظى بشعبية كبيرة. حتى أن الرئيس التونسي دعا أنصاره إلى النزول إلى الشوارع على الرغم من الحظر المستمر للتظاهرات بسبب تدابير احتواء فيروس كورونا.
"لكن لم يخرج الكثير من الناس، فقط بضع مئات من الأشخاص كانوا يتظاهرون ضد مجلس القضاء الأعلى. هذا يشير نوعاً ما إلى عدم وجود دعم شعبي كبير"، يقول أنتوني دوركين، الباحث في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" ECFR لـ DW عبر الهاتف.
ويمثل هذا انخفاضاً حاداً في الدعم الشعبي لسعيّد خلال الأشهر الثمانية الماضية.
محمد عفيف الجعيدي، المستشار في محكمة النقض بالعاصمة، قال لـ DW: "تركنا إطار حكم القانون لدولة الأمر الواقع. بدأ ذلك بعرقلة الرئيس للسلطة التشريعية وتفسير الدستور على هواه. ثم وسع صلاحياته التنفيذية على حساب رئيس الوزراء".
في أيلول/سبتمبر، عين سعيّد أستاذة الجيولوجيا نجلاء بودن رمضان كأول رئيسة وزراء في العالم العربي. اليوم أصبحت السيدة البالغة من العمر 63 عاماً تعرف بأنها ذراع للرئيس.
كما يرى الطالب الجامعي أحمد الترودي أن تنمية البلد أمر بالغ الأهمية. وقال لـ DW إن "قيس سعيّد أعاد تونس إلى مرحلة ما قبل الثورة. إذ ألغى الدستور وجمع السلطات بين يديه"، مضيفاً أن "أخطاء حدثت أثناء الانتقال الديمقراطي، لكن هذا لا يبرر إلغاء الديمقراطية. واحتكار السلطات. تونس لا تستحق هذا".
وقال عز الدين الحزقي، وهو ناشط سياسي مخضرم ومستقل منذ الستينيات، لـ DW، إن "أخطاء الرئيس قد ازدادت، ولديه مواجهات مفتوحة مع معظم المؤسسات، وهذا سيزيد من وعي الناس بخطره على البلاد". الحزقي هو المتحدث باسم "مواطنون ضد الانقلاب"، وهي مجموعة من النشطاء الذين يشنون حملة ضد الرئيس منذ الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في تموز/يوليو الماضي.
"يبدو أن بعض من رأى فيه في البداية منقذاً، يشعر اليوم بخيبة أمل أكبر لعدم رؤية أي تحسن ملموس في الاقتصاد أو مستويات المعيشة. في الوقت نفسه، لا يوجد على ما يبدو أي شعور بالغضب العام تجاه الخطوات التي يتخذها ضد الديمقراطية في البلاد"، يقول أنتوني دوركين، الباحث في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية".
ماذا بعد؟
سيظهر المستقبل القريب الاتجاه الذي سيميل إليه الرأي العام. حتى الآن، تتضمن خارطة طريق سعيد لعام 2022 إصلاح الدستور من خلال لجنة يعينها، واستفتاء في الصيف وانتخابات في كانون الأول/ديسمبر.
ومع ذلك، لا يزال يتعين عليه معالجة المشكلات الملحة، مثل جائحة كورونا والانكماش الاقتصادي غير المسبوق في تونس، بما في ذلك مستويات عالية من البطالة، وتأمين المستقبل المالي للبلاد بمساعدة صندوق النقد الدولي.
وقال يوهانس كادورا رئيس الفرع التونسي لمؤسسة فريدريش إيبرت، المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقود الائتلاف الحاكم في ألمانيا، في تصريحه لـ DW: "حان الوقت ليجد مصادر تمويل. لهذا، ربما لن يكون أمامه بديل سوى الامتثال لمطالب الإصلاح التي يطابها صندوق النقد الدولي".
وأضاف كادورا "إذا لم يحدث ذلك، فسأعطيه بضعة أشهر قبل زيادة الاحتجاجات، وعندها قد تكون هناك فوضى"، مضيفاً أنه بدون التمويل، لن يستمر الجيش في دعم سعيّد إلى ما لا نهاية.
ومع ذلك، لا يُعرف عن الرئيس التونسي قبول المعارضة العلنية ضده. "لقد أظهر سعيّد حتى الآن على أنه غير متسامح تماماً مع النقد أو المعارضة. لذلك قد يعطي الضوء الأخضر لمقاربة أكثر قمعية من قبل قوات وزارة الداخلية. وهذا هو أكثر سيناريو محتمل للأحداث"، يخشى أنتوني دوركين، الباحث في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية".
جنيفر هولايس/خ.س
ساهم في هذا المقال طارق قيزاني.