مذاق لازانيا الإيطالية أفضل بحضور اللاجئ السوري نضال
١٢ نوفمبر ٢٠١٥كانت وجبة لازانيا الإيطالية ساخنة ومغطاة بالجبن الجاف ومحشوة بقطع من الفطر، هذه هي وجبة العشاء التي حضرتها نينا خصيصا لضيفها السوري نضال. نينا استضافت بعضا من أصدقائها الألمان للإستمتاع بوجبة العشاء ولتبادل أطراف الحديث مع ضيفها السوري. رقاقات لازانيا المحشوة لذيذة، لكن الأهم هو التعارف عن قرب. لدى نينا وأصدقائها أسئلة كثيرة حول قصة نضال وظروف عيشه في ألمانيا. ورغم مضي سنة ونصف فقط على قدومه إلى ألمانيا، إلا أنه استطاع في هذا الوقت القصير إتقان اللغة الألمانية.
رحلة عذاب عبر الصحراء والبحر
من حقيبة ظهره يخرج نضال خريطة صغيرة لأوروبا، حصل عليها من المركز الإتحادي للتكوين السياسي. ثم يفرشها على الطاولة ويشير بيده إلى موقع بلاده على الخريطة ويقول: "هنا حمص، حيث تابعت دراستي الجامعية". عندما بدأت "المشاكل"، حسب تعبير نضال، في مدينة حمص، أجبر على الإنتقال إلى مدينة حلب لمواصلة دراسته، وبعد تخرجه، تخوف من أن يتم إستدعاؤه لأداء الخدمة العسكرية. "لقد كنت متيقنا أن إنخراطي في الجيش، سيقودني إلى شيئين: إما الموت أو قتل أناس آخرين. لم أود الإقدام على ذلك".
ثم يروي نضال حكاية رحلته الطويلة إلى أوروبا. بدأت الرحلة في تركيا، ومنها ركب طائرة أقلته إلى الجزائر. بعدها اجتاز الصحراء للوصول إلى ليبيا واستغرقت رحلته نصف يوم. في ليبيا توارى لبضعة ايام مع مجموعة من السوريين عن الأنظار، استعدادا لرحلة العبور إلى أوروبا. "لم يكن لدينا طعام. اظطررنا للعيش على الجبن لأسبوعين تقريبا". بعد ذلك تم توقيفه صحبة بعض السوريين، حيث اقتادوا إلى سجن في ليبيا. وقضى أسبوعين داخل أروقة السجن، إلى حين إطلاق سراحه، بعد تدخل أحد معارفه.
نينا وأصدقاؤها الألمان ليسوا متعودين على سماع مغامرات بطولية كهذه. تمكن الشاب السوري من ركوب سفينة شحن كبيرة من ليبيا إلى إيطاليا، واختبأ طيلة الرحلة في غرفة المحركات المظلمة، وظل هناك حوالي 17 ساعة. "لقد اعتقدت أن مصيري سيتنهي بي في تلك الغرفة". بعد مرور شهر كامل على مغادرته حلب، تمكن أخيرا من الوصول إلى ألمانيا. "أنا محظوظ لوصولي هنا، إلى مدينة بون"، كما يؤكد نضال مبتسما.
لاجئ متطوع لمساعدة غيره من اللاجئين
يعيش نضال الآن في بون وهو يعرف الكثير عن هذه المدينة بشكل أثار اهتمام الحاضرين. تطوع الشاب السوري للعمل لدى خمس جمعيات فيها وهي: "برو فاميليا، ناد جي أي أس أي للثقافة، ناد للرياضة، وجمعية أنقذني". لكنه يعمل أيضا مترجما متطوعا لدى كنيسة توماس موريس الكاثوليكية. لم يكن في حسبان نينا ولا لدى أصحابها أن يقوم شاب سوري ذو 29 ربيعا وأستاذ لغة انجليزية بالحديث عن مدينتها بتلك المعرفة العميقة، وهو ينصحهم أيضا بضرورة زيارة أحد مقاهي بون للتعارف.
ليس الإندماج السريع بالمجتمع الألماني أمرا هينا، فبعض اللاجئين لا يستطيعون أو لا يريدون الإندماج بسرعة. هذا ما لاحظه نضال في مقابلاته اليومية مع اللاجئين. فهو يقضي معظم وقته في العمل التطوعي كمترجم، إذ أن بعض اللاجئين لا يتقنون إلا اللغة العربية فقط. "الخدمات المتوفرة للاجئين في مدنية بون جيدة جدا ولا تتوفر في كامل أنحاء البلاد"، يقول نضال. يركز الشاب السوري في الوقت الحالي على تعلم مصطلحات طبية، فهو يريد أن يثري معارفه اللغوية في هذا المجال لمساعدة اللاجئين.
يمد نضال يد العون دون مقابل. لقد تعلم ذلك من مواطن ألماني تعرف عليه في جمعية خيرية تعنى باللاجئين. ساعد المواطن الألماني نضال عند وصوله إلى ألمانيا، فتح له باب بيته ووقف إلى جانبه في أوقات صعبة.وساعده في البحث شقة جديدة. واليوم مازال نضال على تواصل دائم مع صديقه الألماني.
وبفضل مبادرة "أنا أستضيفك" تمكن نضال من التعرف على نينا. المبادرة مفتوحة للجميع، وهي تمكن سكان مدينة بون من استضافة لاجئين أو مهاجرين في منازلهم لإخراجهم من عزلتهم ولتجاوز الأحكام المسبقة بين الأطراف بشكل سريع.
أسئلة محيرة عالقة
بعد الإنتهاء من وجبة لازانيا، قدمت نينا لضيوفها كعكة محلاة بالفانيليا والتوت. وكثرت أسئلة نينا وأصدقائها عن سوريا وعن اللاجئين.لماذا اشتعلت الحرب في سوريا؟ هل على ألمانيا التدخل عسكريا؟ لماذ ا لا يتنحى الأسد عن السلطة؟ هل سيعود الاجئون السوريون يوما ما إلى وطنهم لإعادة إعماره؟ في بعض الأحيان لم يستطع نضال الجواب عليها بشكل واضح، وهي نفس الأسئلة المحيرة التي تأخذ باهتمام العديد من المواطنين والسياسيين دون إمكانية الجواب عليها بعد مرور سنوات كثيرة على بداية الحرب الأهلية في بلاده.