حرية الصحافة بعد ثورات الربيع العربي: هل من تحسن؟
٥ مايو ٢٠١٢بعد أن كشف تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود"، التي تعنى برصد الانتهاكات ضد حرية الصحافة والصحافيين حول العالم، عن ارتفاع حصيلة الضحايا من الصحافيين هذا العام عن سابقه، لا بد وأن يستغرب المرء ذلك، خاصة وأن عدداً من الدول العربية التي كانت تُعرف في السابق بقمعها لحرية الإعلام، مرت أو لا تزال تمر بعملية تحول ديمقراطي يُتوقع منها أن تفضي إلى تحسن أوضاع الصحافيين بدلاً من ازديادها سوءاً، فلماذا ارتفاع إذن عدد "شهداء الكلمة" و "شهود الحقيقة"؟
هذا الموضوع حظي بمكانة خاصة في برنامج "كوادريغا" الحواري، الذي تبثه قناة "دي دبليو عربية" تزامناً مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من مايو/ أيار من كل عام. وركزت الحلقة على المنطقة العربية التي تشهد تغيرات جمة وتحولات استدعت تغطية صحفية أكبر وأدت – في بعض الدول على الأقل – إلى حرية أكبر في التغطية الإعلامية.
في هذا السياق يؤكد الصحافي الألماني وخبير شؤون الشرق الأوسط، شتيفان بوخن، أن هناك تحسناً في أوضاع الصحافة في دول الربيع العربي، مثل تونس ومصر والمغرب، مستدلاً على ذلك بظهور عدد كبير من القنوات التلفزيونية والصحف التي تمثل تيارات مختلفة، إلا أنه يشير، وبرغم هذا العدد الكبير من وسائل الإعلام الخاصة، إلى أن في مصر، على سبيل المثال، "جهات معينة لها مصالح فردية ضيقة، تحاول أن تتدخل ميدانياً فيما يجري في مصر وأن تؤثر عليه. هذا سوء فهم لدور الصحافة"، وفق تعبير الخبير الألماني.
أما الصحافي المصري وليد الشيخ فلفت الانتباه إلى ظاهرة شراء القنوات التلفزيونية الخاصة في مصر واستخدامها لتنفيذ أجندة النظام الحاكم، حسب رأيه. ويؤكد الشيخ على أن "حال الصحافة المصرية ساء بعد بداية الثورة ... هناك استهداف واضح للصحافيين وقمع وضغط وتقييد للحريات"، ملمحاً إلى حالات قتل صحافيين مصريين أثناء الثورة والاعتداء على مراسلين أجانب من قبل "بلطجية" النظام.
حماية وابتعاد عن الأمن القومي
من جانبه يلفت الصحافي السوداني المقيم في ألمانيا، أمير حمد ناصر، إلى أن هناك "خطاً أحمر بين التغطية الإعلامية الحرة والتدخل في الأمن الداخلي والسياسي لدولة ما. يجب أن تؤخذ قضايا الأمن الداخلي بعين الاعتبار أثناء التغطية الإعلامية، وأن يكون تركيز (الصحافيين) أكثر على قضايا الاقتصاد، لأن اختلال توازن الاقتصاد هو ما يجلب المشاكل السياسية على الدول بشكل عام".
وفيما طالب الشيخ بنوع من الحماية للصحافيين أثناء تأديتهم عملهم، أوضح بوخن أن في بعض الدول لا توجد حاجة لحماية الصحافيين الأجانب "مثل السعودية وإيران، لأن السعودية لا تسمح للصحافيين الأجانب بدخولها بالأساس، لذلك لا يوجد سبب لحمايتهم. أما في إيران فقد ازدادت الأوضاع سوءاً بعد انتخابات سنة 2009، إذ من المستحيل الحصول على تأشيرة لدخول البلاد كصحافي أجنبي، بالإضافة إلى انعدام وسائل الإعلام المحلية الناقدة للنظام، مثلما كان الحال قبل انتخابات 2009".
لكن الصحافي، الأجنبي والمحلي، لا يتحلى بالموضوعية دائماً، كما يرى بوخن، لذلك قد توجد مخاوف من الجهة التي يعمل الصحافي لصالحها ومدى خدمته لأجندتها. ويشدد بوخن على أن كل صحفي له خلفيته الثقافية ورؤيته الشخصية للأحداث، وأن "على كل وسيلة إعلام أن تتطلع إلى بلوغ الحد الأقصى من الموضوعية".
الموضوعية مطلوبة
ومن أجل تحقيق ذلك، طالب أمير حمد ناصر بأن يسعى الصحفي "لتقصي الحقائق" فقط، وأن "تعطى حرية أكبر لرؤساء التحرير، كي يتخلصوا من يد الممول، لاسيما وأن وسائل الإعلام العربية تعتمد اعتماداً كبيراً على شخصية واحدة" تمتلك المال أو النفوذ أو كليهما لإبقاء المحطة أو الصحيفة على قيد الحياة، بعكس الكثير من وسائل الإعلام الأوروبية، التي تعتمد بشكل أكبر على مدخولاتها من المبيعات والإعلانات".
موضوع حرية الصحافة أثار ردوداً متعددة ومتباينة من قبل مستخدمي صفحة "دي دبليو عربية" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذ كتب "Bashir Glady" يقول: "بالتأكيد تغير (حال الصحافة) إلى الأفضل، خاصة في ليبيا، حيت كانت الصحف الدولية ممنوعة والإنترنت مراقب أيام (معمر) القدافي، الذي كان يكره الصحافة الحرة ويعتبرها العدو الأول له ... والآن وبعد سقوط القدافي تحررت الصحافة والإنترنت".
إلا أن المشترك "Zeyad A. A. Massoud" رأى أن هناك حرية نسبية للصحافة، "لكن ما زالت نفس القوى تريد تكميم الأفواه .. لأنهم هم أنفسهم في العهد القديم والعهد الجديد أصحاب السلطة والمصالح الشخصية".
الإعلام البديل بين النعمة والنقمة
لكن الثورات العربية أبرزت دور ما يسمى بالإعلام البديل، الذي يتركز في شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات، وبات يلعب دوراً مهماً في نقل صورة الأوضاع من داخل الدول التي لا تسمح بالتغطية الإعلامية الحرة، خاصة في سوريا والسعودية. وحول هذا الموضوع اختلفت آراء ضيوف البرنامج حول أهمية دور الإعلام البديل، إذ اعتبره الإعلامي السوداني ناصر "سلاحاً ذو حدين، لأنه قد يسهم في إحداث ثورة حقيقية، أو قد يحول المشهد الإعلامي إلى فوضى عارمة".
أما وليد الشيخ فرأى أن الإعلام البديل "نجح في كسر هيمنة الأنظمة المستبدة على الإعلام الخاص، إذ أنها كانت قادرة على اعتقال أي رئيس تحرير يوجه لها نقداً". وأشار الشيخ إلى أن الإعلام الإلكتروني تمكن من استحداث ما يسمى بـ"صحافة المواطن" – تلك الأحداث التي يصورها المواطن العادي بهاتفه المحمول وينقلها كما هي على شبكات التواصل الاجتماعي أو على مواقع مشاهدة الفيديو.
وتكمن أهمية صحافة المواطن، بحسب الصحافي المصري، في أنها "تنقل الأحداث كما هي وتترك للإدراك الجمعي للأمة مسألة تمييز الغث من السمين"، ودلل على نجاح هذه الوسيلة الجديدة بأن الأنظمة القمعية أنشأت أجهزة خاصة مدفوعة الأجر لتتبع وسائل الإعلام البديل والإلكتروني لتعطيلها أو إغلاقها وملاحقة المشرفين عليها. كما أن الإعلام البديل مراقب من قبل الجمهور، ويمكن أن يفقد مصداقيته بشكل تام إذا ما كذب ولو لمرة واحدة.
مشتركو صفحة "دي دبليو عربية" أيضاً كان لهم رأي في دور الإعلام البديل، إذ يرى المشترك "Amjed Alzangana" أن "الإعلام المستقل يستطيع التأثير على هيمنة الأنظمة الاستبدادية، ولكنه غير قادر على منع ظهور أنظمة مماثلة من جديد". ويوافقه في ذلك المشترك "عمار الحقب"، الذي شبه الإعلام العربي "بزائر غريب يبحث عن أرضية يغرس فيها قواعده التي تحدد مستقبله ووجهته، وبالتالي فإن بناء دولة حقيقية معبرة عن تطلعات الشعب ورغبته في البقاء سيجعل من الإعلام حراً ومن الصحافة كذلك".
أوروبا قدوة في الحرية؟
وحول مستقبل الإعلام العربي بعد الثورات التي تجتاح المنطقة، تطرق الحوار إلى "النموذج الأوروبي" في حرية الصحافة وإمكانية تطبيقه في الدول العربية، في ظل انتهاكات حرية الصحافة التي بدأت تظهر في عدد من الدول الأوروبية، مثل إيطاليا، التي يهيمن فيها رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني على إمبراطورية إعلامية باتت توجه الرأي العام في البلاد، أو اليونان، حيث سجلت أكثر من حالة اعتداء من قبل الشرطة على صحافيين أثناء تغطية المظاهرات الرافضة لسياسات التقشف الحكومية، أو في هنغاريا، التي أقرت قوانين تفرض قيوداً صارمة على وسائل الإعلام.
وفي هذا السياق قال شتيفان بوخن إن "النموذج الأوروبي" لا يزال نموذجاً يحتذى به حول العالم، وإن ما يحدث في بعض الدول الأوروبية حالة عابرة فرضتها ظروف مؤقتة، مدللاً على ذلك بالحرية والتعددية التي يتمتع بها الصحافيون في ألمانيا، والتي لا يمنحها سوى عدد محدود جداً من الدول.
ومع استمرار ثورات الربيع العربي، يبقى مستقبل حرية الصحافة العربية غامضاً، إلا أن الأيام القادمة ستثبت ما إذا كانت دول الربيع العربي قد تعلمت من أخطاء الأنظمة السابقة وستسمح بصحافة حرة تعددية، تلتزم بمعايير المهنية والموضوعية، أم أنها ستنزلق إلى دوامة الماضي وتستمر في قمع الصحافة أو توجيهها لخدمة مصالح النخب الحاكمة.
ياسر أبو معيلق
مراجعة: عبده جميل المخلافي