حب وتعايش بين يهود ومسلمين في كنيس الغريبة بجربة التونسية
٩ مايو ٢٠١٢الشابة التونسية عفيفة اللمسي جاءت لزيارة كنيس الغريبة اليهودي في جزيرة جربة السياحية، وترى أن ديانتها الإسلامية "تحثها على التعرف على الديانة اليهودية والتفاهم مع معتنقيها". ولدت عفيفة على جزيرة جربة، ومنذ طفولتها دأبت على زيارة الكنيس في موسم الحج، الذي يقصد فيه اليهود من أنحاء مختلفة من العالم هذا الكنيس؛ مناسبة يشاركهم الاحتفال بها المسلمون من سكان الجزيرة.
ويستقبل كنيس الغريبة في التاسع والعاشر من أيار/ مايو آلاف من اليهود، بينهم ألفان وفدوا خصيصاً من إسرائيل، وذلك للمرة الأولى منذ ثورة الياسمين في تونس. بالنسبة لخضير حنيا نائب القائم على شؤون الكنيس، فإنها "لحظة تاريخية أن يزور الحجاج كنيس الغريبة بهذه الأعداد بعد الثورة التونسية، وهو يجسد أجواء التسامح التي تسود البلاد"، كما يقول حنيا، مضيفاً أن عدد المسلمين الذين يزورون الكنيس في تزايد ملحوظ.
ويعزو نائب القائم على شؤون كنيس الغريبة ذلك في حوار مع DWإلى "رغبة المسلمين في معرفة المزيد عن تقاليد إخوانهم اليهود وطقوس احتفالاتهم"، مشيراً إلى مميزات التعايش بين معتنقي الديانتين في جزيرة جربة، التي توجد بها معالم يهودية عديدة وأعرقها كنيس الغريبة الواقع في بلدة الرياض القريبة من مدينة حومة السوق، كبرى حواضر الجزيرة. ويعود تاريخ الكنيس إلى ألفين وخمسمائة عام، وهو الأقدم من نوعه في القارة الإفريقية.
شبان مسلمون يحرسون الكنيس
أحد حراس الأمن في مدخل كنيس الغريبة، يقوم بإجراءات المراقبة مبتسماً لزوار الكنيس. ويقول إن الإجراءات في هذه الأيام مشددة بسبب توافد أعداد كبيرة من الحجاج والسياح الذين جاؤوا خصيصاً لحضور طقوس الاحتفالات السنوية، التي تصادف هذا العام مرور عشر سنوات على التفجير الإرهابي الذي استهدف الكنيس وراح ضحيته 21 شخصاً، معظمهم من التونسيين والسياح الألمان.
الحراسة الأمنية المشددة في مدخل كنيس الغريبة، يعتبرها نائب القائم بشؤون الكنيس إجراءات طبيعية ويضيف أن الحكومة التونسية التي يقودها حزب النهضة الإسلامي منحت للزوار اليهود تأشيرات الدخول وتعهدت بتوفير الحماية اللازمة لهم. ويضيف خضير حنيا أنه "كيهودي تونسي يفتخر بروح التعايش التي تعززت بعد الثورة التونسية"، مشيراً إلى أن حماية أمن الكنيس إبان الثورة كان يقوم عليها شبان مسلمون وليس رجال الشرطة.
وفي رده على سؤال حول مدى جدية المخاوف على حرية اليهود في تونس بعد الثورة، في ظل ظهور تهديدات من عناصر سلفية وصلت في إحدى المرات إلى محاولة اقتحام الكنيس الرئيس في تونس العاصمة، يقول خضير إنها "حوادث معزولة وجاءت في أجواء انفلات أمني بعد الثورة، ولا تعبر عن حقيقة واقع التعايش والأمن الذي يسود علاقات اليهود بمواطنيهم المسلمين". ويشير في هذا السياق إلى زيارة قام بها منذ أسبوعين الرئيس منصف المرزوقي إلى كنيس الغريبة، أكد فيها "لنا أن تونس متمسكة بقواعد التسامح والتعايش وحرية اليهود في ممارسة عباداتهم وطقوسهم وتمتعهم بكافة حقوقهم كمواطنين".
يتمتع اليهود في تونس تاريخياً بحقوق المشاركة السياسية ويتولى بعضهم مواقع قيادية في منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. وبعد الثورة شارك مرشحون ومرشحات يهود في قوائم بعض الأحزاب بانتخابات المجلس التأسيسي.
قصص حب بين مسلمي ويهود جربة
تبدو القاعة الرئيسية لكنيس الغريبة، وكأنها لوحة فنية تزخر بمعالم التاريخ وزخارف وخطوط باللغة العبرية ورموز للثقافة اليهودية. يتوسط القاعة متعبدون يقرؤون من الكتاب المقدس. "إنها تلاوة يومية من التوراة نواظب على القيام بها، وهي جزء من الطقوس اليومية التي توارثناها أبا عن جد"، يوضح خضير حنيا. تتفرع من القاعة الرئيسية قاعة أخرى، يتوسطها منبر يصعد إليه الحاخام أثناء الصلاة، وتحيطه الشموع من كل جانب. قبالة المنبر يبدو شباك صغير، أشبه ما يكون بفتحة قفص. "هنا يقدم الحجاج هداياهم وهي عبارة عن بيض، ثم يتوجهون للرب بالدعاء لتحقيق أمنياتهم" بمناسبة الاحتفال بـ"ريبي لحون" الذي يقام الأربعاء ثم احتفال "ربي سمعون" الذي يقام في اليوم التالي. إعلان الخطوبة والزواج، يعتبر من أهم ما يقوم به الحجاج، كما يوضح حنيا.
أمام شباك الأمنيات داخل الكنيس وقفت ثلاث شابات مسلمات مع نائب القائم بشؤون الكنيس، ليسألنه عن طقوس الاحتفال لهذا العام، يرد قائلاً إن الاحتفالات لا تقتصر عادة على اليهود بل يشارك فيها المسلمون. وفي فناء الكنيس يتجمع الشبان والشابات من الديانتين ويتسامرون ويتبادلون الأحاديث وخصوصاً حول قصص الحب والزواج الذي تبيحه الديانتان، وإن كانت حالات الزواج المختلط قليلة بسبب التقاليد الاجتماعية السائدة.
وبالنسبة لعفيفة اللمسي فقد اعتادت منذ نعومة أظافرها على التواصل مع جيرانها اليهود وتتبادل الأسر عادة الهدايا في المناسبات والأعياد الدينية الإسلامية واليهودية، "نحب الوجبات اليهودية، إنه لذيذ جداً، مثلاً وجبة الكسكس، التي تعتبر من أشهر الوجبات في منطقة المغرب الكبير، وكوجبتي الكفتة (لحم مفروم مشوي) والبريك، وهو ورق رقيق مقلى في الزيت، وملفوف على البيض وسمك التونا والبقدونس".
وفي مدينة حومة السوق كبرى حواضر جزيرة جربة تنتشر المطاعم التي تقدم الوجبات اليهودية، وفي أسواق مدينتي حومة السوق وميدون تغص المحلات التجارية بالصناعات التقليدية والحلي التي يتقن اليهود فنون صناعتها. وفي جزيرة جربة يوجد أهم تجمع لليهود التونسيين، الذين يقطنون أيضاً في أحياء حلق الوادي ولافيات بتونس العاصمة، ولا يتجاوز عددهم الإجمالي حالياً الألفي نسمة، بعد أن كانوا حوالي ستين ألفاً عند استقلال البلاد سنة 1956. لكن أعدادهم تناقصت في العقود اللاحقة بسبب أجواء الاحتقان التي خلفتها الحروب بين إسرائيل وجيرانها العرب.
منصف السليمي - جزيرة جربة التونسية
مراجعة: عماد غانم