اللاجئون في ألمانيا- تصورات مسبقة ومعاناة مع البيروقراطية
٢٠ أكتوبر ٢٠١٥"هذه هي حالنا.. اشعر وكأنني سأغرق في بحر من الأوراق والرسائل التي تبدو لي كطلاسم لا أفهم منها شيئا" هكذا يوضح لنا محمد معاناته مع البيروقراطية والرسائل التي تنهال عليه يوميا من دوائر رسمية ومدارس مختلفة. محمد مهندس سوري والد لخمسة أطفال اضطر إلى النزوح من مدينته حلب واللجوء إلى ألمانيا منذ نحو عام، وهو يعيش الآن مع أسرته في مدينة بون.
محمد يقول إنه لم يتوقع أن يواجه كل هذه البيروقراطية في ألمانيا التي كان بعتقد أن الأمور تسير فيها بسهولة وسلاسة أكبر، لكنه تفاجئ بأن البيروقراطية والشكليات و"تلال الأوراق" المطلوبة لكل معاملة إدارية تفوق كثيرا جدا ما كان موجودا في سوريا. وإن كان يرى أن ما يخفف من معاناته مع البيروقراطية هو أن علاقته على الأغلب تكون مع موظف واحد ضمن الإدارة وهو بالتالي لا يحتاج ليركض وراء موظفين كثيرين يستجدي منهم توقيعاتهم مثلما كان يفعل في حلب، كما أن معاملة الإداريين جيدة على الأغلب. وهو ما يؤكده محي الدين أيضا الذي التقيناه في مركز جمعية ياسا للاندماج التي تقدم المساعدات والاستشارات للاجئين، ويقول إنه حين كان في سوريا كان يتوقع أن "كل شيء وكل المعاملات الإدارية يمكن إنجازها عبر الانترنت" ويتساءل "لا أفهم لماذا الإصرار على كل هذه الأوراق".
محي الدين (27 عاما) درس في معهد الاتصالات وكان يعمل في شركة الاتصالات السورية موظفا فنيا، يحلم بأن تتاح له فرصة تدريب لدى شركة سيمنس "المشهورة عالميا" ويحلم أن يعمل في مجال تخصصه لدى شركة الاتصالات الألمانية "دويتشه تليكوم"، لكن عليه إتقان اللغة الألمانية أولا؛ والتي تشكل عائقا أمام كثير من اللاجئين لدى قدومهم إلى ألمانيا وخاصة من لا يعرفون الانكليزية. محي الدين يقول إنه يريد "التأسيس وبدء حياة جديدة، فلا أمل في تحسن الوضع في سوريا على المدى المنظور". لذلك يعمل الآن من أجل لم شمل عائلته أيضا.
مصاعب ما بعد الحصول على حق اللجوء
في مركز "جمعية ياسا للاندماج والتأهيل والثقافة" حيث التقينا عددا من اللاجئين تحدثنا مع رئيس الجمعية سعد شيخ علي أيضا، الذي قال إن الجمعية تقدم المساعدات والاستشارات للاجئيين في مختلف المجالات ولاسيما تقديم طلب اللجوء والإجراءات القانونية ولم شمل العائلة وتعديل الشهادات العلمية والدراسة والتأهيل والتواصل مع مكاتب المحامين والدوائر الرسمية في مدينة بون. ويضيف بأن "الجمعية تتعاون مع الدوائر المختصة في المدينة من أجل مساعدة اللاجئين على الاندماج" وفي هذا المجال تقيم دورات مجانية لتعليم اللغة الألمانية بدعم من جامعة بون وجهات أخرى.
لكن الأمر ليس سهلا دائما بالنسبة لكثير من اللاجئين، فالبعض يواجه مصاعب عديدة وخاصة بعد حصولهم على حق الإقامة كما يوضحٍ شيخ علي، ويأتي في مقدمتها "إيجاد مسكن مناسب وخاصة للعائلات التي لديها أكثر من طفل، والتواصل مع الدوائر الرسمية والبيروقراطية التي تفاجئ اللاجئين عند إنجاز معاملاتهم المختلفة". وعن مدى استعداد وتقبل اللاجئين للاندماج يقول "إن ذلك نسبي، ولكن بشكل عام فإن الشباب وخاصة الدارسين منهم، أكثر استعدادا وسرعة للتأقلم والاندماج مقارنة بالمتقدمين في السن والأميين". وهذا ما أشار إليه "العم أبو حسين" هكذا قدم نفسه، وهو لاجئ من محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا وقد عبر عن ذلك بكلمات بسيطة ومباشرة "أنا رجل أمي تجاوزت الستين ولدي أحفاد. كنت مزارعا طوال عمري. إذا كنت لا أتقن العربية التي هي اللغة الرسمية في سوريا (هو كردي) كيف يمكن أن أتعلم الألمانية بعد هذا العمر وفوق ذلك تتحدثون عن الاندماج وأن أصبح ألمانيا!".
لكن الشابة نيرمين (20 عاما) القادمة من محافظة حماة، وهي في ألمانيا منذ نحو سبعة أشهر تستطيع تركيب بعض الجمل البسيطة باللغة الألمانية تقول إنها تعلمتها بنفسها من خلال الانترنت وهي تريد الآن بعد أن حصلت على حق اللجوء، تعلم اللغة بأسرع ما يمكن لتلتحق بالجامعة وتحقق حلمها وما كانت تطمح إليه في سوريا بدراسة المعلوماتية وأن تصبح مبرمجة كمبيوتر فهي تعشق "الكمبيوتر والانترنت والعالم الافتراضي" الذي لا تكاد تغادره وتقول "كم أنا سعيدة هنا في ألمانيا حيث الانترنت متوفر دائما وسريع جدا.. أشعر أنني ولدت في ألمانيا من جديد، إنها أصبحت بلدي". نيرمين محظوظة حيث تعرفت مؤخرا على إمرأة ألمانية "عرابة لاجئين" تساعدها في تسيير مختلف أمورها وتعليمها الألمانية أيضا حتى تلتحق بأحد معاهد تعليم اللغة.
تصور وتفسير مختلف للقيم
الملفت في ذلك اللقاء مع بعض اللاجئين في مركز جمعية ياسا، أنه ليس كل الشباب كانوا بحماس واندفاع نيرمين ومستعدين لبذل الجهد والقيام بمبادرات ذاتبة لتعلم الألمانية والاندماج في المجتمع. وفي هذا السياق اشتكى سمير (22 عاما) وتأفف من "صعوبة تعلم اللغة الألمانية" وعقلية الألمان التي وصفها بـ"المبرمجة" حيث أن "كل شيء لديهم مخطط وبموعد. لا تستطيع أن تذهب إلى أي مكان أو تلتقي أيا منهم بدون موعد مسبق. إنهم يعيشون في قوالب" ويضيف صديق له أتى معه "يريدون أن ندخل نحن أيضا في القالب.. والله صعب علينا فنحن لم نتعلم ذلك" ويقاطعه سمير " كنا نعتقد أن المجتمع الألماني حر أي أنت حر تذهب وتأتي وتفعل ما تشاء بحرية ولست مقيدا بكل هذه القوانين والتعليمات".
الرفض لدى بعض اللاجئين لا يقتصر على النظام والترتيب والدقة لدى الألمان بشكل عام، وإنما هناك من يرفض القيم ويفسرها بشكل مغاير. فأحد الذين قابلناهم في مركز الجمعية طلب منا عدم ذكر اسمه قال، إنه لا يتصور أن تشارك ابنته في درس السباحة مع الأطفال الآخرين، ويضيف "أنا أتيت من مجتمع محافظ متدين، هذا الشيء لا يتوافق مع قيمنا الاجتماعية التي تربينا عليها" وهو ينظر إلى المساواة بين المرأة والرجل بشكل مختلف وليس كما يتصوره المجتمع الألماني، وإنما "كما أمرنا به ديننا الحنيف وقيمنا الاجتماعية التي تقول إن المرأة مهمتها الأساسية في البيت وتربية الأطفال".
إذن هي الأحكام والتصورات المسبقة عن المجتمع والحياة في ألمانيا لدى الكثير من اللاجئين، الذين ينتمون إلى مجتمعات وثقافات مختلفة تماما، تنعكس على قدرة وقابلية البعض للاندماج أيضا. وعن سبب رفض البعض للقيم والنظام في ألمانيا يقول فوزي ديلبر، عضو مجلس الاندماج في بون، "إن هؤلاء لا يعرفون هذه القيم ولم يمارسوها في بلادهم سابقا مثل الديمقراطية، حيث أن أغلب اللاجئين يأتون من بلاد تحكمها أنظمة ديكتاتورية مثل سوريا، حتى أن تصورهم لبعض القيم مختلف مثل المساواة بين المرأة والرجل التي يختلف النظر إليها وتعريفها في ألمانيا عم هو عليه في بلدان الشرق الأوسط مثلا". ويضيف بأن ذلك لا يبرر لهم رفض القيم وعدم الالتزام بها، إذ "يجب على اللاجئ احترام المجتمع الألماني وقيمه وقبولها والالتزام بها وبالقوانين والقواعد العامة كما هي وليس كما يرغب هو".
ويلاحظ المتابعون لشؤون الاندماج أن المهاجرين واللاجئين الحاليين هم أكثر قبولا واستعدادا للاندماج في المجتمع الألماني، والسبب في ذلك أن أغلبهم من الشباب ومستوى تحصيلهم العلمي حسب رأي ديلبر المهتم بشؤون اللاجئين والاندماج في حديثه مع DWعربية الذي يضيف بأن "العولمة أيضا لها دور، فبفضل الانترنت وسرعة التواصل وتعدد طرقه بات اللاجئ يعرف الكثير عن ألمانيا ولغتها وعن المجتمع والثقافة حتى وهو لا يزال في بلده" وهو ما لم يكن متوفرا للأجيال السابقة من اللاجئين.