حافلات الاحتشام ـ محكمة إسرائيلية تفصل بين الجنسين في وسائل النقل
٩ فبراير ٢٠١١يشكل الحريديم، أي اليهود المتدينون المتشددون، فدرالية من مئات المجموعات اليهودية من أصل أوروبي. وتختلف هذه المجموعة في عاداتها وتقاليدها عن بقية اليهود وتتبع عددا من زعماء ذوي مذاهب دينية متباينة. كما يختلف الحريديم عن اليهود المتدينين الشرقيين من حزب شاس، الذين يتبعون الحاخام الأكبر عوفاديا يوسف. وتبلغ نسبة الحريديم حوالي 10% من السكان أو ما يقارب 700000 شخص، يفرضون قيودا على الاختلاط بين الرجال والنساء الذين لا تربطهم صلة قرابة.
قرار توافقي
ولدت ظاهرة الفصل بين الجنسين في الحافلات العامة قبل عشرة أعوام وتوسعت شيئا فشيئا لتشمل 60 حافلة تربط بين المدن المأهولة بالحريديم. وعرّض الفصل أحيانا النساء لإهانات لفظية وأحيانا أخرى لإهانات جسدية من ركاب ذكور، طلبوا منهن تغيير أماكنهن والجلوس في مؤخرة الحافلة، مما دفع بمنظمات دينية وليبرالية بتقديم التماس لمحكمة العدل العليا ضد حافلات الفصل بين الجنسين والتي باتت معروفة بـ"حافلات الاحتشام"، وذلك بعد عجز وزير المواصلات في الفصل في هذا الأمر. وُيعتبر قرار المحكمة، الذي يعتمد الفصل، حلا وسطا يشترط إلزام القائمين بالمزيد من عمليات التفتيش والمراقبة في حافلات الاحتشام لمراعاة تخيير المرأة.
تشدد ديني في إسرائيل
وكان الفصل بين الجنسين لدى المجتمعات المتدينة مقتصرا على الفضاء العام مثل برك السباحة والصلاة في الكنس، حيث توسعت رقعته لتشمل أحيانا عيادة طبيب الأسنان والطابور في السوبر ماركت وحتى في بعض حدائق لعب الأطفال ومحاولة فاشلة لفرضه على الشارع عشية عيد المظلة (وهو عيد يهودي يطلق عليه أيضا عيد العرش ويأتي بعد يوم الغفران). ويستشف من استطلاع للرأي قام به مكتب الإحصاءات المركزية، أن 63% من الإسرائيليين يلمسون تشددا دينيا متزايدا في إسرائيل. ومن المفارقات التي يكشفها الاستطلاع أن 57% من الجمهور يؤيد فصل الدين عن الدولة فصلا مطلقا فيما يتطلع إلى تعميق الدراسة عن الدين في المدارس.
الفصل مناهض لروح الديانة اليهودية
ويرى الحاخام والباحث نفتالي روتنبرغ، من معهد فان لير بالقدس، وهو من المراكز الفكرية الهامة في إسرائيل، بأن "التيارين المتشدد والإباحي وجهان لعملة واحدة لأنهما يهملان القيم ويركزان على الجنس لدى المرأة كل من منظوره العقائدي". ويؤكد الحاخام روتنبرغ، في حوار مع دويتشه فيله، بأن هذا "التشدد بعيد عن روح الديانة اليهودية؛ فحتى النصوص الدينية فيها غزل ولم نسمع انتقادا موجها لنشيد الإنشاد في الكتاب المقدس مثلا. كما أن الحريديم خارج إسرائيل كانوا وما زالوا يستخدمون المواصلات العامة المختلطة".
أما الباحثة تمار الؤر، الأستاذة في قسم العلوم الاجتماعية في الجامعة العبرية، فترى بأن الطبقة السياسية الحريدية تقدم غطاء لأصحاب هذا التوجه. وتقول الؤر، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "هذه الظاهرة تحظى بالدعم السياسي من ممثلي الحريديم في الكنيست وفي الحكومة الإسرائيلية الائتلافية" الحالية برئاسة بنيامبن نتانياهو.
الفصل نعمة أم نقمة
"إن الفصل بين الجنسين يتوخى الستر، وهو توجه قديم العهد في منطقة الشرق الأوسط"، كما تقول عالمة الاجتماع الؤر. وحسب الباحثة الإسرائيلية فإن "أسبابه تعود لطبيعة الحياة التي تفصل بين المحيط الخاص للمرأة، حيث تقوم بالتدبير المنزلي وتربية الأطفال، والمحيط العام الذي يعمل فيه الرجل. فالفكرة الأساسية هي حماية المرأة من جهة ومن جهة أخرى الحيلولة دون استراق النظر إلى ملكية الرجل الخاصة".
ويأتي هذا التشدد بعد أن اقتحمت المرأة المتدينة الفضاء العام وصارت عرضة أكثر للاحتكاك بالجنس الخشن. وترى بعض المتدينات أن "محاولات الفصل ليست حكرا على إسرائيل بل جربت في مدن مأهولة بالسكان لتجنيب الجنس اللطيف التعرض للتحرش والمضايقات"، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا ثارت ثائرة "منتدى كوليخ للنساء المتدينات"؟. تجيب زهافا، وهي عضو في المنتدى، في تصريح صحفي: "لأن الفصل حتى في الكنس، هو عرف وليس فرضا منصوصا عليه في الشريعة اليهودية إلى ذلك فإن فيه إذلالا للمرأة وانتقاصا من حقها في المساواة".
الصراع يزيد من ضراوة التشدد
ويؤكد الحاخام روتنبرغ أن الصراع بين المتشددين ودعاة الإصلاح يخفي دوافع سياسية تعود بالمنفعة على المنظمات ذاتها، بدلا من خدمة مصلحة النساء: "من الأفضل غض النظر عن فئة صغيرة بدلا من تضخيمها كفئة ذات مصدر قوة". البروفسور الؤر تخالفه الرأي قائلة: "إن التنازل عن مبدأ المساواة في الحقوق وتفضيل فئة على غيرها فيه مخاطر جمة، لا يمكن لدولة ديمقراطية، متعددة الثقافات والأجناس، مثل دولة إسرائيل مسايرتها. وتضيف "إن الحريديم في محاولة مستمرة لاختبار حدودهم ومدى التجاوب والتجاذب معها، سواء كانت هذه الحدود داخل معسكرهم أو مقابل المعسكر العلماني".
الحل ليس بالفصل
هذا ويتفق المتدينون المعتدلون مع العلمانيين على أن الطريق الأفضل لتحقيق "الستر" هو ليس بالفصل الذي تدفع ثمنه المرأة لأنها الحلقة الأضعف، بل بالتعليم والتوعية ومن خلال التوافق بدلا من التناحر.
ليندا مينوحين عبد العزيز ـ تل أبيب
مراجعة: أحمد حسو