الأقليات الدينية في تونس.. هل هناك حقا أزمة تعايش؟
٣١ يناير ٢٠٢٢يستقبل أستاذ العمارة الاسلامية وعضو المكتب الاعلامي للطائفة البهائية في تونس محمد بن موسى ضيوفه ومحاوريه في الهواء الطلق، فهو لا يملك مكتبا ولا مقرا رسميا لمريدي حسين علي النوري الملقب ببهاء الله. وهذه أحد المعضلات التي تعاني منها الأقلية في تونس وفق ما يقوله بن موسى، لأن السلطات لم تمنحها ترخيصا لتأسيس جمعية ما يسمح لها بتخصيص مقر لها، رغم تقدمها بطلب في ذلك منذ عام 2013.
أنصفت المحكمة الإدارية مطلب البهائيين بعد نحو ست سنوات غير أن السلطات طعنت في قرار المحكمة. ويقول بن موسى لـDW عربية إن السلطات ممثلة في شخص مفتي الديار، "وصل بها الأمر إلى حد اتهامنا بالكفر".
وكانت "الجمعية البهائية" في تونس قد رفعت دغوى قضائية بشكاية، في منتصف شهر مارس /آذار2021، ضد كل من رئيس الحكومة ووزير الشؤون الدينية ومفتي الجمهورية وكاتب عام الحكومة، التي زعمت الجمعية في شكايتها بأن أتباع الطائفة يتعرضون لـ"تكفير وتهديد لحياتهم".
ولا توجد إحصاءات رسمية أو وثائق متاحة للعموم بشأن حقيقة تواجد البهائيين في تونس ولكن بن موسى يشير إلى أن الأقلية في تونس احتفت مؤخرا بمرور 100 عام على تواجدها في أنحاء البلاد وهي تنشط في قطاعات مثل البيئة وحقوق الانسان والمرأة والتربية، وأن هناك نخبة منذ عقود بمؤسسات الدولة تدين بالولاء لهذه الطائفة.
ويقر بن موسى في حديثه مع DW عربية "بمعزل عن عقيدتنا نحن تونسييون أب عن جد لم نأت من كوكب آخر نحن نؤمن بانتمائنا إلى تونس وأبي كان مناضلا في الحركة الوطنية ضد الاستعمار. لا أحد يمكن أن يزايد على وطنيتنا".
ويستدرك قائلا "نحن موجودون بحكم الواقع ولكن ننتظرالاعتراف القانوني من قبل السلطات. الدستور يقر بحقنا وكذلك المواثيق المعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة. أنا متفائل واعتقد أنها مسألة وقت".
ميثاق للتعايش المشترك
يسعى بن موسى اليوم بمعية ممثلين عن مذاهب وطوائف أخرى تنشط داخل النسيج المجتمعي في تونس إلى أن يحظوا بحقوق كاملة للنشاط العلني وممارسة شعائرهم والاعتراف القانوني والديني بوجودهم شأنهم شأن باقي الأطراف المكونة للهوية الدينية والثقافية لتونس.
تستند هذه المطالب إلى الفصل السادس من الدستور والذي ينص في فقرته الأولى على أن "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي".
وفي هذا الإطار وقع ممثلون عن أطياف وجمعيات شيعية ويهودية ومسيحية ميثاقا للتعايش المشترك يحث أساسا على حق الجميع في حرية المعتقد والممارسة الحرة للشعائر الدينية والتأكيد على قداسة الرموز الدينية وعدم المساس بها والدور التعليمي لفضاءات العبادة مع تحييدها عن التوظيف الجزبي والسياسي.
كما يدعم الميثاق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين ويدعو السلطات إلى ملاءمة البرامج التعليمية من أجل القبول بمجتمع متنوع ومختلف.
ويوضح الإمام السني الخطيب كريم شنيبة ممثل منظمة "التلاقي للحرية والمساواة"، التي تقف وراء طرح فكرة المبادرة، لـDW عربية أن العمل على الميثاق بدأ منذ عام 2019 وأن هدفه هو تكريس الحقوق الدستورية لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية على أرض الواقع ودون تمييز. ويضيف شنيبة "هدفنا السماح للجميع بالظهور تحت الضوء. الدستور أقر عدة حقوق لكن ليس هناك مراجعة وتحيين(ملاءمة) لعدة قوانين".
ويذكر الإمام مثلا قوانين المادة الجزائية التي تفتقد إلى عقوبات ضد الجرائم التي تقوم على الدين، ويجري بسبب ذلك تصنيف الجرائم المركتبة في هذا المجال كجرائم عنف.
ومع أن الإمام يشير إلى بعض القيود المفروضة على ممارسة الشعائر الدينية بشكل عام بما في ذلك الغالبية التي تدين بالمذهب السني في البلاد، مثل الافتقاد لمصلى في مقرات العمل وعدم اعتماد يوم الجمعة يوم راحة أو منع صلاة العيد في الساحات، فإنه يعترف بأن حقوق باقي الأقليات تظل أكثر عرضة للهضم من قبل السلطات مقارنة مع الأغلبية السنية في البلاد.
مطالب بمجالس حسينية في تونس
الإمام الشيعي (اثني عشري) أحمد سلمان مدير مركز أهل البيت للبحوث، يرى من جهته بوجود "تقصير بحق الشيعة في تونس"، إذ تفتقد هذه الطائفة إلى مؤسسات دينية خاصة بهم وإلى مجالس حسينية تتيح لهم ممارسة شعائرهم الدينية، وفق ما ذكر.
ويضيف سلمان لـDW عربية أن الغرض من الامضاء على وثيقة التعايش المشترك هو التعريف بالوجود الشيعي في تونس في التاريخ وفي الحاضر والتأكيد على أنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات مع باقي المواطنين.
ويشكو سلمان قائلا "الشيعة يصطدمون بمأزق قانوني لممارسة شعائرهم. نسعى للتعريف بحقوقنا ومطالبة السلطات بترجمة الحقوق الدستورية إلى واقع ملموس. منطلقنا إيماننا بمبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية المعتقد وهذا المبدأ لا يقبل القسمة".
ومع أن الوجود الشيعي ضارب في القدم في تونس وأحد أبرز شواهده بدايات تأسيس الدولة الفاطمية في مدينة المهدية قبل انتقال الخلافة إلى القاهرة المصرية، فإن البيانات شحيحة بخصوص الانتشار الشيعي اليوم في تونس وسط تشكيك رسمي بأهمية حجم هذه الطائفة ووزنها في البلاد لا سيما في ظل ظهورها تدريجيا إلى العلن في السنوات التي تلت الثورة عام 2011.
كما تواجه العناصر الناشطة لهذه الاقلية بمسألة الإنتماء إلى دوائر سياسية خارجية مثل ايران، وهي اتهامات طالت بشكل مبطن الدوائر المحيطة بالرئيس نفسه وجاءت بشكل خاص من منتسبين لحركة النهضة الإسلامية.
وجاءت أكثر الانتقادات بالارتباط بدوائر خارجية شيعية من قبل المفكر والقيادي السابق بحركة النهضة أبو يعرب المرزوقي الذي اتهم الرئيس قيس سعيد ومحيطيه علنا في تدويناته وتصريحاته، بمحاولة تحويل تونس إلى لبنان ثاني، من حيث الارتباط بنفوذ ايران وإلى الخضوع لنفوذ المستعمر السابق لتونس فرنسا.
ويذهب المرزوقي إلى أبعد من ذلك في اتهاماته لدوائر الحكم في القصر الرئاسي دون أن يسميها بالارتباط بالمعسكر الروسي في والثورات المضادة في المنطقة العربية.
وبينما لم ترد من الرئيس قيس سعيد الذي لا يفوت مناسبة لإعلان تشبثه بقدوته الخليفة السني عمر ابن الخطاب، أي إشارات واضحة تجاه ايران بجانب ترديده لشعار سيادة الشعب ورفضه التدخل الخارجي، فإن شقيقه ومدير حملته الانتخابية نوفل سعيد نفى من جانبه أي ارتباطات سياسية أو عقائدية خارجية في تدوينة له ردا على انتقادات كانت وجهت له.
وفي تعليقه على حضور الشيعة ودورهم في تونس، يقول الشيخ الشيعي أحمد سلمان "لو افترضنا وجود شيعي واحد فإنه يتحتم على القانون ان يضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية. قضية العدد لا قيمة لها قانونيا. ثم إن الشيعة لم يكن لهم ظهور في السابق لأنهم كانوا مقموعين ولأن الدولة قبل الثورة لم تكن ترضى بالتنوع. كانت ترفض كل أنواع التعددية حتى العرقية".
وبخصوص الارتباطات الخارجية يرد سلمان بأن هذه المسألة باتت بمثابة "شماعة لضرب كل حركة دينية"، موضحا قوله: "كسلب حقوق اليهودي بدعوى ارتباطه باسرائيل أو سلب حقوق المسيحي لاتهامه بالارتباط بفرنسا ... وحتى بالنسبة للسنّة نعلم أن مجموعات سلفية ربطوها بدولة خارجية".
ويتابع في رده "نحن مع منح الحقوق التي أقرها الدستور بلا تجزئة ومحاسبة كل طرف يثبت أن له ارتباط خارجي يضر بالبلاد".
"رسالة سيئة للخارج"!
لم تعلق وزارة الشؤون الدينية على استفسار لمراسل DW عربية بشأن ما إذا كانت على علم بمبادرة ميثاق التعايش المشترك أو إذا كانت معنية به. كما لم توضح موقفها من مضمونه إلى الرأي العام.
ومع ذلك فقد أجج الميثاق نقاشا قديما بشأن الهوية وحرية المعتقد والضمير ومظاهر التشدد والغلو وعلاقة ذلك بالدولة المدنية المترسخة في تونس منذ عقود طويلة.
ويقول عفران الحسايني الباحث في الحضارة والاسلاميات لـDW عربية أن التعايش واقع راسخ في تونس منذ القدم وشمل أيضا الجاليات اليهودية بدليل استقبالهم مع قدوم الموريسكيين الذين طردوا من الأندلس إبان حرب الاسترداد (الريكونكيستا)، كما أن النصارى موجودون في تونس على مر التاريخ.
ويمضي الباحث في تفسيره أن إمضاء اتفاق للتعايش المشترك ينطوي ضمنا على وجود انتهاكات أو صراع طائفي مفترض، وهو - برأيه- مخالف تماما للحقائق على الأرض في تونس. ويضيف في تعليقه "المجتمع التونسي ليس عدوانيا ولم تعرف عنه فتن طائفية بل عرف تاريخيا بالتعايش بين مكوناته".
وعلاوة على المؤاخذة الأساسية بشأن تغييب الممثل الرسمي للمذهب الذي تدين به الدولة وهو المذهب المالكي السني الزيتوني في الميثاق، يرى غفران أيضا أن مثل هذه المواثيق إنما توجه رسالة سلبية للعالم بأن تونس ترزح تحت عنف طائفي واحتراب أهلي، وهو ما يطرح "تساؤلات وشبهات من حوله"، لا سيما مع غياب ممثلين رسميين عن أحبار اليهود وكنيسة قرطاح ودار الافتاء عن ختم الميثاق.
ويتابع الباحث في حديثه لـDW عربية "تمضى المواثيق والاتفاقيات بعد الحروب الأهلية. تونس ليست بها حرب. هذا الاتفاق يحاول البحث عن مشروعية داخل النسيج المجتمعي وليس التعايش الموجود فعلا. كما أن هناك محاولات لضخيم هذه الاقليات عدديا وديمغرافيا".
تونس - طارق القيزاني