لماذا لا يمكن مقارنة دويتشه فيله بـ "روسيا اليوم RT"؟
٧ فبراير ٢٠٢٢لقد تحولت وسائل الإعلام إلى هدف في الصراع المتصاعد بين روسيا والغرب، وذلك بعد أن سحبت وزارة الخارجية الروسية يوم الخميس الماضي رخصة البث الممنوحة لمؤسسة دويتشه فيله باللغات الإنجليزية والألمانية والروسية، وأمرت بإغلاق مكتبها في موسكو. هذه الخطوة تتبع قراراً لجهات التنظيم الألمانية بمنع مؤسسة "آر تي" الروسية من بث محتواها في ألمانيا.
يبدو أن رد الفعل الروسي يسير على مبدأ "العين بالعين"، ولكن بإلقاء نظرة أكثر تفحصاً على الوضع، نجد أن الأمر لا يعدو كونه مقارنة "بين التفاح والجزر"، لأن هناك فروقات كبيرة، سواء في المسار الذي اتخذته عمليتا الحظر، أو في المؤسستين الإعلاميتين. هذه الفروقات يمكن إجمالها في مصطلح "البُعد عن الدولة".
البُعد بسبب الدكتاتورية النازية
بعد حقبة التاريخ النازي المظلمة، تمت إعادة صياغة المشهد الإعلامي الألماني لمنع أي تحكم أو تدخل من قبل المتنفذين في الصحف أو قنوات الإذاعة أو الإعلام الإلكتروني.
دويتشه فيله، وأيضاً "آر تي"، أو روسيا اليوم سابقاً، مؤسستان إعلاميتان دوليتان تحظيان بتمويل حكومي. ولكي تبقى دويتشه فيله عاملة بعيداً عن أي تدخل حكومي وتتبع المعايير الصحفية، فهي لا تعد أحد أجزاء المكتب الصحفي الاتحادي. وبالرغم من أن تنظيمها الهيكلي حكومي عمومي، مما يعني أن تمويلها بند ضمن الموازنة الألمانية، إلا أن رئيس المؤسسة لا يخضع إلا لمحاسبة المجلس الإعلامي لدويتشه فيله، والذي ينتخب الرئيس لفترة تبلغ ست سنوات. وحتى لو تغيرت الحكومة في ألمانيا، مثلما حصل مؤخراً، فإن رئيس دويتشه فيله يبقى في منصبه.
يتكون المجلس الإعلامي لدويتشه فيله من 17 شخصاً يعملون بشكل تطوعي، ويتألفون من ممثلين للمجتمع المدني والنقابات والكنائس، والأحزاب السياسية أيضاً. ويختص هذا المجلس بمراقبة التزام دويتشه فيله بالقوانين الخاصة بها، لاسيما "إتاحة منبر لوجهات النظر الألمانية والأخرى، في قضايا هامة في مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد، سواء في أوروبا أو في قارات أخرى، بهدف تعزيز التفاهم والتبادل بين الثقافات والشعوب".
خط مباشر مع الكرملين
الموقع الإلكتروني باللغة الإنجليزية لمؤسسة "آر تي" الروسية يكتب أنها "منظمة مستقلة غير ربحية يتم تمويلها من الموازنة العامة للاتحاد الفيدرالي الروسي". لكن الموقع لا يتضمن معلومات حول مقدار ميزانيتها أو تنظيمها الهيكلي، أو الجهات المشرفة عليها. كما يتضح أيضاً أنها لا تتمتع بنفس البُعد عن الدولة كما هو مطبق في ألمانيا.
وفي عام 2015، عندما قام مراسل مجلة "تايم" في موسكو، سايمون شوستر، بزيارة رئيسة تحرير "آر تي"، مارغاريتا سيمونيان، في مكتبها، استرعى انتباهه هاتف أصفر قديم على طاولة المكتب لديها. وبسؤالها عنه، قالت سيمونيان إنه خطها الآمن المباشر إلى الكرملين "من أجل مناقشة أمور سرية".
وتشغل سيمونيان منصب رئيسة تحرير المؤسسة الإعلامية الروسية منذ تأسيسها عام 2005، وتعتبر أنها تخوض حرباً معلوماتية مع العالم الغربي بأكمله، وتصف دور مؤسستها بأنه "الدفاع عن بلادنا، مثل الجيش".
في عام 2013، أعلن الرئيس الروسي بأن "آر تي" لا بد أن تعكس الموقف الرسمي للحكومة الروسية بخصوص الأحداث في بلادنا وبقية العالم". وفي مقابلة مع شبكة "إس دبليو آر" الألمانية، اعتبر الخبير في الشؤون الروسية لدى الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية، شتيفان مايستر، "آر تي" أداة بروباغاندا. وأضاف مايستر: "إنها (آر تي) أداة من أدوات السياسة الخارجية الروسية ذات أهداف محددة للغاية. إنها قناة تتحكم بها وزارة الخارجية، بالإضافة إلى مؤسسات حكومية أخرى".
لا رخصة .. ولا مهمة
كانت هنالك اختلافات في التعامل مع المؤسستين الإعلاميتين. فبالنظر إلى منع "آر تي دي إي" من البث في ألمانيا، فقد جاء القرار من جهة رقابية مستقلة، ألا وهي لجنة التصاريح والرقابة التابعة لمؤسسة البث في ولاية برلين-براندنبورغ. وبررت اللجنة قرار المنع بأن RT "تفتقد إلى الترخيص القانوني الإعلامي"، وأنها لم تقدم طلباً لاستصداره منذ بدء بثها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ربما لأنها لا تمتلك ميزة البُعد عن الدولة.
ويحظر العقد الحكومي الخاص بالإعلام إصدار تراخيص بث – باستثناءات – لجهات حكومية، محلية أو دولية. في مقابل ذلك، تعتبر الشركة الأم لـ"آر تي"، وهي "تي في نوفوستي" رخصة للبث في صربيا، كافية للعمل في ألمانيا!
هذا ما تعترض عليه جهة الرقابة الألمانية، والتي تعتبر نفسها الجهة المسؤولة، كون "آر تي دي إي" تمتلك ستوديو بث في برلين ولها مقر فيها. لكن ذلك لا يعني، أن صحفيي "آر تي" لا يمكنهم العمل في إطار حرية الإعلام المكفولة في ألمانيا، فهم ما يزالون يحضرون المؤتمرات الصحفية للحكومة الألمانية. كما أن بإمكان "آر تي دي إي" العمل من خلال موقعها الإلكتروني ونشر مقاطع الفيديو التي تنتجها، ولكن بدون القدرة على البث المباشر.
كما أنه في روسيا، يضطر الصحفيون الأجانب لاستصدار اعتماد صحفي من أجل العمل هناك، وهي عملية غالباً ما تجافي الشفافية. أما في ألمانيا، فإن "آر تي دي إي" يمكنها تشغيل صحفيين ومراسلين دون اعتمادات.
فيما يتعلق بدويتشه فيله، فإن قرار إغلاق مكاتبها في موسكو وسحب تراخيص البث التي تمتلكها تم بإعلان من وزارة الخارجية، في خطوة سياسية واضحة. وبهذا، ترد روسيا على "المعاملة غير الودية لجمهورية ألمانيا الاتحادية" تجاه "آر تي دي إي"، بحسب ما ورد في بيان الوزارة.
يشار إلى أنه، على سلم حرية الصحافة، تشغل روسيا المكان الـ150 من بين 180 دولة حول العالم.
ماتياس فون هاين/ ي.أ