حسابات أردوغان في حظر "حزب الشعوب" الموالي للأكراد
٢٦ يونيو ٢٠٢١صدمت المأساة التي وقعت الأسبوع الماضي في مكتب حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي للأكراد، في إزمير العديد من الأتراك، حيث اقتحم متطرف يشتبه بأنه يميني يبلغ من العمر 27 عاماً المبنى، مسلحاً ببندقية كلاشينكوف، وفتح النار. قتلت موظفة تبلغ من العمر 38 عاماً، وكانت الشخص الوحيد الموجود هناك.
كان يمكن للهجوم أن يوقع المزيد من الأرواح؛ إذ كان من المفترض عقد اجتماع بمشاركة سياسيين معروفين من حزب الشعوب الديمقراطي. ولكن لحسن الحظ تم تأجيل الاجتماع قبل المأساة، وتم تفادي مذبحة.
قال الجاني في وقت لاحق في محضر الشرطة: "لقد خططت منذ طفولتي لقتل أعضاء حزب العمال الكردستاني. كان هدفي إصابة العديد من الأشخاص هناك، لكن لم يكن هناك سوى شخص واحد".
حزب العمال الكردستاني محظور في تركيا، وتربطه الحكومة والصحافة الموالية لها، على الغالب بلا أساس، مع حزب الشعوب الديمقراطي.
زرع الكراهية
يلقي ثالث أكبر حزب تركي، حزب الشعوب الديمقراطي، باللوم على الحكومة. ويتهمها بأنها هي من هيَّأت الأرضية الخصبة للهجوم: "إن الإشارة إلى أخطاء حزب ما شيء وشيطنته شيء آخر. إذا ما دأبت من الصباح إلى المساء على القول إن حزباً ما مؤيد للإرهاب، فلا ينبغي أن تتفاجأ إذا مهد كلامك الطريق أمام شخص يكره حزب الشعوب الديمقراطي لشن هجوم (بالسلاح) عليه"، يقول خبير استطلاعات الرأي والخبير السياسي، إبراهيم أوسلو.
على وجه الخصوص، تعرض حزب الحركة القومية المتطرف، الشريك في الحكم مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي، لانتقادات شديدة بعد الهجوم. نشر الجاني قبل الهجوم صورة له على إنستغرام وهو يؤدي"تحية الذئب"، رمز "الذئاب الرمادية"، وهي حركة يمينية متطرفة قريبة من حزب الحركة القومية. لكن بدلاً من النَّأي بنفسه عن الهجوم، يخفف دولت بهتشلي من حدة الجريمة: الضحية كانت في وقت سابق من الميليشيات.
حزب على وشك الحظر
في الماضي القريب كثفت أنقرة ضغطها على الحزب عن طريق وصمه بأنه "حزب إرهابي" وتعالت أصوات ممثلي الحكومة لحظر الحزب. وقدم الادعاء العام في آذار/مارس الماضي دعوى بهذا الشأن. وقبلت المحكمة الدستورية الدعوى هذا الأسبوع. وبررت المحكمة قبولها الدعوى بأن أعضاء الحزب ينوون بأفعالهم وأقوالهم تقويض وحدة الدولة ووجود أنشطة إرهابية. وفي معظم الحالات، تكون قرائن التهم المنسوبة هزيلة وتعسفية.
هل يفلح أردوغان في شق المعارضة؟
يعتقد العديد من المراقبين الأتراك أن التعاطي المتسم بالقسوة المتزايدة مع الحزب مدفوع بتكتيكات انتخابية: "تقوم سياسة الحكومة على محاولة تقسيم المعارضة. وكلما زاد تهميشها لحزب الشعوب الديمقراطي، زاد من قدرتها على تقسيم المعارضة". يقول الصحفي ليفينت جولتكين، مضيفاً أن ذلك من شأنه أن يضمن بقاء الائتلاف الحاكم في السلطة.
تضم المعارضة التركية بالإضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطي، حزب الشعب الجمهوري (الكمالي الأتاتوركي)، وحزب "الخير" الوسطي الليبرالي. ويقوم تكتيك الائتلاف الحاكم على تخويف المصوتين للحزبين من غير الأكراد من التصويت لحزب الشعب الجمهوري وحزب "الخير" لتحالفهم مع حزب الشعوب الذي تصفه الحكومة بـ"الإرهابي".
"تكتيك انتخابي"
يعيد التصعيد الحكومي ضد حزب الشعوب الديمقراطي إلى الأذهان ما حصل في عام 2015، عندما صوت العديد من الناخبين لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد في الانتخابات البرلمانية قبل الأخيرة في حزيران/ يونيو 2015، ودخل البرلمان بنسبة 13 في المائة لأول مرة. في المقابل كانت نتائج حزب العدالة والتنمية الأسو في تاريخه.
ردت حكومة أردوغان على الفور، إذ أصبحت نبرة الخطاب أكثر قومية، وبدأت عملية عسكرية ضد الميليشيات الكردية في مدن جنوب شرق الأناضول. سخنت الأجواء، وشن متطرفون من حزب العمال الكردستاني أو ميليشيا "داعش" الإرهابية هجمات في مدن تركية.
أدت الاضطرابات الشبيهة بالحرب الأهلية إلى توق أجزاء كبيرة من الشعب التركي للاستقرار والقيادة القوية. وعندما جاءت الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المطلقة مرة أخرى. وبالنظر إلى أن استطلاعات الرأي الحالية ليست في مصلحة الحكومة، فمن المتوقع أن يستخدم أردوغان نفس الحيلة مرة أخرى.
ما البدائل المتوفرة بيد الناخبين الأكراد؟
حتى الآن، لم تصدر ردود فعل عدوانية من الجانب الكردي ضد الحظر الوشيك للحزب، وليس هناك مؤشرات على حدوث تصعيد. وحتى لو نجح أردوغان فعلياً في سحق الحزب الكردي، فهذا لا يعني بالضرورة ميزة تنافسية في الانتخابات المقبلة.
ما يقرب من ستة ملايين صوت كردي لن تضيع؛ إذ يمكن ببساطة تشكيل حزب كردي جديد. ومن الممكن أيضاً أن يتحول الناخبون الأكراد إلى حزب المعارضة الأكبر، حزب الشعب الجمهوري، الذي انفتح مؤخراً على حزب الشعوب الديمقراطي ويمكن أن يصبح بديلاً قريباً.
دانيال ديريا بيلوت/باتو بوزكورك/خ.س