جدل في ألمانيا بعد فرنسا حول حظر ارتداء النقاب
٢٨ يناير ٢٠١٠بعد فرنسا بدأت في ألمانيا وإيطاليا أيضا جولة نقاش وجدل بين سياسيين وشخصيات اجتماعية وفكرية ودينية حول الموقف الذي يتوجب اتخاذه إزاء ارتداء مسلمات النقاب المعروف أيضا باسم البرقع الذي يخفي وجه المرأة وجسمها بالكامل. وتوصَّلت مجموعة برلمانية فرنسية تتمثل فيها أحزاب البرلمان المختلفة، بعد شهور من البحث والنقاش، إلى تقديم اقتراح إلى مجلسهم التشريعي لإقرار قانون يحظِّر ارتداء النقاب في المؤسسات العامة والحكومية بما فيها والمستشفيات ووسائل النقل والمواصلات العامة.
المواقف في ألمانيا تختلف عنها في فرنسا
وتبدو الصورة في ألمانيا مختلفة عن مثيلتها في فرنسا، إذ أن القسم الأكبر من الخبراء والمؤسسات المعنية بهذا الموضوع مثل "المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا" لا يحبذ فكرة منع النساء من ارتداء النقاب، ويفضِّل ممارسة لغة التوعية والحوار والإقناع معهن. وقال الأمين العام للمجلس أيمن مزيَّك إن من أصل أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا لا يتجاوز عدد المنقَّبات المائة. وإذ حذَّر من أن النتيجة "ستكون إشعار المسلمين بالمزيد من العزل عن المجتمع"
أوضح أن البرقع ليس زيّا إسلاميا.
ولكن الكاتبة التركية الأصل لالا أكغون، وهي نائبة سابقة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أيَّدت صدور حظر على إخفاء كامل الجسم، مشيرة إلى أن البرقع "هو سجن لكامل الجسم وينتهك بعمق حقوق الإنسان". وأضافت تقول لصحيفة "فرانكفورتر روندشاو" إن منع النقاب في المدارس والجامعات وفي الأماكن الحساسة مثل المصارف أو المطارات على الأقل "سيكون إشارة مهمة"، علما أن موقف حزبها الاشتراكي الديمقراطي مغاير لموقفها. فقد ذكر الخبير في الحزب للشؤون السياسية الداخلية، ديتر فيفلبوتس للصحيفة ذاتها، إنه "يتمنَّى وجود إسلام منفتح، والفرضُ في رأيي لا يوصل إلى شيء".
نسبة المنقبات صغيرة جداً
وفيما تمنَّعت مفوضة الحكومة لشؤون الاندماج ماريا بومر عن إعطاء رأيها في الموضوع، رفض ممثلون عن تحالف الاتحاد المسيحي الحاكم وشريكة في الائتلاف الحزب الليبرالي، رفضوا إقرار قوانين جديدة تحظر البرقع. فقد عبر نوربرت غايس ممثل الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري عن تفهمه لخطوة الفرنسيين قائلا إن البرقع "تعبير عن الانعزال". ووصف المتحدث باسم الحزب الليبرالي لشؤون الإندماج، هارتفريد فولف النقاب بـ "شكل خاص من التمييز لا يفترض بالمحاكم القبول به على سبيل المثال". من ناحيته وصف رئيس حزب الخضر جيم أوزدمير، وهو تركي الأصل، أيضا النقاش الدائر بـ "الرمزي الذي يتفادى الخوض بالمشاكل الحقيقية". وإذ لاحظ أن عدد من يرتدي البرقع صغير جدا في ألمانيا ذكر أن الغالبية الساحقة من مجمل المسلمين، وكذلك من المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب، ترفض هذا الزي. وقال إنه كمواطن ألماني وكعضو في الخضر لا يوافق على النقاب، خصوصا في الأمكنة العامة.
النقاب يعزز الانعزال عن المجتمع
ورأى الباحث في الإسلام في جامعة هومبولدت في برلين الدكتور بيتر هاينه أن حظر ارتداء النقاب "لن يجعل المسلمات المعنيات يخضعن للضغوط لنزعه عنهن، وسيفضِّلن عندها البقاء في المنزل". وأضاف أن النتيجة ستكون انعزالا أكبر لهن عن المجتمع. وبعد أن ذكر أن عدد المنقَّبات ضئيل ولا يتجاوز الواحد في المائة من المسلمات في ألمانيا لفت إلى أن لا وجود للبرقع في التقاليد النبويَّة. وحضّ هاينه الاتحادات والجمعيات الإسلامية على بذل المزيد من الجهود لمواجهة تطور هذه الحالة محذرا من أن ارتداء النقاب لن يكون ممكنا من الناحية القانونية في عدد من الحالات كالمشاركة في الامتحانات أو اختيار مهنة التدريس. وفي رأي الباحث في الثقافات في جامعة فيدرينا في فرانكفورت ـ أودر الدكتور فرنر شيفّاور فإن المنع يوصل إلى الاستقطاب والنزاعات غير الضروروية. ورفضت الباحثة الاجتماعية التركية الأصل نكلا كيلك المدافعة عن حقوق المرأة عادة، لبس البرقع قائلة "إن من تلبسه لا تتبع دينا بل إيديولوجية". ومع ذلك تجد أن الحظر "ليس الطريق الصحيح، والقوانين لن تنفع، وسيؤدي الأمر إلى منع المنقَّبات من مغادرة المنزل".
أما رئيس بلدية حي نويكولن في برلين هانتس بوشكوفسكي، وهو من الأحياء التي يسكنها عدد غير قليل من المسلمين، فقد رفض منع النقاب، مشيرا إلى وجود عائلات مهاجرة في الحي تغطي النساء فيها كامل جسمها. وقال إنه يفضِّل التنديد بالنقاب ورفضه اجتماعيا وإنسانيا، معتبرا أنه يقلِّل من قيمة المرأة المسلمة، ويرمز إلى كونها مملوكة من الرجل، كما يرمز إلى التطرف والتعصُّب. ولفت إلى أنه لن يكون للمنقَّبات الحق في ممارسة حق الانتخاب أو الحصول على وظيفة في الدولة.
الكاتب: اسكندر الديك
مراجعة: عبده جميل المخلافي