أجواء بطعم الشرق - ألمان ولاجئون يحتفلون بأعياد الميلاد
٢٤ ديسمبر ٢٠١٥في قاعة ميغرابوليس بمدينة بون الألمانية، كانت ترتيبات الاحتفال بعيد الميلاد الذي أعدته الكنيسة البروتستانتية، وبالتعاون مع منظمة الكاريتاس التابعة للكنيسة الكاثوليكية، تشهد زخماً كبيراً. بدأ الحضور يتوافدون إلى القاعة مصطحبين معهم العديد من الأطعمة والمأكولات.
الأطفال يتجمعون ويترقبون بشغف وصول بابا نويل الذي سوف يوزع عليهم الهدايا، فيما اغتنمت العائلات انشغال أبنائهم للتعرف على العائلات الأخرى. وفيما حمل البعض النبيذ الساخن "الغلو واين"، الذي يعتبر شربه في ألمانيا إحدى عادات الاحتفال بعيد الميلاد، تناول البعض الآخر الكبة الحلبية والمعجنات بالجبن والزعتر.
وتجاورت المأكولات العربية مع الحلويات والمأكولات الألمانية، في مشهد يحمل ربما تمازج الألمان واللاجئين السوريين والعراقيين وغيرهم، والذين قرروا الاحتفال سوية بعيد الميلاد. وبالرغم من كون اللاجئين المحتفلين أغلبهم من المسلمين والذين يحتفلون بعيد الميلاد في ألمانيا لأول مرة، فإن السرور لم يفارق محياهم طيلة فقرات الحفل المتعددة، فيما صدحت أصوات الموسيقى والغناء داخل القاعة.
الاحتفال المشترك بعيد الميلاد جمع بين ألمان ولاجئين، وبعضهم يحتفل بأعياد الميلاد للمرة الأولى، وأُقيم بهدف المساهمة في دمج اللاجئين في المجتمع الألماني، كما تقول إلموت هوفمان، المنسقة لهذا المشروع من الكنيسة البروتستانتية.
وتضيف هوفمان في حوار مع DW عربية بالقول: "الاحتفال بعيد الميلاد مهم جداً في ألمانيا، وهو يعتبر من إحدى الفعاليات السنوية التي تعبر عن المجتمع الألماني".
أما عن الهدف من الاحتفال المشترك فتقول هوفمان: "أردنا أن نحتفل سوية هذا العام، فقمنا بدعوة عائلات ألمانية وعائلات سورية وعراقية واريترية من اللاجئين القادمين إلى ألمانيا، وذلك من أجل التعارف بين العائلات ولجلب البهجة لقلوبهم"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن المأكولات العربية تزين السفرة: "الطعام العربي لذيذ جداً".
عائق اللغة
على الطرف الآخر من طاولة المأكولات وقفت أم محمد تشرح للألمان بلغة بسيطة عن طعام أعدته بنفسها، فيما وقف زوجها أبو محمد بقربها وهو يتحاور مع مدرسة اللغة الآلمانية داغمار شولتسه، التي تطوعت لتدريس اللاجئين اللغة الألمانية. أم محمد وزوجها قدموا من العراق منذ سنة تقريباً، ولا تزال اللغة تشكل أكبر عائق أمام اندماجهم والحصول على عمل.
تقول أم محمد: "عملت في العراق في مجال مختبرات التحاليل الطبية لمدة 15 عاماً، وزوجي صيدلي عمل لنفس الفترة تقريباً، إلا أنه ومنذ أن قدمنا لألمانيا لا زلنا نكافح من أجل فهم اللغة الألمانية". وهو ما يؤكده زوجها أيضاً بالقول: "أعتقد أن الأمور كانت لتكون أسهل لو أتقنا اللغة".
أما داغمار شولتسه فتقول عن هذا الاحتفال المشترك: "إنها المرة الأولى التي أحضر فيها حفلاً مختلطاً كهذا. أعتقد أن هذه الاحتفالات تعد فرصة ذهبية للتعارف بين العائلات الألمانية وتلك التي لجأت حديثاً إلى ألمانيا". وتضيف معلمة اللغة الألمانية بالقول: "للأسف اللغة لا زالت تقف عائقاً أمام العديدين، إلا أنهم يبذلون جهوداً كبيرة في سبيل تعلمها"، مؤكدة في الوقت نفسه أن "اللغة الألمانية ليست سهلة بالطبع".
بابا نويل.. بابا نويل
أصوات أغاني عيد الميلاد التي كانت تصدح انقطعت فجأة وانطفأت الأنوار. الكل بدا مترقباً، فيما حبس الأطفال أنفاسهم قبل أن يظهر رجل يلبس ملابس سانتا كلوز وبدأ الأطفال بالصراخ: "بابا نويل.. بابا نويل" قبل أن يتبعوه بسرعة.
وبدأ سانتا كلوز (بابا نويل) بتوزيع الهدايا. الطفل السوري سمير ذو الأعوام التسعة بدا متردداً في اختيار الهدية، قبل أن تشجعه والدته على الاختيار. وسرعان ما فتح سمير الهدية ليجد لعبة من القماش، أخرجها وبدا مزهواً بها أمام أقرانه وعينيه تقارن بفرح طفولي ألعاب الأطفال الآخرين.
ولم تكن هذه هي الحفلة التي أُقيمت في بون، هي الوحيدة، فقد شهدت المدينة حفلة أخرى أعدتها جمعية "ياسا للاندماج والتأهيل والثقافة"، حيث أعدت الجمعية حفلاً كبيراً من أجل تعريف اللاجئين بماهية عيد الميلاد، وأهميته في ألمانيا. مدير جمعية ياسا، سعد شيخ علي أوضح في حوار لـDW عربية أن "الاحتفال بعيد الميلاد في ألمانيا لم يعد مسألة دينية فقط، بل أضحى أيضاً مسألة ثقافية تعكس قيم ونمط المجتمع الألماني".
ويضيف شيخ علي بالقول: "أردنا في جمعية ياسا أن نقدم للاجئين في ألمانيا فرصة أن يتعرفوا عن كثب على هذه المناسبة، وكيفية الاحتفال بها في ألمانيا".
بين الشرق والغرب
الحفل وإن بدت فكرته مشابهه لما قامت به الكنيسة البروتستانتية في دعوتها للاجئين للاحتفال مع الألمان بعيد الميلاد، إلا أنها اختلفت كلية في التصميم، فقد حرصت جمعية "ياسا" على إضفاء جو عيد الميلاد للحفل المقام، فوزعت المشاركين على طاولات مستديرة.
واكتفت بإضاءة خافتة، فيما وضعت على الطاولات حلوى عيد الميلاد الخاصة بنكهة اللوز والمارتسبان والتي لا يكاد يخلو منها أي بيت ألماني في فترة الأعياد. كما صُممت أضواء جانبية مزركشة بألوان مختلفة، أضفت على الجو بهجة، فيما كانت عرافة الحفل باللغات الألمانية والعربية والكردية تشرح عن طقوس عيد الميلاد.
والمفاجأة السارة كانت في نهاية الحفل، حيث صعدت على المسرح فرقة كردية فنية من لاجئين سوريين، تعرفوا على بعضهم البعض في ألمانيا، وقادهم حب الموسيقى والطرب الشرقي، إلى المشاركة في الحفل الذي أعدته الجمعية. غنت الفرقة فقرات متواصلة من الطرب الشرقي الأصيل، وعزفت على الآلات الموسيقية الشرقية، ما أثار إعجاب الجمهور.
ومع اختلاط الموسيقى الشرقية بأجواء عيد الميلاد، والطقوس الألمانية الخاصة به، علق أحد المشاركين الألمان بالقول: "موسم الأعياد في ألمانيا جميل جداً، إلا أنه بات له طعم آخر مع هذا التنوع الثقافي الكبير".