حرية الرأي خلف القضبان .. وليد أبو الخير مثالاً
٧ مايو ٢٠١٥في مثل هذا اليوم، وقبل عام تم تشديد الحكم الصادر بحق المدون الناشط السعودي رائف بدوي من سبع سنوات و600 جلدة إلى عشر سنوات و1000جلدة. وقد أثار هذا الحكم وجلد رائف بدوي على الملأ، حيث تم تنفيذ عشرين جلدة حتى الآن، استياء الرأي العام العالمي ومطالبات بالإفراج عنه.
وتصادف هذه الأيام أيضا مرور أكثر من عام بقليل على سجن محامي بدوي، الناشط السعودي وليد أبو الخير، الذي صنفته مجلة "فوربس" الأمريكية المعروفة واحداً من أكثر "مائة شخصية عربية حضوراً على تويتر" أيضا. كما يعتبر أبو الخير أول ناشط سعودي يحاكم بحسب "نظام جرائم الإرهاب وتمويله"، الذي أقرّ قبل نحو عام في المملكة وانتقدته منظمات حقوق الإنسان بشدة. وحُكم على أبو الخير بالسجن المشدد 15 عاماً، منها عشر سنوات نافذة، بالإضافة إلى منعه من السفر بعد انقضاء محكوميته لمدة 15 عاماً أخرى وغرامة مالية قدرها 200 ألف ريال (حوالي 47 ألف يورو).
غيض من فيض
أبو الخير وبدوي هما عينة من آلاف "سجناء حرية الرأي" في العالم العربي، الذين انتقدوا أنظمة الحكم والأوضاع المتردية لحقوق الإنسان في بلدانهم، وحوكموا وسجنوا بسبب دفاعهم عن آرائهم، بدءاً بالمحامية والحقوقية ماهينور المصري والناشط السياسي أحمد دومة والمدون علاء عبد الفتاح في مصر، مروراً بالناشط والمدون ياسين العياري في تونس والناشط الحقوقي التاقي المشظوفي في المغرب، وانتهاءً بالناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة في البحرين والصحفي مازن درويش في سوريا والمعارض مسلم البراك في الكويت.
حتى الآن، رفض المحامي والحقوقي السعودي الاعتراف بشرعية المحكمة والتهم الموجهة إليه، ما أدى إلى نقله من سجن إلى آخر، إلى أن انتهى به المطاف في سجن الحائر سيء الصيت، إذ تفيد الأنباء الأخيرة بأنه يتعرض لإساءة المعاملة وللتعذيب على يد سجّانيه.
وفي هذا السياق، يوضح رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، علي الدبيسي، لـDWعربية أنه وبالإضافة إلى إساءة معاملته على يد حراس السجن، فإن أبو الخير "يتعرض لمضايقات داخلية (من المسجونين الآخرين) نعتقد أنها مضايقات غير بريئة، بالإضافة إلى أنه لا يتناول بعض ما يقدم له من طعام لأنه مصاب بمرض السكري ومشاكل في القولون".
من جانبها، تؤكد روت يوتنر من فرع ألمانيا في منظمة العفو الدولية (آمنستي)، أيضاً إساءة معاملة أبو الخير، مضيفة أنه "يقبع في زنزانة انفرادية بسجن الحائر مضاءة طوال الوقت، ما يجعل من الصعب عليه النوم. كما تم تفتيش زنزانته بشكل عشوائي بحجة البحث عن ممنوعات، ومن ثم تركت حاجياته على الأرض ومتناثرة في أرجاء الزنزانة".
قضية رائف بدوي "مفتاح" للبقية
لكن تسليط الضوء بشكل خاص على قضيتي رائف بدوي ووليد أبو الخير لا يعني بالضرورة إهمال بقية "سجناء الرأي" في السعودية، والذين يقدر علي الدبيسي عددهم بما لا يقل عن ألفي شخص، وذلك بناءً على حسابات وتقديرات مدونين وناشطين داخل المملكة لعدد السجون وأحجامها وتخصصاتها، إذ يفيد الدبيسي أن "الحكومة السعودية تعلن رسمياً عن وجود ثلاثة آلاف سجين في سجون المباحث السعودية، وهي السجون التي يتواجد في غالبها سجناء الرأي. هناك بالطبع سجناء في تلك السجون ممن ارتكبوا جنايات أو تلطخت أيديهم بالإرهاب. ولكن الأغلبية هم من سجناء الرأي".
كما يشدد رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان على أن قضية رائف بدوي وما أثارته لدى الأوساط الحقوقية والإعلامية الدولية شكلت ما يصفه بـ "مفتاح مهم لإطلاع وسائل الإعلام الدولية والمنظمات بمختلف توجهاتها ... على حقيقة تعاطي الحكومة السعودية مع نشطاء حقوق الإنسان والمدونين وأصحاب الرأي. أعتقد أن بعد هذا (الاهتمام بقضية رائف بدوي) يجب أن يتم توسيع هذا الاهتمام ليشمل بقية ما يجري في المعتقلات السعودية".
وفي ذات السياق، ترى روت يوتنر بأن الاهتمام الدولي الذي حظي به رائف بدوي مردّه إلى الحكم عليه بالجلد إلى جانب السجن، وهذا ما لم يحصل من قبل بحق ناشط أو معارض آخر. وتتابع يوتنر بالقول: "لقد أثار ذلك الحكم موجة من السخط. ولكننا (في آمنستي) نركز منذ نحو عامين على أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل عام في السعودية، وقمنا بنشر عدد كبير من الحوادث المتعلقة بهم في تلك الفترة".
تأثير المنظمات الحقوقية على صنع السياسة
ولكن، رغم الاهتمام العالمي بقضية المدون السعودي رائف بدوي ومحاميه وليد أبو الخير، يبقى التساؤل حول مدى انعكاس هذا الاهتمام الإعلامي والحقوقي على التحركات الدبلوماسية والسياسية في الدول الغربية، لاسيما ألمانيا، من أجل حثّ السعودية على الإفراج عن هؤلاء الناشطين وتحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات.
حول ذلك، لا تبدو روت يوتنر من منظمة حقوق الإنسان آمنستي متفائلة في ما يتعلق بالساسة الألمان، إذ تعتبر أن "ما يمكننا ملاحظته هو أن التغطية الإعلامية الواسعة لقضية بدوي والسخط المرافق للعقوبة المفروضة عليه دفع الساسة الألمان الذي زاروا السعودية مؤخراً إلى طرح هذه القضية – وأوضاع حقوق الإنسان أيضاً – مع حكام البلاد"، باستثناءات قليلة.
لكن السياسة الألمانية لا تزال مرتبطة بحسابات الاقتصاد، ولاسيما صفقات السلاح التي تقدر بالمليارات بين برلين والرياض، وهي قضية لا تزال تثير غضب وانتقاد منظمات حقوق الإنسان والناشطين العرب على حد سواء، والتي كانت آخرها صفقة بيع عدد من طائرات "إيرباص" العسكرية متعددة الأغراض (A330 MRTT).
وبالعودة إلى قضية المحامي والحقوقي وليد أبو الخير، فإن قضيته لا تزال محط أنظار عدد كبير من المنظمات الحقوقية، خاصة في ظل ترابطها بقضية رائف بدوي. وفي هذا الصدد، يؤكد علي الدبيسي بأن "المنظمات الحقوقية وحدها لا تستطيع تغيير الواقع (في السعودية)، ولكنها تمرّ حالياً بمرحلة تطور من الناحية الاحترافية والعملية، ما جعل الكثير من الحكومات تعتمد على تقاريرها وتأخذ بتوصياتها" قبل صياغة سياساتها تجاه الدول التي تنتهك فيها حرية الرأي وحقوق الإنسان.