حزب قراصنة للدفاع عن حرية الانترنت في تونس
٢٤ مايو ٢٠١١حجبت تونس يومي الخامس والسابع من أيار/مايو 2011 أربع صفحات شخصيّة لنشطاء على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي هرب في 14 كانون الثاني/يناير إلى السعودية.
وصدر قرار الحجب عن المحكمة العسكرية بتونس التي نددت بـ"إساءة" أصحاب صفحات الفيسبوك المذكورة إلى "المؤسسة العسكرية وقياداتها".
ونفذت أمر الحجب "الوكالة التونسية للإنترنت" (حكومية)، التي تقول على موقعها الإلكتروني الرسمي إنها "تضطلع بدور المشرف الوطني على خدمات الانترنت و تعميم استعمالها في تونس".
الوكالة حجبت يوم الخامس من أيار/مايو صفحة الناشط اليساري المعارض جلال بن بريك (شقيق الكاتب الصحفي توفيق بن بريك، المعارض البارز لنظام بن علي)، وحجبت بعد يومين من ذلك ثلاث صفحات أخرى تحمل أسماء "وجيه بدر الدين" و"يوسف باتريوت" و"تكريز".
وكانت تونس رفعت بعد الإطاحة ببن علي الحجب بالكامل عن المواقع الإلكترونية بما فيها مواقع الجنس، البورنوغرافية، التي باتت من بين المواقع الأكثر تصفحا في البلاد.
وفي سياق متصل استدعى القضاء العسكري الشهر الجاري صحافيين شابين للتحقيق معهما بعد نشرهما على شبكة الفيسبوك تسجيلا لمقابلة صحفية أجرياها مع وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي.
الراجحي، قال في هذا التسجيل، إن الجنرال رشيد عمار، قائد أركان الجيوش الثلاثة، سينفذ انقلابا عسكريا في حال وصول إسلاميين إلى الحكم في تونس، وأن هناك "حكومة ظل" يسيرها مقرّبون من الرئيس المخلوع.
في هذه الأثناء انتقد الكاتب الصحفي توفيق بن بريك تحول المؤسسة العسكرية في تونس إلى "مقدّس ومحظور يخاف (الناس) الاقتراب منه".
"الإساءة إلى المؤسسة العسكرية وقياداتها"
وصف مصدر عسكري في تصريحات لدويتشه فيله حجب صفحات الفيسبوك الأربع بأنه "قانوني تماما". وقال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه إنه بالإمكان ملاحقة أصحاب هذه الصفحات قانونيا بموجب الفقرة الأولى من الفصل 91 من مجلة المرافعات و العقوبات العسكرية الصادرة سنة 1957.
وذكر بأن هذا الفصل يقضي بتسليط عقوبة السجن لفترات تتراوح بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات على "كل شخص عسكري أو مدني تعمّد بالقول أو الحركات أو بواسطة الكتابة أو الرسوم أو الصور أو الأفلام، تحقير العلم أو تحقير الجيش ومسّ كرامة وسمعة الجيش أو معنوياته، أو يقوم بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم، أو انتقاد أعمال القيادة العامة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمسّ كرامتهم" .
وزارة الدفاع التونسية ندّدت في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني الرسمي بما أسمته "تعمد بعض المواطنين إحداث صفحات خاصة بهم على شبكة الإنترنت قصد الإساءة إلى المؤسسة العسكرية وقياداتها من خلال نشر مشاهد فيديو وتداول تعاليق ومقالات مغرضة ترمي إلى زعزعة ثقة المواطن في الجيش الوطني وبث البلبلة والفوضى بالبلاد".
وقالت الوزارة "أمام هذه السلوكيات المنحرفة والمخلة بآداب التعامل مع شبكة الانترنت، بادرت وزارة الدفاع الوطني بعد أن تحصلت على تسخير صادر عن حاكم التحقيق بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس بإخطار الوكالة التونسية للإنترنت لحجب الصفحات" المذكورة.
"انفلات فيسبوكي"
أرجع مراقبون حجب صفحات الفيسبوك إلى ما اعتبروه نيلا من الجنرال رشيد عمار قائد أركان الجيوش الثلاثة (البر والبحر والجوّ) وعدد من رموز الحكم في تونس.
ونشرت الصفحات المذكورة مقاطع فيديو وصور كاريكاتير ونصوصا اتهم أصحابها عمّار والحكومة المؤقتة بالعمالة للخارج وبالالتفاف على الثورة والتواطؤ مع بقايا نظام بن علي وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ، وهو الحزب الحاكم في عهد الرئيس المخلوع.
وتضمنت بعض مقاطع الفيديو سبابا وشتائم لهؤلاء. وقد نشر موقع "تكريز" صورة مركّبة بدا فيها الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع عاريا تماما.
الصحفي التونسي منذر بالضيافي اعتبر في تصريحات لدويتشه فيله أن تونس دخلت في مرحلة "انفلات وفوضى فيسبوكية" خطيرة. ولفت إلى أن الكثير من الكتابات والمضامين التي تنشر على الفيسبوك لا تلتزم بأدنى الأخلاقيات والضوابط المتعارف عليها في وسائل الإعلام التقليدية وأنها باتت تهدّد "الاستقرار السياسي والاجتماعي" للبلاد.
وأضاف أن إغلاق هذه المواقع لا يجب أن ينظر إليه على أنه تعدّ على الحق في الإعلام وحرية التعبير بل "حماية للمجتمع" من أخطار الفوضى والانفلات.
واقترح أن يوكل أمر حجب مثل هذه المواقع إلى "هيئة قضائية مستقلة وأن لا يترك بيد جهات هي في الأصل ضد حرية الرأي والتعبير" مشيرا إلى أن هذه الحرية هي "الضمانة الأولى لتحقيق الانتقال الديمقراطي" في البلاد.
الصحفيّة هدى الطرابلسي أيّدت هذا الطرح وقالت لدويتشه فيله إن العديد من صفحات الفيسبوك التي تهتمّ بالشأن التونسي أصبحت تنشر شائعات وأخبارا زائفة ومعلومات مريبة من دون ذكر مصادرها، ملاحظة أنّ هذه الصفحات تلقى رغم ذلك إقبالا كبيرا من مستعملي الإنترنت.
لكنها أكدت في المقابل ضرورة "عدم العودة إلى الوراء بحجب المواقع" مشيرة إلى أنّه ليس من المقبول أيضا أن "يصبح كل من يعبّر عن رأيه بحرية على الانترنت معرضا للمحاكمات العسكرية والمساءلات بتعلّة أمن البلاد ونشر الفتنة وغيرها من هذه التهم الجاهزة".
وقالت الطرابلسي:"اعتقد أن الحل الوحيد هو استقلالية الإعلام وجعله يعمل في كنف الشفافية دون وصاية وبالتالي سيفقد الفيسبوك والصفحات التي لا نعرف من وراءها بريقهم وشهرتهم وبالتالي يثق المواطن في وسائل الإعلام التي ستؤمن له معلومة صحيحة".
حزب سياسي لحماية "المجتمع الفيسبوكي"؟
فجّر حجب صفحات الفيسبوك الأربع واستدعاء الصحافيين الشابين من قبل القضاء العسكريّ للتحقيق معهما انتقادات كبيرة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وحذّر نشطاء إنترنت من أن تكون عمليات الحجب تمهيدا للعودة بالبلاد إلى مرحلة "القمع الإلكتروني" التي عاشتها في عهد بن علي.
و يوم التاسع من أيار/مايو قدّم مدوّنون طلبا رسميا إلى وزارة الداخلية التونسية من أجل الترخيص لهم في تأسيس حزب سياسي معارض، قال باعثوه إنّ من بين مبادئه مناهضة حجب مواقع الانترنت والدفاع عن حرية استعمال الشبكة العنكبوتية.
واختار هؤلاء اسم "حزب القراصنة التونسي" للتنظيم السياسي الذي يبدو انه يحاكي حزب القراصنة الألماني، الذي تأسس حديثا وبات له مناصروه في ألمانيا، ويرفض بشكل قاطع فرض أي قيود على الانترنت.
الشاب صلاح الدين الكشك أمين عام الحزب قال ردا على سؤال حول أسباب إطلاق هذه تسمية الغريبة على الحزب:"عندما يكون القرصان في البحر يكون حقل الرؤية لديهم أوسع ممّن هو على البرّ".
وندّد هذا الشاب بعودة الحجب في تونس وقال في تصريحات صحفية إنه "يدين بشدة الحكومة التونسية من أجل (فرضها) رقابة سياسية عسكرية مثيرة للدهشة، على صفحات الفيسبوك".
ويتحدّث الكشك عن وجود "مجتمع فيسبوكي" في تونس التي تزايد فيها عدد مستخدمي الفيسبوك بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب موقع "socialbakers" ، الذي ينشر إحصائيات أولا بأوّل حول عدد مستعملي فيسبوك عبر العالم، فإن عدد مستخدمي فيسبوك في تونس تجاوز مليونين ونصف المليون شخص من أصل 10 ملايين نسمة تعدّهم البلاد.
صلاح الدين الكشك ذكّر بأن الفيسبوك نقل حصريا "حقيقة ما جرى في تونس" من أعمال قمع وقتل للمتظاهرين قبل الإطاحة ببن علي "في وقت كانت فيه وسائل الإعلام صامتة"، متوقّعا أن تساهم هذه الشبكة مستقبلا في "تقدّم تونس".
منير السويسي – تونس
مراجعة: عبد الرحمن عثمان