جوقة غنائية وفرقة مسرحية ... عندما يساهم الفن في اندماج
٩ يناير ٢٠١٦وقع اختيار "جمعية اللغة الألمانية" على كلمة "لاجئين" لتكون كلمة العام 2015؛ فالكلمة هي الأكثر تداولاً وتأثيراً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أما في الحياة الثقافية فقد أخذ اللاجئون -وليس الكلمة فقط- بوضع مَوْطِئ قدم لهم في المشهد الثقافي وترسيخه رويداً رويداً. فقد شهد النصف الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي فعاليتان ثقافيتان مِن وإلى ومع اللاجئين: مسرحية "قارب الأحلام" في مدينة لايبزغ، وحفل موسيقي كلاسيكي في حرم كنيسة إيمانويل البروتستانتية في مدينة كولونيا.
"نشيد الفرح" بالعربي
في الثالث من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وبمناسبة اليوبيل الفضي للوحدة الألمانية، شارك 60 مغني كورال ألمانياً و20 لاجئا سورياً في إحياء الأمسية. ومن بين هؤلاء كان الشاعر السوري الشاب فادي جومر(36 عاماً)، الذي لم يمضِ وقتها على وصوله إلى ألمانيا سوى ثلاثة أشهر. عزفت الفرقة الموسيقية، بقيادة المايسترو توماس غيبهارتد، ورنّمت الجوقة "نشيد الفرح" باللغتين العربية والألمانية. النشيد من كلمات الشاعر الألماني شيلر(1759-1805)، ويُعزف ويُغنى في الحركة الرابعة من السمفونية التاسعة لبيتهوفن (1770-1827). أعاد فادي كتابة النشيد بلغة عربية غنائية وباللهجة السورية البيضاء (لهجة وسطى بين الفصحى والعامية):
يا رفقات النغمة الحلوة..........ما أحلى صوت الحياة
بدنا نغني ونجمة تضوي..........ونخلّي الفرحة صلاة
يا فرحة يا ضحكة الله..........مبعوتة تـ يطيبوا الناس
يا طفلة من الجنة وأحلى..........فيضي حتى يفيض الكأس
جينا عند بوابك نحلم..........ونطرّز أسامينا
خليّ هالدنيا تتعلم..........منّك لما غنّينا
يا قطعة سما حنونة..........سحرك غامر قلب الكل
مهما اختلفوا وقت تكوني..........بتجمعهن إيديك الفل
اللي فرقنا هو ظلمنا.........نحنا بالأصل ضحكات
إخوة إخوة إنتو ونحنا.........بتجمعنا روح الحياة
يقول فادي في تصريح خاص لـDWعربية: "كانت الخطوة هامة جداً بالنسبة لي لعدة أسباب: أولاً- رمزية نشيد الفرح فهو النشيد الرسمي للاتحاد الأوربي. ثانياً- أهمية المقطوعة الموسيقية التي يراها الكثيرون القطعة الأجمل في تاريخ الموسيقى. ثالثاً- المعنى الإنساني الجميل في نص الشاعر شيلر، والذي ترجمه الصديق "حكم عبد الهادي" وأعدتُ أنا كتابته مرتكزاً على حرفية المعاني، والذي تقول خلاصته: سيصبح كل البشر إخوة. وهذا المعنى حين يصوغه "لاجئ" ويغنيه "مواطنون" سيكون تنفيذاً حرفياً لوصية الشاعر الجميلة المكتوبة في قصيدته".
وبعد الصدى الطيب للنشيد يخطط فادي للعمل على ترجمة قصائد أخرى مُغَنّاة للغة الغنائية البيضاء، بحيث يحافظ على "الموسيقى والإيقاع وجمالية النص"، كما يقول فادي. يحاول فادي تلمس خطواته الأولى هنا ولا يبخل عليه صديقه توماس غيبهارتد، قائد الأوركسترا، "بالدعم قدر استطاعته" ويأمل بأن "يجد دعماً من مؤسسة ترعى النشاط الأدبي أو المسرحي".
"قارب الأحلام" يغير مسيرة حياة بيان
بعد سنة وبضعة أشهر من وصولها إلى ألمانيا، لقيت طالبة اللجوء بيان الجرعتلي (20 عاماً) دعما ومساندة من أصدقاء ألمان وجمعيات ألمانية؛ فقد حسنت لغتها بشكل كبير وتعرفت عن طريق أصدقائها الألمان على الفرقة المسرحية "Bar oder Ehda"، التي أسستها جمعية "إنتراكشن لايبزغ" في تموز/يوليو الماضي. تهدف الجمعية إلى "دعم مشاركة اللاجئين في الحياة الثقافية والاجتماعية في مدينة لايبزغ"، التي يبلغ تعدد سكانها حوالي نصف مليون. شاركت بيان -إلى جانب السوريين طارق الخطيب (20عاماً) وعلي كردية (16 عاماً) وأربعة ألمان- في مسرحية "قارب الأحلام" وباللغة الألمانية. يلتقي السبعة مصادفة فيرقصون ويغنون ويبكون. يمتزج الواقع بالحلم، والسياسية بالحب، والسمو بالوضاعة. عُرضت المسرحية لمدة ثلاثة أيام متتالية ولقيت صدى طيبا لدى الجمهور وأفردت لها الصحيفة المحلية الوحيدة في المدينة مقالاً خاصاً.
"كانت هذه الفرصة المثالية لاختبار قدراتي المسرحية والحصول على تدريب بسيط في هذا المجال قبل الانتقال لدراسته أكاديمياً"، تقول بيان لـDWعربية، بعد أن قررت العدول عن رأيها بدراسة الطب البشري وبدأت بتقديم طلبات الالتحاق بكليات التمثيل واجراء الاختبارات اللازمة لذلك. كما قدمت مع الفرقة في كانون الأول/ ديسمبر المنصرم مسرحية "صديق مجهول" والتي تصنف ضمن المسرح التفاعلي. يركز المسرح التفاعلي على إشراك الجماهير بالعمل المسرحي وتحويلهم إلى ممثلين، متجاوزاً بذلك الشكل التقليدي للمسرح الذي يكون فيه المشاهدون مجرد متلقيين سلبيين.
دعم من الحكومة والمجتمع المدني
تضاعفت وتيرة الاهتمام والدعم مؤخرا للنشاطات الثقافية مع اللاجئين من الجانبين الرسمي والمجتمعي. وهذا ما يؤكده الدكتور أرنت أوشمان، نائب رئيس قسم العلاقات العامة والإعلام في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والفنون في ولاية بادن فورتمبيرغ، في حديث خاص لـDWعربية: "قدمت الحكومة المحلية توصيات لتحسين مشاركة المهاجرين في الحياة الثقافية. ودعمنا منذ عام 2012 ثلاثمئة مشروع عابر للثقافات بأكثر من 2 مليون يورو. وفي مدينة مانهايم افتتحنا 'مركز الموسيقى العالمية' وبرنامج للبكالوريوس، والذي يتضمن دراسة آلات موسيقية عربية وتركية. ومنذ كانون الأول/ ديسمبر 2014 قدمنا نصف مليون يورو إضافية لدعم المشاريع الثقافية للاجئين". أما جمعية "لايبزغ إنتراكشن"، المنحدر أعضاؤها من خلفيات لاجئة وغير لاجئة، فقد أشرفت وشاركت بتنظيم عدة فعاليات منذ آب/أغسطس الماضي: مهرجان شعبي في أحد شوارع المدينة، أمسية طبخ سورية-أريترية، جولات في المدينة، حفلة نهاية العام، غناء كورالي، وتأسيس الفرقة المسرحية التي قدمت مسرحية "قارب الأحلام".
فرصة في الأفق
تحتل قضية اللاجئين وإدماجهم بالمجتمع الألماني سلم أولويات الحكومة. كيف يساهم الفن في الاندماج؟ وإلى أي حد تم العمل على توظيفه؟ يعتقد فادي أن "أساس الإندماج هو المعرفة: أن أعرف الآخر وأن يعرفني. والفن هو من أهم أدوات التعريف بالهوية"، وبنفس الاتجاه تؤكد بيان أنه "أمام الفن يصبح دور اللغة والحدود الجغرافية ضئيلاً جداً". بيان تحدثت بالمسرحية بالعربية والانجليزية والألمانية وكانت هناك أغنية فرنسية أيضاً. والأمر نفسه تؤكده هنا زَور من مجلس إدارة جمعية "لايبزغ إنتراكشن" في حديثها لـDWعربية: "يمنح الفن اللاجئين وغير اللاجئين منصة للتفكير بالمستقبل والاستفادة من التنوع الثقافي. ويعطيهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم واكتشاف إمكانياتهم وتطويرها. كما يزيل الحواجز بين النظرية والممارسة والحواجز الاجتماعية والجغرافية. ويساعد في إعادة النظر بالأفكار الشائعة وإعادة تعريفها من جديد". رغم كل ما يوفره الفن من إمكانيات للاندماج، غير أنه "لم يتم استغلاله إلا بشكل ضئيل جداً حتى الآن"، يخلص الدكتور أرنت في حديثه معنا.