حاويات البضائع تُعيد المسرح إلى الجمهور
١٢ نوفمبر ٢٠١٣ساحة باب الأحد بحراكها المعروف هي مزار لأغلب سكان الرباط لقضاء احتياجاتهم اليومية. في هذه الساحة الضاجة بالحياة والحركة اختارت الفنانة لطيفة أحرار أن تنجز مشروعها الذي ظلت تشتغل عليه لسنوات وهو تحويل حاويات تخزين البضائع إلى فضاء مسرحي مفتوح يكون رواده هم الطبقة الشعبية من سكان الرباط "اخترت الشارع العام وبالخصوص ساحة باب الحد لأنها فضاء فني وثقافي بامتياز فهي مزيج من العادات والتقاليد ومركز لالتقاء مختلف الأجيال فما فائدة المسارح المغلقة بدون جمهور حي وهذا ما يمنحه لنا الشارع إنه الحياة" تقول الفنانة لطيفة أحرار في حديث مع DWعربية.
لماذا تحولت الحاويات إلى مكان لعرض المسرحيات ؟ تقول المجددة لطيفة أحرار "الفن هو الحياة واستخراج الإبداع من قلب المعاناة وهذا ما قمنا به من خلال تحويل الحاويات الصلبة والجامدة إلى مكان لتفجير طاقات الفنانين الشباب ".
منابر الرأي نبتت من حاويات الموت
حاويات زينتها رسومات الغرافيتي وجرى تأهيلها لتكون مسرح شارع بمحاذاة سور المدينة العتيقة في الرباط في تمازج بديع بين أصالة التاريخ وبين أشكال الإبداع المعاصرة، "لقد جعلنا من الحاويات التي كانت مرتبطة بأنها مكان لموت عدد من الشباب الذين حاولوا الهجرة إلى أوروبا إلى مكان للتعبير عن أنفسنا والتعبير عن معاناة المواطن البسيط" يقول عثمان السلامي رئيس فرقة En'Corpsالمسرحية التي شاركت في أيام Cont'Art، عثمان اعتبر أن فكرة عرض مسرحية في الشارع العام هي فكرة جديدة وجيدة معتبرا أن أي شكل إبداعي ينبع من ضمير الشعب ومعاناته وهمومه اليومية سيعود في النهاية إلى الحضن الذي أواه أي الشعب باعتباره جمهور المسرح الوحيد.
إلى نفس الفكرة ذهبت لطيفة أحرار مشيرة إلى أن الشارع هو الجمهور الأصلي ولابد للفنان أن يبقى قريبا منه ، مشيرة إلى أن "الحلقة" التي تعتبر أصل المسرح في المغرب لم تكن تعرض في فضاءات مغلقة ولكن في الساحات المفتوحة وهو ما يفسر أنها مازالت تشكل عنصرا حيويا في الموروث الثقافي المغربي " وشخصيا أحب أن أقدم عروضي في الأماكن العمومية والمفتوحة لأنها تجعلك في تواصل مباشر مع الناس وتنخرط معهم في حالة من تبادل المشاعر والهموم".
إقبال شعبي كبير
الحاويات التي أثارت اهتمام عديد من الناس ولاقت إقبالا كبيرا من سكان الرباط بمختلف أعمارهم وهم لم يتعودوا أن يفتح لهم المسرح أبوابه بالمجان ، بل أن العرض المجاني كان أول عرض في حياة البعض كما يقول سعيد الذي حضر مع أبنائه لمشاهدة عروض مسرحية لم يتمكن أبدا من الاستمتاع بها عندما كانت تعرض خلف أسوار المسرح الوطني " لم أزر المسرح في حياتي نظرا لقلة ذات اليد والإمكانيات المادية المحدودة لكني سعيد أن أجد أن عروض مسرحية تعرض في الشارع العام وبالمجان".
وشكلت هذه التظاهرة الفنية فرصة لقاء لعدد من الفنانين الشباب للتعرف وتبادل الأفكار والآراء كما يقول حميد رضا عضو في فرقة مسرحية شابة .
وإذا كانت الفنانة لطيفة أحرار قد منحت للشباب فرصة اللقاء مع الجمهور "والتأكيد للمسؤولين على أن الثقافة هي حق لجميع المواطنين وبأنه يجب الاستثمار في الميدان الثقافي بشكل كبير من أجل دمقرطة الولوج إلى الفنون بمختلف أشكالها" كما تقول فإن تحويل هذه الحاويات إلى منابر للتمثيل وعرض الرأي ، تخلق مساحة اكبر للحرية بين الناس وتزيل عقبة الحاجز المادي التي تمنع الكثيرين من مقاربة عالم المسرح.
المبادرة خرجت بالفن من برجه العاجي
ضرورة تدخل الدولة من أجل دعم مثل هذه المبادرات أكدت عليه أيضا حنان رزقي رئيسة تحرير "مجلة السنيما" التي قالت لDW عربية بأنها "مبادرة شخصية ، وعلى الرغم من أهميتها لكنها لا تكفي ويجب تدخّل الدولة في هذا المجال ".
كما أشارت رزقي إلى أن المجال الفني المغربي مازال يعاني من الكثير من المشاكل التي يجب حلها مشيرة إلى أن هناك هوة كبيرة بين الشعب والفنون الجميلة غير المتاحة لعموم المواطنين ، وقد تحولت الى فنون نخبوية ، وأشارت رزقي إلى" أن هناك غيابا للتواصل بين الفنانين والجمهور، والدولة عليها أن تسهر على أن يكون هناك تماس دائم بين المواطنين والفن لأنه لا يوجد أي نهضة حقيقية من دون نشاط ثقافي مهم".
حنان رزقي أثنت على فكرة حاويات الفن التي جعلت من الطبقة الشعبية جمهورها الأساسي "ذلك أن الفن عبر التاريخ لم يكن من الطبقة الأرستقراطية وإنما كان تأريخا لمعاناة الشعوب " وهذا أساس فكرة حاويات الفن التي عرفت مشاركة مهاجرين أفارقة يعيشون بطريقة غير شرعية في المغرب كدليل على الانفتاح وبأن الفن لا يعترف بأي حدود وهو أيضا "وسيلة للتعبير عن أمالنا وأحلامنا كشباب مغربي يطمح في أن يساهم في تحسين الذوق الفني لدى المجتمع المغربي بمختلف شرائحه" كما قال عثمان السلامي الذي عبّر صوته عن مئات من شباب المغرب.