جلسات علاج نفسي للاجئين أطفال
١٣ نوفمبر ٢٠١٥DW: جلسات العلاج النفسي تتطلب جرأة من المريض للحديث عما يحتدم في أعماقه. كيف تمكنت من اكتساب ثقة المرضى حتى يبوحوا لك عن أسرار صدماتهم؟
رابعة الطيب: أغلب المرضى هم من الأطفال والشباب، وهم يعانون صدمة نفسية قاسية. لا يتطلب الأمر جهدا ولا وقتا طويلا أثناء جلسات العلاج حتى يكشف المرضى عما عاشوه أثناء رحلة الهروب. تمكنت من كسب ثقتهم لأني أتحدث لغتهم، لقد لحظوا أنى أصغي إليهم بانتباه. يؤثر في جدا ما يحكيه الأطفال لي عن قسوة ما عاشوه ودوما يؤرقني التفكير في قصصهم. أقضي ليال برمتها دون أن يغمض لي جفن، وما يثير الدهشة أن الأطفال يرون قصصهم ببراءة، رغم أن ما عاشوه هو أمر غير عادي.
هل يعني ذلك أن هؤلاء الأطفال غدوا كبارا وهم صغار؟
لقد مر هؤلاء الأطفال بتجارب مختلفة في بلدانهم، ثم تحملوا مشقة الهروب، هذا الأمر أكسبهم نضجا سريعا. اضطروا لتحمل مسؤولية أكبر منه، ليس في مقدور الكبار تحملها. وإذا قارنت أطفالي بأطفال اللاجئين ، فإن الفارق بينهم شاسع. لم يحض اللاجئون الأطفال بطفولة طبيعية كباقي الأطفال، فهم يحملون نفس هموم آبائهم، وهم يشعرون بنفس خوف آبائهم. أغلب اللاجئين الأطفال قدموا إلى ألمانيا دون مرافقة، أتوا لوحدهم تاركين عائلاتهم وراءهم في بلدانهم.
تكمن مهمتك في بناء جسر بين المريض وبين الطبيب، أي الترجمة وليس المعالجة. هل لهذا الأمر جوانب سلبية على العلاج؟
أحاول أن أكون وصلة تربط المريض بالطبيب النفسي، وهذا الأمر لا يتحقق إلا عبر اللغة. وغالبا يعتقد المرضى أني أعمل كمساعدة للطبيب، لا أكثر، لأني أتفهم قلقهم جيدا وأحاول التقليل منه. وهذا الأمر أتقنه لأني أجيد لغتهم ولأني أعرف جيدا ما مر به الأطفال. أتمنى أن يكون للبالغين في العمر التمتع أيضا بالرعاية النفسية فهم أيضا يعانون من الكآبة والصدمات النفسية.
يندهش المرضى في بعض الأحيان من بعض الأسئلة التي أطرحها، فهم يعتقدون أني أعرف الإجابات مسبقا. طبعا أعرفها، لأني أنحدر من نفس البلد، وأعرف جيدا الواقع الصعب الذي تمر به النساء هناك، لكني مضطرة لطرح أسئلة الطبيب، لأنه يجهل ما مروا به. أما أنا فأعلم ذلك لأني مررت بنفس التجربة مثلهم.
قدمت لألمانيا صحبة عائلتك كلاجئة في سن الرابعة عشر، أي أنك خضت التجربة ذاتها. ما الذي تشعرين به بعد كل جلسة رعاية نفسية تقضينها مع الأطفال؟
أتفهم كل مشاكل الأطفال لأني أعلم تفاصيل الواقع الأفغاني جيدا. مثلا، عندما يفصح بعض الأطفال لي عن خوفهم وشكوكهم من المستقبل، فأنا أعرف جيدا ماذا يعني ذلك. أعرف هذا الشعور جيدا، لم أكن أعلم ماذا سيكون مصيري وكيف ستكون حياتي، عندما وصلت صحبة عائلتي إلى ألمانيا. تلك الأحاسيس لازالت ترافقني إلى اليوم، ويمكن أن أقول أن جلسات العلاج ساعدت المرضى على تجاوز محنتهم، لقد منحتهم شعورا بالثقة والأمل.
بماذا تشعرين عندما يحدثك اللاجئون الأطفال عن معاناتهم أثناء رحلة هروبهم التي مررتها بها أنت في طفولتك؟
أنا أم لطفلين، لذلك فإن معاناتهم تمس أعماقي في الصميم. انفجرت باكية ثلاثة مرات و لم أستطع كبت مشاعري. هذا يزعجني، لأن مهمتي تكمن فقط في الترجمة بين المريض والطبيب. غالبا ، أعود إلى بيتي محمّلة بكل تلك القصص عن أطفال تعرضوا لمعاملة سيئة، فأغرق في التفكير فيهم طويلا. في الواقع، أشعر بانشراح كبير عندما يتجرأ أطفال للحديث عن قسوة ماضيهم وما عاشوه، لكن في المقابل، تثقل قصصهم كاهلي.. إنها قصص مروعة بالنسبة لي، أما بالنسبة لهم في مجرد تجربة حياة عادية، يمر بها الوف في بلدانهم.
أنا أيضا امرأة لها أحاسيس وأعرف عن تجربة ما يحس به الأطفال عند الوصول إلى بلد جديد.. أعرف جيدا ذلك الشعور بالغربة وأعرف صعوبة الكفاح من أجل الاندماج وبناء حياة جديدة. عندما حدثتني بنت تبلغ من العمر 14 سنة، أنها تخاف من الفشل وتخاف من المدرسةـ لأنها لا تتقن اللغة الألمانية، عادت بي الذاكرة إلى طفولتي أنا، إلى ماضي وكيف كان يسكنني الشعور بالخوف. ما أقوله دوما لهؤلاء الأطفال بعد مشورة الطبيب النفسي، أني أحسست أيضا بنفس الشعور وتمكنت من تجاوزه وتمكنت من تقرير مصيري. اعترافاتي لهم تعطيهم القوة والشجاع، فالصعوبات التي واجهتها أنا قبل 25 سنة هي نفسها الصعوبات التي يعيشها هؤلاء الأطفال اليوم.
تعمل رابعة طيب كمترجمة لدى المستشفى الجامعي إيبندور في مدينة هامبورغ وهي ترافق لاجئين أطفالا أثناء جلسات علاج نفسي مع أخصائيين ألمان. كما تعمل طيب في مؤسسة "أطفال الغد" وهي مؤسسة تعمل على رعاية أطفال من أفغانستان والعراق وسوريا وغانا وإريتريا. نحو 200 طفل ينتظرون إلى اليوم دورهم على لائحة الانتظار لجلسات العلاج النفسي.