حرب حماس وإسرائيل.. ما مدى قانونية عمليات القتل المستهدف؟
٢ أغسطس ٢٠٢٤أعلن الأربعاء (31 أغسطس/ آب) في طهران عن مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، الذي كان أحد القياديين البارزين في الحركة التي كانت تتفاوض للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة يسفر أيضا عن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالت حماس تحتجزهم.
وقال خبراء القانون في اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن مقتل هنية يمكن أن يندرج في إطار ما يُعرف بـ "عمليات القتل المستهدف". وأعطى الخبراء تعريفا لهذه العمليات بأنها "الاستخدام المتعمد والمخطط له مسبقا من قبل دولة أو جماعة مسلحة ضد فرد معين خارج نطاق الاحتجاز المادي".
ورغم عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن مقتل هنية، إلا أنه يُرجح أن إسرائيل تقف وراءه؛ إذ تمتلك سجلا طويلا من ارتكاب عمليات القتل المستهدف، لكنها تنفي ضلوعها. يٌشار إلى أن إسرائيل تخوض حاليا حربا ضد حماس في قطاع غزة منذ هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
يُذكر هنا أن حركة حماس، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
"الإحباط من الإرهاب"
في كتابه "القتل المستهدف في القانون الدولي" الذي نُشر عام 2008، قال أستاذ القانون نيلس ميلزر إن إسرائيل كانت على الأرجح أول دولة في العالم تعترف بسياسة القتل المستهدف وذلك في عام 2000.
وكانت الحكومة الإسرائيلية تنظر إلى مثل هذه العمليات باعتبارها تعبيرا عن "الإحباط من الإرهاب" فيما جرى تنفيذها والإعلان عنها خلال الانتفاضة الثانية عام 2000. وفي تلك الفترة، جرى استخدام مروحيات ومقاتلات وعبوات ناسفة من قبل إسرائيل ضد عناصر في المناطق الفلسطينية المحتلة تحت زعم أنهم "إرهابيون". وأفادت منظمة "بتسليم" الإسرائيلية الحقوقية بأنه جرى قتل "210 أشخاص" بما في ذلك مقتل 129 من المارة الأبرياء حتى عام 2007.
ولا تعد إسرائيل الدولة الوحيدة التي شرعت في تنفيذ عمليات القتل المستهدف؛ إذ تضم القائمة العديد من الدول بينها الولايات المتحدة وروسيا وسويسرا وألمانيا وبريطانيا. وقال خبراء القانون إنه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 أصبحت مثل هذه العمليات مقبولة بشكل متزايد.
ويندرج في هذا الإطار مقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، في باكستان عام 2011 وأيضا سلسلة من الاغتيالات عن طريق طائرات مسيرة. وفي هذا السياق، كشفت مجلة "دير شبيغل" عن أن الجيش الألماني لعب دورا مهما في عمليات القتل المستهدف التي طالت عناصر من حركة طالبان.
قانونية عمليات القتل المستهدف؟
تثير عمليات القتل المستهدف الكثير من الجدل خاصة إذا جرى تنفيذها في دولة أخرى تنظر إلى مثل هذه العمليات باعتبارها انتهاكا لسيادتها، لكن الغموض ما زال يكتنف مدى قانونية تنفيذ مثل هذه العمليات.
وفي إسرائيل، جرت مناقشة سياسة عمليات القتل المستهدف بعد محاولة منظمة حقوقية إسرائيلية- فلسطينية دفع المحكمة العليا الإسرائيلية إلى وضع نهاية لمثل هذه العمليات عام 2002 ، فيما استغرق حسم ذلك من قبل المحكمة خمس سنوات.
وقال قضاة المحكمة في ديسمبر/ كانون الأول عام 2006 إن "حكومة إسرائيل تستخدم سياسة الضربات الوقائية التي تتسبب في مقتل إرهابيين" فيما طرح رئيس المحكمة في حينه أهارون باراك تساؤلا مفاده: "في ضوء أن هذه الضربات تلحق في بعض الأحيان الضرر بالمدنيين الأبرياء، فهل تصرف الحكومة في هذه الحالة يتنافى مع القانون؟"
وجاء جواب المحكمة بأن الأمر "يتوقف حسب الحالة". وخلص الحكم الإسرائيلي إلى "أنه لا يمكن بشكل مسبق تحديد ما إذا كانت كل عملية قتل مستهدف محظورة وفقا للقانون الدولي بالتوازي مع عدم حسم ما إذا كانت كل عملية قتل مستهدف مسموح بها وفقا للقانون الدولي العرفي بشكل مسبق".
المزيد من التعقيد
وفي هذا الصدد، قال أستاذ القانون نيلس ميلزر إن هناك بعض العوامل الحاسمة حيال قانونية عمليات القتل المستهدف، فيما يكمن أبرز تلك العوامل في الإطار القانوني الذي يتم بموجبه تقييم مثل هذه العمليات بما في ذلك القوانين المحلية وما يُعرف بـ "قوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني".
يشار إلى أن القانون الدولي الإنساني، الذي يتم اللجوء إليه في أوقات النزاعات، يسمح في بعض الأحيان بارتكاب أعمال عنف معينة أثناء الحروب، بيد أن الخبير القانوني قال إنه حتى في حالة الارتكان إلى القانون الدولي الإنساني، فلا يزال من الممكن التشكيك في قانونية أي عملية قتل مستهدف لأن العنصر المستهدف "قد لا يكون مشاركا بشكل مباشر في الأعمال العدائية وقت مقتله".
ويندرج في إطار ذلك ما إذا كانت الدولة التي ارتكبت جريمة القتل المستهدف تعد قوة احتلال، وما إذا كان بإمكانها وضع حد للعنصر المستهدف عن طريق احتجازه وما مدى تطبيق القانون بشكل صارم في المنطقة المستهدفة بدلا من تنفيذ عملية قتل مستهدف وأيضا تحديد مدى المخاطر التي يواجهها المدنيون.
لا خطوط حمراء؟
في المقابل، تؤكد المنظمات الحقوقية على عدم قانونية عمليات القتل المستهدفة، محذرة من شيوعها في ضوء أن بعض الحكومات تعتبرها "وسيلة مفيدة".
وقد أشار صحافيون إسرائيليون بأن الحكومة الإسرائيلية قد استخدمت هذا التكتيك بشكل منتظم؛ إذ قال الصحافي الاستقصائي الإسرائيلي رونين بيرغمان في تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز "استنادا على تقاريري (الصحافية)، وجدت أن إسرائيل منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية استخدمت الاغتيالات وعمليات القتل المستهدف أكثر من أي دولة غربية أخرى مع تعريض حياة المدنيين للخطر في كثير من الحالات".
وجاء حديث بيرغمان في معرض حديثه عن كتابه الذي صدر عام 2018 تحت عنوان " انهض واقتل أولا: التاريخ السري للاغتيالات المستهدفة في إسرائيل."
وأضاف بيرغمان "لقد اكتشفت أيضا تاريخا طويلا من النقاشات الداخلية العميقة والمريرة في بعض الأحيان حيال قضية كيفية الحفاظ على الدولة. هل يمكن لدولة ما استخدام أساليب إرهابية؟ هل يمكنها إلحاق الضرر بالمدنيين الأبرياء في هذه العملية؟ وماذا هي التكلفة والمعاير التي تنظم ذلك؟"
أبرز عمليات القتل المستهدف المنسوبة لإسرائيل
خلال حقبة الستينيات، قامت إسرائيل بعدة محاولات لاغتيال رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في حينه، ياسر عرفات، بما في ذلك محاولة إسقاط طائرات ركاب كان على متنها ومحاولة دفع معتقل فلسطيني لقتله.
يشار إلى عرفات قد توفي في فرنسا عام 2004 عن عمر يناهز 75 عاما. وجرى الإعلان عن أن سكتة دماغية ناجمة عن اضطراب في الدم كانت السبب وراء الوفاة، لكن ذلك لم يضع حدا لشائعات زعمت أن إسرائيل وراء تسميمه فيما لم يتم الوقوف على صحة مثل الشائعات حتى بعد تشريح الجثة.
1996.. جرى قتل يحيى عياش، الذي عُرف بكونه "خبير المتفجرات" في حماس، عن طريق تفجير هاتف مفخخ بمجرد التعرف على صوته.
1997...قامت عناصر استخباراتية إسرائيلية بحقن سم في أذن خالد مشعل الذي كان فيه حينه يرأس المكتب السياسي لحماس وذلك أثناء وجوده في الأردن. وآثار ذلك غضب العاهل الأردني آنذاك الملك حسين الذي هدد بمحاكمة عملاء الاستخبارات الإسرائيلية وإلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل في حالة عدم إرسال الترياق الذي تسبب في نجاة مشعل.
2000... أطلقت المروحيات الإسرائيلية صواريخ صوب سيارة كان على متنها القيادي البارز في حركة فتح، حسين عبيات، في قريته بالضفة الغربية ما أسفر عن مقتله واثنين من المارة الأبرياء. ويرى خبراء إن هذا الهجوم مثل بداية سياسة إسرائيل في تنفيذ عمليات القتل المستهدف.
2002.. أسقطت إسرائيل قنبلة على منزل القيادي العسكري في حماس، صلاح شحادة، في غزة، مما أدى إلى مقتله وعائلته و12 من جيرانه.
2004.. تسببت غارة إسرائيلية في مقتل عدنان الغول، الذي عُرف بكونه خبير المتفجرات في حماس، ومساعده أثناء سفرهما في سيارة في غزة. وفي ذاك العام، قُتل أحمد ياسين، أحد مؤسسي حماس، بغزة في قصف عن طريق مروحية إسرائيلية. وشهد العام ذاته، مقتل عبد العزيز الرنتيسي، أحد مؤسسي حماس، بعد استهداف سيارته بصواريخ أطلقتها مروحية إسرائيلية.
2009.. أدى قصف إسرائيلي في غزة إلى قتل نزار ريان، القيادي السياسي في حركة حماس، مع تسعة من أفراد عائلته فيما شهد العام ذاته قتل سعيد صيام، القيادي الذي تولى وزارة الداخلية بعد فوز الحركة بانتخابات عام 2006.
2010.. قُتل محمود المبحوح، أحد مؤسسي الجناح العسكري في حماس، على يد عملاء إسرائيليين في فندق بدبي.
2012.. قُتل رئيس الجناح العسكري لحركة حماس، أحمد الجعبري، في غارة إسرائيلية استهدفت سيارته في غزة فضلا عن مقتل عشرة آخرين.
2023.. أدى هجوم بطائرة مسيرة إلى مقتل سيد راضي موسوي، القيادي بالحرس الثوري الإيراني، أثناء تواجده في دمشق. ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم.
أعده للعربية: محمد فرحان