حرب أوكرانيا: اختبار صعب للديمقراطية في ألمانيا وأوروبا
٢٤ مايو ٢٠٢٣لاجئون من الدرجة الأولى ولاجئون من الدرجة الثانية- هل يوجد في ألمانيا ودول أوروبية أخرى مثل هذا الأمر؟ الجواب: نعم وبوضوح، طبقا لتقرير الحقوق الأساسية لعام 2023. وذلك لأن اللاجئين من أوكرانيا يتمتعون بما يعرف بـ "لائحة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالتدفقات الجماعية". هذه اللائحة تهدف إلى منع وقوع حمل زائد على نظام اللجوء الأوروبي ويجري استخدامها هنا لأول مرة.
تسمح لائحة الاتحاد الأوروبي هذه للاجئين من أوكرانيا باختيار بلد الاتحاد الأوروبي الذي يريدون العيش فيه. ولا يجب عليهم تقديم طلبات لجوء هناك، ولكن يجب تسجيل أنفسهم فقط لدى السلطات. وبهذا يحق لهم التأمين الأساسي، حيث يكون بمقدورهم الإقامة لدى أفراد الأسرة أو الأصدقاء بعيدا عن الإجراءات البيروقراطية. ويمكنهم أيضًا البحث عن عمل والالتحاق بالمدارس والاستفادة من المرافق والخدمات الطبية.
من حيث المبدأ، هذا أيضا أمر جيد، بحسب ما يعتقد ماكسميليان بيشل من جامعة كاسل الألمانية. وكتب عالم القانون والسياسة في تقرير الحقوق الأساسية، الذي ينشر سنويًا منذ عام 1997: "فيما يخص المساعدات الإنسانية الفعالة، فإن إجراءً سريعًا من الاتحاد الأوروبي مهم خاصة أنه في الماضي كان غالبًا ما يكون غير متسق ورجعيا".
وتساهم في تقرير الحقوق الأساسية منظمات حقوق مدنية ومنظمات حقوق الإنسان، من بينها منظمة "برو أزول" ، و"الاتحاد الإنساني" و"جامعة الحقوق الإنسانية الدولية".
"معايير مزدوجة في سياسة اللجوء"
ومع ذلك، فإن القرار الذي يصب في مصلحة الأوكرانيين يأتي على حساب الأشخاص من دول المنشأ غير الأوروبية، بحسب ما ينتقد بيشل في تحليله الذي يحمل عنوان "معايير مزدوجة في سياسة اللجوء". لأنه من مجال تطبيق قرار الاتحاد الأوروبي، "سقط العديد من الناس من الدول الثالثة غير الأوروبية، الذين كانوا يعيشون في أوكرانيا حتى بداية الحرب".
ويرى الخبير بشؤون اللجوء أن هناك أيضًا "اختلافات سافرة" بالنسبة لإستقبال الناس الفارين من دول أخرى غير أوكرنيا. فهؤلاء مازال ينطبق عليهم واجب السكن في ما تعرف بـ"مرافق الاستقبال الأولية"، وهي في العادة أماكن إقامة جماعية.
البحر المتوسط من أكثر "الحدود المميتة في العالم"
ومن ناحية أخرى، فإن حرية الإقامة بشكل لامركزي لا تتيح فقط الفرار من الظروف الخانقة في أماكن الإقامة الرئيسية، "وإنما تخلق أيضا في الوقت نفسه وصولًا أسهل إلى المجتمع المستقبِل"، حسبما يؤكد الباحث القانوني والسياسي في مساهمته في تقرير الحقوق الأساسية.
ويؤكد بيشل أن التضامن الأوروبي مع الناس من أوكرانيا ينبغي ألا يخفي حقيقة أن "وضع اللاجئين عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مازال غير مقبول من الناحية القانونية". ويضيف أن البحر المتوسط مازال واحدا من أكثر الحدود المميتة في العالم.
الترحيب بالبعض وإغلاق الباب في وجه آخرين!
ووفقًا لذلك، يظهر بوضوح استنتاج يراه بيشل مفاده: "استقبالٌ للبعض وإغلاق الأبواب في وجوه البعض الآخر- هذا هو أساس سياسة اللجوء، التي لم تعد تُعلي معيارا عالميا، وإنما تتبع الأحداث السياسية اليومية فقط". وحتى إذا تم منح الحماية المؤقتة بدافع من نوايا حسنة في حالة أوكرانيا، فإن مثل هذه الأدوات تؤدي إلى تقويض لقانون لجوء عالمي.
هناك أيضا نقطة رئيسية أخرى يتناولها تقرير الحقوق الأساسية تتعلق بعواقب الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا مخالفة للقانون الدولي، وهي مسألة "الإمداد بالأسلحة والتسلح". فبعد ثلاثة أيام من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس عن "نقطة تحول"، أدت بدورها إلى إنشاء ما يسمى بـ"صندوق خاص للجيش الاتحادي" بقيمة 100 مليار يورو.
"التعديل الدستوري يتناقض مع وصية السلام"
ومن أجل ألا تكون الميزانية العسكرية الإضافية الممولة من القروض مخالفة لمبدأ كبح الديون، قام البرلمان الألماني (البوندستاغ) بتغيير في القانون الأساسي (الدستور) في يونيو/ حزيران 2022 بأغلبية الثلثين المطلوبة. ويقول أندرياس إنغلمان من الجامعة العمالية "University of Labour" في فرانكفورت "هذا التغيير الدستوري يتناقض مع وصية السلام الموجودة في القانون الأساسي".
ويجد رجل القانون بالفعل أن مسألة كبح الديون هي أيضا مشكوك فيها من الناحية القانونية. ومع ذلك، فإن إنشاء "صندوق خاص" بالجيش الألماني سيجعل التسليح مخالفا لنظام القانون الأساسي في نقطة دستورية خاصة. ويقول إنغلمان: "هذا يضعف القانون الأساسي أيضًا لأنه يفقد توجهًا في قوته كمعيار عندما تحدد الأغلبية السياسية اليومية محتواه".
انتقاد الحظر على بث وسائل الإعلام الحكومية الروسية
كما أن العواقب بالنسبة لحرية الصحافة وحرية التعبير وحرية المعلومات هي أيضًا موضوع في تقرير الحقوق الأساسية، والسبب هو: حظر وسائل الإعلام الروسية الموجهة للخارج مثل "روسيا اليوم" و"سبوتنيك". فقد قام مجلس الإشراف على وسائل الإعلام بألمانيا في أوائل فبراير/ شباط 2022 بحظر بث قناة روسيا اليوم باللغة الألمانية، وهي الفرع الناطق باللغة الألمانية لمحطة الدعاية التابعة للكرملين. وفي مارس/ أذار 2022، تبع ذلك أيضا حظر من قبل الاتحاد الأوروبي كجزء من العقوبات بسبب غزو أوكرانيا. وعلى أبعد تقدير منذ بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا (24/02/2022) يجري اعتبار "RT" (روسيا اليوم" جزءًا من دعاية الدولة الروسية. ومع ذلك، فبقدر كون العقوبات ضد وسائل الإعلام الحكومية الروسية "RT" و"سبوتنيك" مسألة مفهومة، بقدر ما أن الأساس الذي استند إليه الحظر قد يمثل إشكالية قانونية ودستورية للاتحاد الأوروبي، كما يقول رجل القانون رولف غوسنر.
ويعتبر الخبير بوسائل الإعلام أن حظر البث كجزء من تدابير العقوبات الاقتصادية والمالية الأوروبية مسألة "مشكوك فيها للغاية"، وأنه هذا من شأنه فرض رقابة على المحتوى وتشكيل الرأي. ويتابع أن حظر البث في الاتحاد الأوروبي يعتبر أيضًا تدخلًا في حرية المعلومات لمن يريد تعليم نفسه دون عوائق من مصادر يمكن الوصول إليها بشكل عام.
ويفهم غوسنر تحت ذلك أيضًا المعلومات والروايات "الغير حميدة" التي يقدمها "الجانب الآخر" - بغض النظر عن الموقف من المحتوى، سواء من الناحية النوعية أو الأخلاقية. والاستثناء هنا فقط هو الانتهاكات القانونية. وفي هذا السياق، يشير غوسنر، وهو مؤلف وناشر للعديد من الكتب، إلى الأحكام القضائية للمحكمة الدستورية الاتحادية، التي أعطت حرية المعلومات، بما في ذلك التنوع الإعلامي مكانة عالية وخاصة.
شروط مهمة للديمقراطية الحرة
ويقتبس رجل القانون من أحد أحكام أعلى محكمة ألمانية مايلي: "من بين الاحتياجات الأولية للبشر، إعلام أنفسهم عن طريق أكبر عدد ممكن من المصادر، لتوسيع معارفهم الخاصة وبالتالي التطور كشخصية". وعلاوة على ذلك فإن: "الحق الأساسي في حرية المعلومات، مثله مثل الحق الأساسي في حرية التعبير، هو أحد أهم الشروط الأساسية للديمقراطية الحرة".
مارسيل فورتسناو/ صلاح شرارة