جولة شتاينماير المغاربية - أولوية الأمن ومكافحة الإرهاب
٢٥ يناير ٢٠١٥اختتم وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير اليوم الأحد (25 يناير/ كانون الثاني) في الجزائر جولة مغاربية استغرقت أربعة أيام استهلها الخميس الماضي في المغرب وقادته إلى تونس. وقد تناولت المحادثات الثنانية في المنطقة عدة ملفات، أهمها الملف الأمني وسبل تكثيف التعاون بين الاتحاد الأوروبي والمنطقة المغاربية في مكافحة الإرهاب. وعن جولته المغاربية قال وزير الخارجية الألماني: "لقد كانت زيارة مثيرة جدا، ولقد سررت جدا بأننا لسنا الوحيدين الذين على قناعة بضرورة دعم التعاون وتحسينه بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه الجنوبيين".
ملف الأمن - المحور الأبرز
في المغرب بحث الوزير مع الملك المغربي محمد السادس وعدد من كبار المسؤولين المغاربة "رهانات الأمن ومكافحة الإرهاب في منطقتي المغرب والساحل"، وفق بيان للديوان الملكي نقلته وكالة الانباء الرسمية. وتبدي الرباط قلقها حيال ظاهرة الجهاديين وخصوصا أن نحو الفين من مواطنيها انضموا إلى صفوف التنظيمات الجهادية خلال الأشهر الأخيرة، بحسب أرقام رسمية.
أما في تونس، فقد تعهد شتاينماير بمساعدة خاصة في مكافحة الاضطرابات القادمة من ليبيا المجاورة، التي تشكل "تهديدا لتونس"، على حد تعبيره. كما أعلن شتاينماير مع نظيره التونسي فيصل قويعة تعزيز التواصل بين سلطات الأمن في البلدين. وأكد شتاينماير ضرورة تجنب "تدفق الأسلحة والأصوليين المتطرفين" من ليبيا. يذكر أن ألمانيا وردت إلى تونس بالتعاون مع فرنسا معدات تستخدم في الرقابة على الحدود، مثل الكاميرات الحرارية. وقال شتاينماير: "نعلم أنه حتى سلطات الأمن وقوات الجيش المسلحة تسليحا جيدا لا يمكنها حل مثل هذا النزاع الموجود في ليبيا. هذا الأمر يتطلب حلا سياسيا." وقال شتاينماير: "لا ينبغي علينا السماح لهؤلاء الإرهابيين بتقسيمنا (...) الإرهاب ليس له دين. إنه عدونا جميعا - سواء كنا مسيحيين أو مسلمين أو يهودا".
يذكر أن نحو 3000 شاب تونسي غادروا للقتال في صفوف تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، فيما بلغ عدد الجهاديين الذين غادروا ألمانيا 600 شاب. وفي هذا السياق، قال شتاينماير " أجهزتنا الاستخباراتية ستعمل مع بعضها البعض بشكل وثيق" من أجل مكافحة فعالة لظاهرة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات، خاصة وأن الإرهاب لا يهدد أمن المنطقة المغاربية فحسب، بل اتضح بعد اعتداءات باريس بأنه يهدد أمن أوروبا أيضا. ولدعم جهود الجزائر في هذا المجال، أكد شتاينماير أن ألمانيا على استعداد لدراسة الطلبات الجزائرية العسكرية، داعيا الى تعزيز التعاون الدولي من أجل مكافحة فعالة لظاهرة الارهاب من خلال تبادل المعلومات.
تعهد بالدعم الاقتصادي
ولم يغب الملف الاقتصادي عن المحادثات الألمانية-المغاربية، حيث بحث شتاينماير مع نظيره المغربي سبل تعزيز الشراكة الاقتصادية وخصوصا في مجال صناعة السيارات والطائرات والبنى التحتية والطاقات المتجددة. وفي تونس أكد شتاينماير "حرص ألمانيا على بلورة شراكة حقيقة خاصة في المجال الاقتصادي." أما الجزائر فقد حظيت باهتمام خاص سيما وأنها من بين أكبر مصدري النفط والغاز في العالم. وفي سياق متصل قال شتاينماير: "الجزائر وبعكس تونس والمغرب يعتمد على قدراته الاقتصادية الذاتية خاصة من خلال استغلال ثرواته، ولكن البلاد بصدد البحث عن طرق جديدة لتنويع مصادرها الاقتصادية، الأمر الذي يفسر الاهتمام الكبير الذي قوبل به أعضاء البعثة الاقتصادية المرافقة من أجل مساعدة الجزائريين على تطوير قطاعات اقتصادية جديدة غير قطاع الطاقة."
أما فيما يتعلق بالإشادة بالإصلاحات السياسية في دول المنطقة، فقد حظيت تونس، مهد الربيع العربي، بنصيب الأسد. وتحدث وزير الخارجية الألماني عن إنجازات التونسيين بكل إعجاب بالقول: "تونس هي البلد الذي أثار اهتمامنا في ألمانيا بشكل أكبر لأن الشجاعة والتصميم الذي أظهره التونسيون في المضي قدما على طريق الديمقراطية بعد التغييرات السياسية مدهشة للغاية. نأمل أن تتوج هذه العملية بشكل مرحلي بتشكيل حكومة وأن تثبت الديمقراطية في هذا البلد بشكل متواصل".
وقلد شتاينماير أمس السبت رئيس الحكومة التونسية المنتهية ولايته مهدي جمعة الصنف الأكبر من وسام الاستحقاق الألماني تكريما لنجاح الانتخابات التونسية التي توجت مرحلة الانتقال الديمقراطي في البلاد. وقال الوزير الألماني في قصر الحكومة بالقصبة إن "وسام الاستحقاق هو تكريم واعتراف بنجاح التجربة التونسية وتكريم للشعب التونسي لما أبداه من توافق وتحضر". وأشاد شتاينماير الذي كان برفقته أعضاء من لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، بالتجربة التونسية التي تعد نموذجا جلب انتباه العالم كما أشاد بنجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية والانتقال بالبلاد من الوضع المؤقت إلى الوضع المستقر والدائم عبر صياغة دستور توافقي جديد وتركيز مؤسسات الدولة الدائمة وتشكيل حكومة جديدة. وقال رئيس الحكومة المؤقتة المهدي جمعة "إن تقليده لهذا الوسام هو اعتراف بنجاح التجربة التونسية وتتويجا للشعب التونسي".
"الخلافات تحول دون تعاون مغاربي"
لم يغب عن شتاينماير التنويه بالإصلاحات السياسية في المغرب، بحيث قال: "المغرب هو الدولة الأولى التي رأينا فيها أن الملكية تسير على طريق الحداثة بحيطة وحذر شديدين، البعض يقول ببطئ شديد، بيد أن البلاد حافظت على استقرارها ووحدتها." وألمح الوزير إلى الخلافات القائمة بين المغرب والجزائر بالقول: "لقد التقينا أشخاص مثيرين للاهتمام في الدول الثلاث (تونس والجزائر والمغرب). ولكن ما يلفت النظر أنها تختلف فيما بينها، وهذه الاختلافات حالت حتى الآن دون البحث عن تعاون حقيقي بين الدول المغاربية."
كما شكلت علاقة الدين بالسياسية من ضمن القضايا التي تطرق إليها الوزير الألماني في جولته المغاربية. ففي كلمة ألقاها أمام طلبة جامعة المنار في تونس قال شتاينماير: "أنا مسيحي وديني مصدر إلهام لي في الحياة الخاصة والعامة". ولكنه أكد في الوقت نفسه على ضرورة ألا يتعارض الدين مع الديمقراطية، قائلا: "هناك ديمقراطية تعطي لللإسلام مكانا وهناك إسلام يعطي للديمقراطية فضاءا"، بيد أنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه لا يزال يفتقد إلى برهان على ذلك في العالم العربي.
ش.ع/ع.ج (DW)