جولة في جبهة الزنتان الساخنة: ثوار من كل الفئات والأعمار
١٤ أغسطس ٢٠١١بعد ساعتين ونصف من السير وصلنا إلى مدينة الزنتان، التي تبعد قرابة 250 كيلومتر عن الحدود التونسية. علم الثورة فوق كل بيت، وعند كل مدخل توجد مجموعة من الحرس على البوابات وهي عبارة عن نقاط تفتيش. أوقفوا سيارتنا وتحققوا من هويتنا كصحفيين ثم سمحوا لنا بالدخول. وما يشد انتباهك فور وصولك للمدينة الجدران التي كتبت عليها شعارات عديدة أبرزها: "الشعب يريد إسقاط النظام، ارحل يا قردافي. النصر أو الموت". والزنتان معقل الثوار، يقصدها الشباب من كل مدن وقرى ليبيا لتلقي التدريب وتنظيم صفوفهم لينطلقوا منها إلى جبهات القتال.
وفي زيارة ميدانية لأحد المعسكرات التدريبية قابلنا جماعات وأفرادا من مختلف مناطق ليبيا لا تستطيع التمييز بينهم إلا من خلال العبارات التي يكتبونها على سياراتهم فهؤلاء ثوار صبراتة وأولئك ثوار الزاوية وآخرون من الصيعان وهكذا. تحدثنا إلى مجموعة منهم أطلقوا على كتيبتهم اسم "كتيبة شهداء مصراتة". أكدوا لنا بأنهم هنا لمساندة الثورة وأنهم مستعدون لدفع الثمن مهما كان باهظا في سبيل الحرية والاستقرار.
الزنتان تحتضن الثوار من كل ليبيا
ولما سألنا عن سبب اختيار منطقة الزنتان، قال أحد الثوار، ويدعى أحمد، بأنه من منطقة زليتن الواقعة تحت حكم كتائب القذافي. وأضاف لدويتشه فيله أن أهل الزنتان "أخوتنا وساعدونا بجميع الإمكانيات المادية والمعنوية. لقد فتحوا لنا بيوتهم ودربونا على السلاح". وأردف أحمد قائلا: "لسنا إرهابيين، إنما اضطررنا لحمل السلاح في وجه النظام لأنه هتك أعراضنا".
تركنا المعسكر باتجاه السوق الواقع في مركز المدينة. سيارات رباعية الدفع تحمل أنواعا من الأسلحة تجول في السوق بينما ترى البضائع معروضة على الطريق. البنزين والسجائر من أهم البضائع، بالإضافة إلى الخضر والفواكه.
وبدون سؤال تقرأ في وجوه الناس غلاء الأسعار. "هذا هو حال الثورة". هذا ما قاله لنا عمي رمضان بعد أن عرف أننا غرباء عن المنطقة. وأضاف أن جميع السلع المعروضة تأتي من تونس أو من الجزائر عبر الحدود، أما باقي المواد الغذائية فجميعها تبرعات من دول شقيقة. وما يميز المنطقة هو التضامن بين العائلات والتلاحم بحكم علاقة القرابة التي تربط بين سكان الزنتان وخصوصا في شهر رمضان فالتكافل بين الأسر أمر لا بد منه بحسب تقاليد أهل المنطقة.
من هم الثوار؟
الثوار، كلمة لا تشمل الشباب المقاتلين في الجبهات فحسب. لقد تأكدنا من ذلك عندما قابلنا جمال الميكانيكي، الذي يعمل بورشة المدرعات ويقوم بتصليح الآليات الحربية تطوعا. وفي سبيل خدمة "ثورة السابع عشر من فبراير" عكف جمال، إلى جانب عدد كبير من رفقائه، على تقديم المساعدة في إصلاح المدرعات التي غنمها الثوار من كتائب القذافي في المعارك. ويقوم جمال والفريق العامل معه على ضمان سلامة المركبات، حاله في ذلك حال صلاح الذي سخر سيارته لنقل المؤونة إلى الثوار. فالجميع يساعد بما أوتي من قوة في تناغم والهدف واحد.
قراءات في وجوه هؤلاء الثوار، يقول الدكتور مسعود الزنتاني، تكتشف منها أنهم أناس مدنيون وتدينهم عادي ولا يعانون في منطقتهم أعراض التطرف الديني. ويضيف الزنتاني أن همّ هؤلاء "الحرية والعدالة والتنمية التي لم يتمتعوا بها في زمن حكم القذافي. فالتهميش طالهم على مدى أربعين عاما عانوا فيها من تدني الخدمات التعليمية والصحية وفي قطاع البنية الأساسية". كما جرهم القذافي، والكلام للزنتاني، لمواجهات دولية وصراعات مسلحة التهمت الجزء الأكبر من ميزانية الدولة النفطية".
العفوية الثورية
أما زميله الدكتور عبد الحفيظ القيب فيرى أن هده الثورة عفوية بالمطلق. فبعدما طلب القذافي من أبناء الزنتان مواجهة أخوتهم في بنغازي رفض الشباب ذلك بسبب تضررهم أيضا من نظام العقيد. وهكذا بدأ أهل الزنتان حركتهم الاحتجاجية بحرق مقر المثابة الثورية في المدينة، ما جعل الشباب يلتفون يتضامنون مع بعض، كما دعم أعيان المنطقة قضيتهم.
وقامت ثورة الشباب على أساس شعورهم بالتهميش والبطالة مع العلم أن المنطقة تمر بها أربعة أنابيب للبترول والغاز، ولكن المنطقة لم تستفد من أي مشروع اقتصادي لتنمية المدينة بالإضافة إلى البنى التحتية التي تكاد تكون منعدمة.
ويشرح عبد الحفيظ القيب لدويتشه فيله خصوصية الزنتان بالقول: "إن شباب الزنتان لم يرفعوا كلمة لا في وجه النظام من قبل رغم شعورهم بالغبن والظلم نتيجة القبضة الحديدية للقذافي على المنطقة. ومع دخول وسائل وتكنولوجيا الإعلام الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تمكن الشباب من "تعرية الحقائق وكشف المستور، وهو ما أعطى دفعا قويا للثورة بالإضافة إلى الموقع الجغرافي للبلاد وتوسطها ثورتي تونس شرقا ومصر غربا" .
إلى آخر واحد فينا
ويقول عبد الله ناكر، الذي يبلغ من العمر أربعة وثلاثين سنة وهو قائد عسكري التقيناه في منطقة بئر الغنم بعد معركة واد الاثل، أن الشباب عازمون على تحرير ليبيا من القذافي ولو ألزمهم ذلك دفع حياتهم مقابل أن يعيش من ياتي وراءهم بحرية. فالأرض التي لا نضحي من اجلها لا نستحق العيش عليها.
ويضيف عبد الله ناكر لدويتشه فيله بالقول: "نحن كشباب واع ندافع بشراسة إلى آخر نفس. ويتساءل ناكر: لم الخوف؟ عرفناه لأكثر من أربعين سنة؟ ما الفائدة من العيش خائفا؟ أحس وكأني ولدت من جديد. معنويات الشباب مرتفعة رغم عدد الشهداء الذين فقدناهم في ساحات المعارك".
جمال العريبي ـ الزنتان
مراجعة: أحمد حسو