حالات فساد في إفريقيا بين أيدي القضاء الأوروبي
٢٢ فبراير ٢٠١٩جان جاك لومومبا يريد معرفة الحقيقة. لكن هذا غير مرغوب فيه في وطنه جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي كينشاسا كان لومومبا يترأس قسم القروض في بنك غابوني عندما انتبه لتحويلات مالية مشبوهة. وعندما نبه قيادة الإدارة، تغيرت حياته بين عشية وضحاها: لقد تم إجباره تحت قوة السلاح على الصمت، وفر بعدها إلى فرنسا.
هناك قام لومومبا بالكشف عن هذه الحالة علنا وتحول إلى كاشف فساد. مبلغ مالي بأكثر من 40 مليون يورو وجب بمساعدة رب عمله السابق غسله:" هذه التحويلات المالية شاركت فيها شركات كانت مقربة من الرئيس السابق يوزيف كابيلا"، يقول لومومبا في حديث مع DW "والبنك تم تسييره سابقا من قبل شخص مقرب من الرئيس".
داوود ضد جالوت
والآن رفع لومومبا، حفيد بطل الاستقلال الكونغولي، باتريس لومومبا دعوى في هذه القضية أمام محكمة فرنسية. إنها معركة بين "داوود وجالوت"، كما يقول المحامي هنري توليي. ولكن هناك أمل في أن يكسب داوود المعركة.
وهذه ليست حالة وحيدة في أن تصل حالات الفساد لرجال سلطة أفارقة إلى المحاكم الأوروبية. وعلى هذا النحو تم اتهام تيودورين أوبيانغ، ابن رئيس غينيا الاستوائية في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 باختلاس أموال عامة وغسلها: وحكمت عليه محكمة فرنسية غيابيا بالسجن ثلاث سنوات. واقيم الحجز على ممتلكاته الفرنسية، بينها فيلا بقيمة نحو 100 مليون يورو .
ويُعد الحكم نجاحا بالنسبة إلى منظمة مكافحة الفساد شيربا، ولمنظمة الشفافية الدولية اللتان تجدان من أجل استجلاء جوانب هذه الحالة وهي من بين النجاحات القليلة التي حققتاها. وانتهت محاكمة سويسرية ضد أوبيانغ في شباط/ فبراير الجاري بنوع من التسوية. وغينيا الاستوائية الغنية بالنفط دفعت مليون يورو كتكاليف محكمة. كما سيتم عرض 25 سيارة فاخرة محتجزة للمزاد العلني التي هي في ملكية ابن الرئيس. وهذه الإيرادات ستعود لأهداف اجتماعية في بلد أوبيانغ. إلا أنه بإمكان أوبيانغ الاحتفاظ بيخت فاخر بمئات الملايين من اليورو كانت في صلب المحاكمة.
وبالنسبة إلى سارة سعدون من منظمة هيومان رايتس ووتش تكون هذه النتيجة في تعارض مع حياة الترف لابن الرئيس التي يكشف عنها في مواقع التواصل الاجتماعي. ومن بين السيارات المحتجزة توجد حسب وسائل إعلام سويسرية نماذج نادرة مثل بوغاتي فيرون أو سيارة كونيغسسيغ سويدية توجد منها فقط عشرات على مستوى العالم. وقيمة البيع تصل إلى نحو مليوني يورو للواحدة.
نقص في قوانين موحدة
وتقول سعدون في حديث مع DW :" الفساد في البلاد ساهم بصفة مباشرة في إهمال قطاع التعليم والصحة. وغينيا الاستوائية بها أعلى ناتج محلي قومي للفرد الواحد في القارة، لكن أضعف نسبة تطعيم طبي في العالم". واكتسبت البلاد في التسعينات بفضل استخراج النفط ثراء كبيرا، إلا أن السكان لا يستفيدون حتى اليوم من ذلك، كما بينت هيومان رايس ووتش في تقرير.
وتقول غيليان ديل من منظمة الشفافية الدولية:"يوجد تقدم ضعيف في هذا المجال". وتبذل منظمتها الجهد من أجل الكشف عن عدة حالات فساد وغسل أموال، إلا أن تحقيقاتها التي بدأت في فرنسا ضد الرئيس الغابوني علي بونغو تم وقفها في 2017 بسبب نقص الأدلة. وتقول ديل:" نحن نحتاج إلى تقدم ليس فقط في الملاحقة الجنائية، بل أيضا في الوقاية من غسل الأموال". وفي هذا الإطار وجب على الشركات المالية والمؤسسات المشاركة في الإبلاغ عن الحالات المشكوك فيها. وتبذل منظمة الشفافية الدولية الجهد منذ سنوات للتوصل إلى قوانين موحدة في أوروبا.
ويقول المحامي البرتغالي، روي فيردي بأن المحاكم في أوروبا ماتزال متحفظة عندما يرتبط الأمر بالكشف عن جوانب هذه الحالات، فهناك الخوف من مواجهة تهمة الاستعمار الجديد، وهذا ينطبق أيضا على القوة الاستعمارية السابقة البرتغال. ففي كانون الأول/ ديسمبر الماضي حكم قضاء البلاد على مدعي برتغالي بالسجن ستة أعوام وثمانية أشهر، لأنه تلقى أموالا من نائب رئيس أنغولا، مانويل فسينتي لوقف تحقيقات ضده بسبب الفساد. وتخلت البرتغال عن التحقيقات ضد فسينتي لصالح أنغولا.
جان جاك لومومبا، الكاشف عن الفساد من كينشاسا تقدم حاليا بدعوى من أجل الحصول على تعويض بسبب الظلم الذي مارسته البنك ضده. ويخشى لومومبا على حياته بعيدا عن وطنه، إلا أنه لا يفقد الثقة، ويقول بأن "الحقيقة لا يقابلها ثمن، وحتى لو لم أعد موجودا، فإنّ نضالي سيستمر، وهو نضال ليس فقط لي، بل لجميع الكونغوليين". ومدير البنك المقرب من الرئيس كابيلا تمت ترقيته إلى قيادة المؤسسة في الغابون، وهذا إجراء عادي، كما يعلن البنك.
فليب زاندنير/ م.أ.م